الهزيمة المُدَوّية للمنتخب الجزائري لكرة القدم وإقصاؤه المبكر من نهائيات كأس الأمم الإفريقية للعبة ذاتها 2023 والخروج المذل من المنافسات القارية متذيلا ترتيب مجموعته لها أسباب أخرى لا علاقة لها بالمستديرة، ولا علاقة لها بالرياضة بشكل عام. الملاحظ أنه في جل المباريات التي خاضها المنتخب الجزائري في السنوات الأخيرة يُسجل غياب الروح التنافسية السليمة عن المنتخب الجزائري، الذي توهج في مونديال البرازيل 2014 بمشاركة مشرفة نالت إعجاب كل الجماهير العربية ومعها الجمهور المغربي الذي تابع مسيرة منتخب "ثعالب الصحراء"؛ فقد كان هذا الأخير هو ممثل العرب الوحيد في هذه المونديال وكلنا نتذكر الهدف الجميل لعبد المؤمن جابو في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع في مباراة مثيرة بين الجزائر وألمانيا؛ لينتهي مشوار ممثل العرب الوحيد في المونديال 2014 ما بين تصفيق وإعجاب، ويدخل التاريخ أول منتخب إفريقي يسجل أربعة أهداف في مقابلة واحدة في مباراته مع كوريا الجنوبية. كما استطاع المنتخب الجزائري تحقيق كأس الأمم الإفريقية 2019 بقيادة مدربه جمال بلماضي (عندما كان مستقلا في قراراته الكروية). وفي السنتين الأخيرتين، ابتدأت متاعب المنتخب الجزائري، وخرج في نسخة الكاميرون 2021 من الدور الأول بعد إخفاقات؛ من بينها تعادل ضد سيراليون في اللقاء الأول، وهزيمتان ضد غينيا الاستوائية وساحل العاج. واستمرت إخفاقات الجزائر تحت قيادة بلماضي في نسخة 2023، ليكتفي بتعادلين ضد أنغولا وبوركينا فاسو، ثم هزيمة مفاجئة في اللقاء الأخير ضد موريتانيا. وهذا ما أنهى مشوار "الجزائر" من الدور الأول كباقي الفرق الصغرى الإفريقية. الناخب الجزائري جمال بلماضي فَقَد هويته كمدرب وتحول إلى "صانع خطط على المقاس" تتناسب وأهواء ورغبات نظام شنقريحة في الجزائر العاصمة؛ وبالتالي فقد دمّر مستقبله الكروي بوضعه تحت تصرف رجال لا علاقة لهم بالرياضة أو بكرة القدم ولا إيمان لهم بالروح الرياضية ولا باللعب الجماعي ولا إدراك لهم بمفهوم المسؤولية الجماعية داخل رقعة الميدان. جمال بلماضي كان يظن أن الهرج الإعلامي في البلاتوهات شبه الرياضية هو عامل يحشد به الجمهور الرياضي الجزائري؛ لكن في الحقيقة تحول هذا السلوك إلى هستيريا مرضية وذهان كروي وكابوس حقيقي يلاحق المنتخب الجزائري، ويؤثر بشكل كبير على أداء لاعبيه وقدرة مدربه على اتخاذ القرارات المناسبة في الزمكان المناسبين. الحقيقة الواضحة التي أمامنا اليوم أن جمال بلماضي هو مدرب فاشل بقرار سيادي جزائري ومفلس تكتيكيا ومنتهي الصلاحية وبدون مستوى وبدون هوية تنقصه الثقة بالنفس يعيش وضعية نفسية جد حرجة، خاصة بعد الإقصاء المثير أمام الكاميرون بعد هدف "إيكامبي" القاتل في الدقيقة الأخيرة، حيث تعرض بلماضي لمشاكل أخرى تؤكد الضغوطات الكبيرة التي يعيشها؛ على غرار دخوله في اشتباك على خط التماس مع النجم التونسي علي العابدي، خلال مباراة ودية مع المنتخب التونسي في شهر يونيو الماضي. ثم تكرر الأمر نفسه مع اللاعب الجزائري سعيد بن رحمة، حيث قام المدرب الجزائري بتعنيف لاعب ويستهام يونايتد الإنجليزي وجره من قميصه في حركات لا