لم ننشغل بتأمل صورة الحوز، كما تخيلها الذكاء الاصطناعي. لم نفكر، والشتاء يطرق الأبواب على استحياء، في محن إضافية تنتظر إخوتنا في مناطق منكوبة من مغربنا العميق، الجريح والمنسي، والذين لم يتذمروا من قسوة عيشهم هناك، بسبب أخطاء الجغرافيا وهفوات التاريخ. رأينا كبيرهم الذي علمهم التفاهة، محاصرا بفيلق صحافة "البونج"، كما يليق بالناطق الرسمي لشعب يعبد البلاهة والفضيحة، بينما انشغل الذباب الإلكتروني بشن حرب قذرة على بعض الصفحات الفيسبوكية، التي تضيئ ليل صاحبة الجلالة القاتم، عبر وشايات دنيئة تستهدف منشورات تشيد بكرم المغاربة، وتفضح تهافت تجار الأزمات، الانتهازيين، وسماسرة الوطن، بينما لم يحرك مارك زوكربيرغ ساكنا، بعد أن غزت قارته الزرقاء مشاهد انتهاك المؤثرين لبراءة الأطفال بالقبل! هل أصيب المغاربة بالبلادة العاطفية؟! هاجر كثيرون من صناع التفاهة إلى الحوز، لقضاء وقت ممتع بين الأنقاض، يفتت روتين الحياة اليومية، وفاتهم أن يشكروا الزلزال، الذي رفع عداد المشاهدات وسينفخ أرصدتهم البنكية في آخر الشهر، كما تورط بعض المتبطلين في حفلات التنمر، أو التحرش الجنسي... بل حتى بعض السياسيين الشعبويين، أغرتهم هذه السياحة الجبلية الطارئة، تحت شعار "شوفوني"، فاختار أحدهم أن يلتقط صورة تراجيكوميدية فوق أكياس ملابس بالية، وهو يشهر في وجوهنا حذاءه المعفر بالتراب، تعبيرا عن علو كعب وطنيته السامقة، التي كان يمكنه أن يعبر عنها، دون أن يغادر مكتبه؛ أن يكتفي بإرسال آليات الحفر، والشاحنات في صمت، كما فعل بابا موح، وغيره من فقراء هذا البلد! في رسالة قديمة من الأطلس، غنت، قبل ثلاث سنوات، حارسة بوابة النشيج.. فاطمة_تاگاديت رفقة الحسن الخنيفري ورقية أزرو، وبلسان المغرب العميق، الجريح، المنسي، وفي مناجاة ملتاعة: "داوم زياراتك أيها الحبيب.. أنا لا أطلب منك عطايا أو هدايا.. فيكفيني لقاؤك! ". فهل سنسنى إخوتنا، هناك، بعد أن ينتهي موسم الهجرة إلى الحوز، وننغمس في مشاغل حياتنا اليومية أم سنداوم على زيارتهم ؟!؟! (*) كاتب وروائي مغربي