1 هناك رسائل كثيرة يتم توجيهها باستمرار إلى عباس الفاسي، من طرف الماسكين بزمام الأمور في البلد، ولا نعرف إن كان السيد الوزير يقرأ هذه الرسائل وما بين سطورها جيدا، أم أنه لا يفتحها أصلا. آخر هذه الرسائل أُرسلت إلى عباس بعد الفاجعة والكارثة الإنسانية التي عرفتها مدينة مكناس، مضمونها باختصار شديد، هو أن حكومة السيد الفاسي لا محل لها من الإعراب. يعني غيرْ شادّة الزحام وصافي! 2 هذه الخلاصة التي لا نشك في أن السيد عباس يعرفها جيدا ويتجاهلها في نفس الآن، يمكن قراءتها من خلال الغياب التام للرجل على الساحة، وعدم ظهوره حتى للتعليق على ما جرى ولو بتصريح إعلامي مقتضب. وفي الوقت الذي غاب فيه عباس الفاسي عن الساحة، رغم أنه ثاني مسؤول في الدولة بعد الملك، شكليا على الأقل، ورغم أنه رئيس للحكومة، طغى حضور وزيرين آخرين من "حكومته" على الساحة، سواء من خلال القيام بزيارة إلى المكان الذي وقعت فيه الفاجعة بمكناس أو المستشفى الذي يرقد فيه الجرحى، كما هو الحال بالنسبة لوزير العدل محمد الناصري، أو من خلال الحضور الإعلامي، كما هو الشأن بالنسبة لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق. قد يعتبر البعض حضور وزيري العدل والأوقاف كافيا، لاعتبار أن ما حدث يهمهما بالدرجة الأولى، لكننا عندما نعلم أن الوزيرين معا ينتميان إلى ما يسمى ب"وزارات السيادة"، ندرك جيدا أن عباس لم يغبْ من تلقاء نفسه، بل تمّ "تغييبه" من على الواجهة. وبالتالي، فإذا قرأنا ما بين سطور هذه الرسالة بتمعّن كبير، سنكتشف أنها تحمل خلاصة واحدة، وهي أن عباس الفاسي ليس سوى مجرد وزير أول صوري! 3 فلو كان السيد عباس الفاسي وزيرا أولَ حقيقيا، لكان هو أول من يظهر إلى الواجهة بعد فاجعة مكناس، وأمر بعقد اجتماعات طارئة لحكومته، لبحث الإجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها، مثلما يحدث في البلدان الديمقراطية التي يسيرها وزراء أولون حقيقيون. ولا نحتاج هنا أن نذهب بعيدا للبحث عن أمثلة بهذا الصدد، يكفي أن نتجه صوب جارتنا الشمالية، ونعود إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى شهر غشت من سنة 2008، عندما سقطت طائرة تجارية إسبانية في مطار مدريد، حيث لم يتحرك أي مسؤول آخر في الدولة الاسبانية قبل الوزير الأول خوسي لويس رودريكيز ثاباثيرو، الذي قطع إجازته وعاد على الفور إلى مدريد من أجل تتبع تطورات الحادث أولا بأول. أما عباس الفاسي، ورغم أن فاجعة مكناس أودت بحياة أكثر من أربعين شخصا، وخلفت عشرات الجرحى، إلا أنه لم يتحرك، وظل ملازما مكتبه في انتظار تعليمات قادمة من فوق، لكن حتى هذه التعليمات تجاهلته، بعدما تم توجيهها جهة زير العدل، الذي يحمل، كما قلنا آنفا، حقيبة وزارة سيادية. وحتى الاجتماع الذي عُقد عقب الفاجعة، وضم الوزراء الذين لهم صلة بالموضوع، لم يتم استدعاء عباس لحضوره، ما يعني أن حقيبة الوزير الأول التي يحملها السيد عباس لا فرق بينها وبين الحقائب الفارغة التي يحملها زميلاه في الحكومة، امحند العنصر ومحمد اليازغي. فكيف يا إلهي سنصدقهم عندما يقولون لنا بأن المغرب يعيش في ظل انتقال ديمقراطي، ونحن لا نتوفر حتى عل وزير أول حقيقي! 4 إن هذا "الإهمال" الذي يواجَه به الوزير الأول، في الوقت الذي يزداد فيه نشاط "وزراء السيادة"، الذين لا يتحركون بطبيعة الحال إلا بتعليمات فوقية، ليس رسالة موجهة إلى السيد عباس الفاسي لوحده، بل حتى إلى من سيخلفه في منصبه بعد الانتخابات التشريعية المقبلة. على هؤلاء الذين يلهثون وراء الظفر بمنصب الوزير الأول، أن يفهموا بأن هذا المنصب لا يخول لهم تسيير شؤون المغرب، إذا لم يتم إجراء تعديل شامل على دستور المملكة، وهو المطلب الذي صار مجرد "فْردي ديال الفرشي" يخرجه زعماء الأحزاب كلما رأوا مصالحهم الشخصية مهددة. فلا يعقل أن يسيّر وزير أول حكومة تضم خمسة وزراء للسيادة، لا سلطة له عليهم، بل تفوق سلطتهم سلطة الوزير الأول نفسه. وهنا لا يسعنا إلا أن نستغرب من بعض الأصوات التي تدعو وزير الأوقاف إلى تقديم استقالته بعدما جرى في مكناس. كيف يريد هؤلاء من وزير بعيد عن محاسبة الناخبين، ولا ينتمي إلى أي حزب سياسي، أن يفكر في الاستقالة؟ هذا أمر مستحيل. فالوزراء الذين يستقيلون في الحكومات الديمقراطية يفعلون ذلك إما خشية المحاسبة، أو حفاظا على مصالح أحزابهم. لذلك يجدر بهؤلاء أن يكونوا واقعيين قليلا، لأن السياسة لا تحتمل الأحلام والأماني الرومانسية الجميلة! 5 وإذا كانت حكومة عباس لا تتمتع بأي سلطة ولا حتى بالاستقلالية، إلا أن هذا لا يمنع من أن تتحمل مسؤوليتها، على الأقل في ما يتعلق بتعويض أهالي الضحايا الذين قضوا تحت أنقاض مسجد "باب البرادعين" ماديا. يجب على البرلمان، (رغم إيماننا بلا جدوى وجوده أيضا) أن يرغم الحكومة على تعويض أهالي الضحايا، صحيح أن الملك تكفل بمصاريف دفن الموتى، وقدم هبات مالية لذويهم، إلا أن هذه المبادرة، على إيجابيتها، تظل عملا "إحسانيا" ليس إلا، ومن حق ذوي الضحايا أن يطالبوا بالمزيد. أجل، من حقهم أن يطالبوا الدولة بالمزيد، وعلى عباس الفاسي أن يستجيب لهذا الطلب، فالروح لا تقدر بثمن، وعباس الفاسي لن يدفع درهما واحدا من جيبه، وأهالي الضحايا في نهاية المطاف من حقهم أن يحصلوا على تعويضات كبيرة، دون أن تكون مطبوعة برائحة البرّ والإحسان! [email protected] mailto:[email protected]