ربما يتساءل البعض كيف يمكن لمغاربة العالم أن يكونوا هم فعلا الحل لكل أزمات المغرب، سواء الاقتصادية، الاجتماعية، الصناعية، التكنولوجية أو المالية؟ تاريخيا، كل الدول المتقدمة الآن، وخاصة في المجالات سالفة الذكر، إلا وأخذت العلم والتجربة عن حضارات مختلفة سابقة أو معاصرة، بحيث إن كل حضارة كانت تتميز في مجال معين. جل الدول الأوروبية المتقدمة الآن كانت قد أرسلت أبناءها إلى أهم حضارة في التاريخ والجغرافيا القريبة إليها، ألا وهي حضارة الأندلس (إسبانيا والبرتغال حاليا) المتطورة آنذاك في أهم المجالات من طب، ميكانيك، علم الفلك، صناعة، كيمياء وفلسفة...إلخ. فنهل الأوروبيون فعلا نهلا كبيرا من علم وتجربة هذه الحضارة العظيمة، وإلى يومنا هذا مازلنا نجد كتبا بالعربية في مكتباتهم التاريخية، سواء الوطنية أو التابعة لكنائسها. لقد ترجموا كل الكتب المهمة وطوروا هذا العلم واستفادوا منه كثيرا. وها هو التاريخ يعيد نفسه مع الصين (عالميا المرتبة الثانية اقتصاديا 2022) والهند (المرتبة الخامسة) وحتى تركيا (المرتبة التاسعة عشر)؛ فهذه الدول بعثت أبناءها إلى كل الدول المتقدمة كي تستفيد من خبرتها وتأخذ العلم عنها، ورجعوا إلى بلدهم الأم حيث طوروا هذه الخبرات والعلوم، والنتيجة تقدم في المجال الاقتصادي سيعقبه بالضرورة تطور ونمو في المجال الاجتماعي الذي سينعكس إيجابا على تطور الدولة ككل. المغرب مرشح بقوة كي يرقى في السلم الاقتصادي، الصناعي، التكنولوجي، وبالتالي الاجتماعي، كأقصى تقدير في سنة 2030. شخصيا أؤمن يقينا أن هذا التقدم لن يتحقق إلا بمشاركة مغاربة العالم الذين يمثلون خمس سكان المغرب تقريبا، على منوال الدول سابقة الذكر الصينالهندوتركيا، وهذا لا ينتقص أبدا من الخبرات الموجودة داخل المغرب؛ فهي راكمت خبرات كبيرة كذلك، سواء في المغرب أو إفريقيا. الفكرة هي أن يكون هناك تكامل بين الخبرات المغربية في الداخل والخارج. بغض النظر عن مقومات النجاح التي يمتلكها المغرب الآن من تطور صناعي في السيارات والطائرات والخدمات، وكذا الاكتشافات الغازية المهمة الآتية في السنوات القادمة التي ستحل مشكل الطاقة وخفض تكلفتها الباهظة، والاكتشافات المعدنية كذلك التي تدخل في صناعات البطاريات للسيارات الكهربائية (الكوبالت كمثال، الفوسفاط...)، والتطور الكبير في المجال السياحي التجاري (تنظيم كأس العالم 2030، بناء المطارات والموانئ الجديدة). كما نرى، كل مقادير النجاح موجودة، ينقصها فقط أهم ثروة يمتلكها المغرب، ألا وهي ثروته البشرية التي يجب حسن توزيعها وتنظيمها حسب مجالات تخصصاتها، سواء الخارجية أو الداخلية. كاقتراح، لو فقط مليون مغربي من 6 ملايين مغربي في الخارج استثمروا في مجال تخصصهم كمتوسط 750 ألف درهم (75 مليون سنتيم) للفرد في مشروع، فهنا نتكلم على استثمار تقريبا بنصف الناتج المحلي الإجمالي (75 مليار دولار). الاستثمار الواحد يمكن أن يوفر افتراضا على الأقل منصب شغل واحدا مباشرا وآخر غير مباشر، أي ستشغل هذه الاستثمارات على الأقل مليوني مغربي، وبهذا الشكل يمكن القضاء على البطالة. استثمارات مغاربة العالم بمشاريعهم وخبرتهم ومنطق الرجل المناسب في المكان المناسب بدون وضع عقبات أمامهم، وتوفر إرادة سياسية لاستقطاب هؤلاء المغاربة الغيورين على وطنهم، سيجعل المغرب أكيد في مصاف الدول المتقدمة عالميا اقتصاديا واجتماعيا على منوال الدول سابقة الذكر. (*) خبير صناعي في ألمانيا