يعيش المتصرفون التربويون (الإسناديون سابقا)، خلال هذه الأيام، على صفيح ساخن بسبب ما أقدمت عليه الوزارة الوصية نهاية شهر نونبر 2023 من اقتطاع مفاجئ من رواتبهم، والذي فاق 2500 درهما، دون سابق إشعار. وفي إخلاف واضح، وغير مفهوم، لوعد مُوَثق قطعه السيد الوزير على نفسه، بعد اقتطاع مماثل خلال شهر يوليوز الماضي، بتأجيل هذه الاقتطاعات، الناتجة عن استفادة المعنيين من تغيير الإطار، إلى أن يتم ذلك مع تسوية ترقيتهم إلى خارج السلم. غير أن الوزير ووزارته لم يفيا بهذا الوعد الذي تعهدا به في عز الحراك الإداري الرافض للنظام الأساسي الجديد وللاقتطاعات الجائرة، و"سمحا" للمالية باقتطاع ذات المبالغ المقتطعة خلال شهر يوليوز2023، من أجرة شهر نونبر، بعد أن عبر المتصرفون التربويون عن حسن النية، وأوقفوا حراكهم. مما ولَّد تدمرا واحتقانا لدى المتصرفين التربويين الذين خضعوا لهذا الاقتطاع غير المفهوم، والذي اعتبروه انتقاما من مشاركتهم في حراكهم المشروع، الذي امتد لما يزيد عن شهرين. كما اعتبروه إجراء غير محسوب، سيصب المزيد من الزيت على النار، وسيزيد قي تأجيج الوضع التعليمي المشتعل أصلا. وقد سجلت العديد من الفروع الإقليمية للجمعيات الوطنية لمديرات ومديري التعليم، امتعاضها من هذا الإجراء غير المفهوم، من خلال بيانات محلية تندد بهذه الاقتطاعات، وتعبر عن رفضها للنظام الأساسي، وتدعو مناضليها إلى التضامن المطلق واللامشروط مع الحراك الأستاذي، ورفض الإشراف على الدعم التربوي الاستدراكي المقرر تنفيذه خلال العطلة البينية الممتدة من 03 دجنبر 2023 إلى 11 دجنبر 2023، كرد فعل عاد ضد لامبالاة الوزارة الوصية، وصم آذانها عن الاستجابة لمطالبهم المشروعة، ومواصلة هتك وضعهم المالي باقتطاعات لا مفهومة. قبل أن يلتحق بهذا الرفض والاحتجاج المحلي، التنسيق الثلاثي الوطني لجمعيات الإدارة التربوية، الذي أكد على الدعوة لنفس المنحى الرفضي والاحتجاجي. حيث ضمن بيانه الوطني دعوة الحكومة إلى الالتزام بتعهداتها إزاء ملف المتصرف التربوي في شموليته، والعدول عن هذه الاقتطاعات التي أوقعت العديد من المتصرفين التربويين في مشاكل خطيرة مع دائنيهم، وتسببت في لجوء بعضهم إلى الاستدانة من أجل توفير مصاريف شهر دجنبر.وهي المعاناة، الواقعة والمتوقعة، التي لم تُعِر لها الوزارة أي اهتمام حينما أقدمت على هذا الاقتطاع، في الوقت الذي تعتبر السيد المتصرف التربوي امتدادها الطبيعي، وسندها اللازم في مواجهة تداعيات الحراك الأستاذي على قطاع التربية والتكوين، ودوره الهام والمحوري في الحفاظ على الأمن التعليمي والتعلمي للتلميذات والتلاميذ داخل المعقل التدريسي التربوي (التواصل مع الآباء والشركاء والأساتذة، الإشراف على الدعم الاستدراكي، بذل الجهد في تأمين الزمن المدرسي المهدور،...) !!. إن العقاب بالاقتطاع، خصوصا حينما يتعلق الأمر باقتطاع مبهم وغير مفهوم، وخارج كل الضمانات القانونية المنضمة للاقتطاعات، وعلى رأسها الإشعار بالاقتطاع مع تبرير اللجوء إليه، وهو الواجب اعتماده في حالة المتصرفين التربويين؛ لا يزيد إلا في تأجيج الوضع، وتأبيد الاحتقان، في الوقت الذي تسعى فيه جميع الأطراف إلى إيجاد حلول تحد من نزيف الغضب، وتجمع الجميع إلى طاولة واحدة للتوافق، والحوار المؤسِّس البعيد عن التهديد وركوب الرأس، والذي أثبت تاريخ الحوارات التي عرفها القطاع مند ستينيات القرن الماضي، عدم جدوائيته في حل الملفات، وإيقاف الاحتقان. كما أن هذا الاقتطاع/العقاب ، إذا استمر لشهور قادمة، وهو الظاهر من إصرار المالية على استرجاع أموالها بالسرعة والفاعلية اللازمة (!!)، سيُسقِط في يد المتصرف التربوي، وسيفرمل بادريته، ويحد من مبادراته، واجتهاده. وهو عكس ما تبغيه الوزارة منه، خصوصا في هذه الظرفية الفاصلة والمفصلية التي يعرف فيها القطاع احتقانا غير مسبوق، والوزارة في حاجة إلى كل المساعي الممكنة من أجل إنقاذ الموسم الدراسي من الكارثة. فهل ستتراجع الوزارة، خلال هذا الشهر وما يليه، بعد المناشدات الكثيرة التي وجهت إليها من شركائها الاجتماعيين، والفرق البرلمانية المتابعة للملف، عن هذا الإجراء غير المفهوم، وتفي بوعدها في تأجيل الاقتطاعات إلى حين تحقق التسوية المالية للمتصرف التربوي؟. أم ستواصل هتك الوضع المالي المهترئ للمتصرف التربوي بما يعنيه ذلك من الدفع نحو المزيد من التأجيج والغضب وتوسيع دائرة الرفض في هذا القطاع الاستراتيجي؟ نتمنى تعقلا ينهي جميع الملفات، وعلى رأسها ملف النظام الأساسي المرفوض، ويفتح عهدا جديدا لنساء ورجال التعليم عموما، وللمتصرف التربوي على وجه الخصوص، بما يتواءم ودور رجل التعليم المحوري والرئيس في تنزيل الإصلاح، وتبويء المؤسسة التعليمية مرتبة "الريادة" التي ينشدها الجميع. دمتم على وطن.. ! (*) متصرف تربوي