رياضية بعد أن رفض الأخير مصافحته غضباً من التغيير أثناء ودية مصر التي لعبها المنتخب الجزائري في الإمارات أكتوبر الماضي. الوضعية النفسية للسيد جمال بلماضي تنبئ بضغوط رهيبة يمارسها نظام الجنرالات على اختياراته كمدرب وعلى فلسفته الكروية داخل المستطيل الأخضر، حيث حولته الآلة الدعائية المجنونة للنظام إلى "مدرب دمية" بدون رأي. بسبب سياسات النظام العسكرتاري المنتخب الجزائري يلعب وحيدا دون دعم جماهيري عربي أو إفريقي متسلحا بعقيدة الاستعلاء المرضي وتضخم الأنا المفرط الذي أصبح جزءا من التفكير الجماعي للشعب الجزائري الذي يعيش في أوهام صنعتها القيادة العسكرية الجزائرية والرئيس عبد المجيد تبون، مفادها أن الجزائر قوة عظمى مهيمنة على محيطها الإقليمي ولها وضعها الاعتباري. عديدة هي أسباب تراجع الكرة الجزائرية؛ لكن السبب الرئيسي هو تدخل نظام الجنرالات لتحويل المنتخب الجزائري إلى منصة هجومية متقدمة للفكر البومديني التوسعي المتهالك، حيث فقد هذا المنتخب هويته الرياضية وتحول إلى أحد ملحقات الجيش الجزائري. ومن ثمّ، تحوّل المنتخب الجزائري من مجرد فريق لكرة القدم يقدم الفرجة واللعب النظيف في إطار رياضي تؤثثه الروح الرياضية إلى ثكنة عسكرية عابرة للقارات لاستعراض قوة وهمية عن "الجزائر القوة الإقليمية"، وتحول إلى إحدى أهم وسائل القوة "الخشنة" للنظام العسكرتاري الجزائري، وأضحى اللاعبون ومعهم الطاقم التقني المرافق إلى قوات "كوموندو" عسكرية تابعة بشكل مباشر للجنرال شنقريحة مهمتها القيام بعمليات متقدمة في العمق الإفريقي وفي حالة الانتصار يتم إصدار بلاغات عسكرية من قبيل البلاغ رقم 1 والبلاغ رقم 2. الجزائر اليوم في حاجة إلى ثورة رياضية حقيقية لاستعادة توهج منتخباتها الوطنية في المناسبات القارية والدولية عن طريق تحرير هذا القطاع من سيطرة الفكر البومديني البائد والاستفادة من التجارب الإقليمية التي في جوارها وبشكل خاص "التجربة المغربية العالمية"، حيث استطاع الفاعل المؤسساتي في الجامعة الملكية المغربية التنزيل الدقيق للرؤية الملكية المستنيرة للنهوض بكرة القدم المغربية التي تحقق اليوم معجزات حقيقية في العديد من المحطات القارية والدولية؛ كالملحمة المغربية في كأس العالم بقطر 2022. الاتحاد الجزائري لكرة القدم يدرك جيدا أن الجامعة الملكية المغربية، بأطرها وكوادرها، هي، اليوم، قاطرة إفريقية للنهوض بالكرة الإفريقية وفتح قنوات للاستفادة من التجربة المغربية سيكون مفيدا لمستقبل الجزائر الكروي الهزيمة المذلة أمام المنتخب الموريتاني الواعد في كأس إفريقيا للأمم هي جرس إنذار بقرب نهاية التجربة الجزائرية في كرة القدم وسقوطها في غياهب النسيان. الواجب، اليوم، على مستوى الاتحادية الجزائرية، هو العمل بشكل جدي ومسؤول بلورة إستراتيجية واضحة المعالم تساهم في إخراج الكرة الجزائرية من متلازمة الهوس المرضي لنظام الجنرالات بالتفوق على المنتخب المغربي؛ متناسين أن هذا منتخب "أسود الأطلس" العالمي اليوم عينه على مقارعة الكبار والفوز بكأس العالم وليس الدخول في متاهات المعادلات الحسابية وانتظار نتائج مباريات أخرى لضمان بطاقة التأهل إلى الدور الثاني !!!