قال الدكتور رشيد بلحبيب، أستاذ الدراسات اللغوية بجامعة قطر، إن احتلال أول جامعة مغربية للرتبة 2904 عالميا يعكس الوضع المتواضع الذي تحتله المؤسسات الجامعية بالبلاد، ما يؤشر على إفلاسها وتراجع خطير في إسهاماتها العلمية والتعليمية"، مرجعا ذلك إلى عملية المغادرة "الطوعية" بنصيب كبير"، أفضت إلى نزيف الجامعات المغربية. وعزا بلحبيب، في مقال هام مدعم بإحصائيات ومعطيات علمية، تردي الجامعات المغربية إلى "التبعية اللغوية"، باعتبار أن "لغة التدريس والبحث والتواصل والإدارة والمشاريع هي الفرنسية التي شاخت في أوطانها، ولم تعد قادرة على المواكبة والإبداع، وهجرها الفرنسيون أنفسهم في أرقى مختبراتهم، وفي أكثر منشوراتهم". وفيما يلي نص مقال الدكتور رشيد بلحبيب كما توصلت به هسبريس: ترتيب الجامعة المغربية وضريبة التبعية اللغوية أصل التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم الحصول على رتب متقدمة ضمن أفضل الجامعات العالمية، هدف تسعى إلى تحقيقه معظم الجامعات العالمية، وتبذل كل ما تستطيعه من جهد وتسخر كل ما لديها من طاقات في مجالات التدريس وتجويد المخرجات، وفي مجالات البحث والنشر المتميز، وفي مجالات التجهيز والتوسع العمراني، وما يستتبع ذلك من استقطاب لذوي الكفاءات العالية والخبرات المعمقة، والارتقاء بموظفيها، لتتمكن من تحقيق معايير التصنيف الأكاديمي الدولي والاستجابة لها. لقد تم تصميم التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم - لأول مرة - في معهد التعليم العالي التابع لجامعة شانغهاي الذي يضم أكبر مؤسسات التعليم العالي مُصنفة حسب صيغ محددة تعتمد عدة معايير لتصنيف أفضل الجامعات في العالم بشكل مستقل، وكان الهدف من هذا التصنيف هو تحديد موقع الجامعات الصينية في مجال التعليم العالي ومحاولة تقليص الهوة بينها وبين أفضل الجامعات النخبوية في العالم. ولعل اعتماد هذا التصنيف على المعايير الموضوعية، هو ما جعله يحتل أهمية خاصة عند المؤسسات الجامعية التي أخذت تتنافس لاحتلال موقع متميز فيه حتى تضمن سمعة علمية عالمية، ويقوم هذا التصنيف على فحص 2000 جامعة في العالم من أصل قرابة 10.000 جامعة مسجلة في اليونسكو امتلكت المؤهلات الأولية للمنافسة، ثم يتم تصنيف 1.000 جامعة منها في الخطوة الثانية ، وتخضع مرة أخرى للمنافسة على مركز في أفضل 500 جامعة يتم نشرها. معايير التصنيف تقوم المعايير المعتمدة لقياس كفاءة الجامعات وجودتها غالبا على أربعة معايير هي: 1- جودة التعليم: وهو مؤشر لخريجي المؤسسة الذين حصلوا على جوائز نوبل وأوسمة فيلدز ويأخذ نسبة 10% من المجموع النهائي. 2- جودة هيئة التدريس: وهو مؤشر لأعضاء هيئة التدريس الذين حصلوا على جوائز نوبل وأوسمة فليدز ويأخذ نسبة 20%، ويضم إلى هذا المعيار مؤشر للباحثين الأكثر استشهاداً بهم في 21 تخصصاً علمياً ويأخذ نسبة 20%. 3- مخرجات البحث: وهو مؤشر للمقالات المنشورة في الطبيعة والعلوم ويأخذ 20%، يضاف إليه المقالات الواردة في دليل النشر العلمي الموسع، ودليل النشر للعلوم الاجتماعية، ودليل النشر للفنون والعلوم الإنسانية وتأخذ نسبة 20%. 4- حجم المؤسسة: وهو مؤشر للإنجاز الأكاديمي ويأخذ نسبة 10%. النسبة حسب كل معيار: تصنيف يوليو 2010 ومعاييره: قد أصبح التصنيف العالمي للجامعات ثقافة عالمية، يضطلع به عدد من المؤسسات العلمية الدولية، كما تنوعت منطلقات التصنيف بين العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية، والنشر العلمي والنشر الإلكتروني...وفي هذا السياق أصدر موقعWebometricsالتابع لمجمع وحدة الأبحاث الدولية بإسبانياCybermetrics Lab CSIC تصنيفه لعام 2010م، ويهدف موقع "ويبأومتركس" إلى تشجيع نشر الأبحاث العلمية على صفحة الإنترنت ويستند على أربعة مقاييس: 1- حجم الموقع : أي عدد الصفحات التي تحصل عليها محركات البحث الأربعة الرئيسية من موقع الجامعة. 2-الحضور الإلكتروني: أي عدد روابط موقع الجامعة على مواقع خارجية. 3-الملفات الغنية: أي عدد الملفات المحملة على الموقع من مثل: AdobeAcrobat , Adobe PostScript (.ps), Microsoft Word (.doc) Microsoft Powerpoint (.ppt). 4-عدد أوراق البحث والمراجع المنشورة على الموقع . لقد أصبح ترتيب الجامعات العالمية مؤشرا مساعدا على معرفة مستوى المؤسسات الجامعية وما تحقق لديها من إنجازات، فعلى سبيل المثال وجود ثلاث جامعات عربية فقط ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، و4 جامعات ضمن أفضل1000 جامعة، وثلاث جامعات ضمن أفضل 100 جامعة آسيوية، وكون أول جامعة عربية تحتل الرتبة 164 عالميا، وكون أول جامعة مغربية تحتل الرتبة 2904 عالميا، له دلالات تعكس الوضع المتواضع الذي تحتله هذه المؤسسات، وأن العالم العربي مازال بعيدا عن الجودة التي ينشدها، وأن أمام الجامعات العربية تحديات وأشواطا كبيرة وجهودا مضنية يجب أن تبذل للحاق بالركب. ترتيب أفضل الجامعات العالمية بحسب القارات والعوالم: ترتيب الجامعات المغربية: بغضّ النظر عن المعايير المعتمدة، وعن مُنْطلق التصنيف، فإن تراجع الجامعات المغربية واحتلالها لمراتب متخلفةأمر لا يمكن إنكاره ولا تبريره ديماغوجيا كما عودتنا الجهات المعنية بالتزويق وتزييف الحقائق، فلا أثر لأي جامعة مغربية ضمن أفضل 100 جامعة، ولا ضمن أفضل 500 جامعة، ولا ضمن أفضل 1000 جامعة، ولا ضمن أفضل 2000 جامعة عالميا، جامعتان ضمن أفضل 3000 جامعة وهما في آخر الترتيب، وهذه نتيجة في غاية التواضع والتخلف. 1- تخلف على المستوى العالمي: تحتل أفضل جامعة مغربية الرتبة 2904 عالميا، وهي جامعة الأخوين،وبالمناسبة هي جامعة خاصة، والتعليم فيها باللغة الإنجليزية، والتوظيف فيها بالتعاقد، وتجديد التعاقد مرتبط بالمردودية، وللطلاب رأي في تقييم أداء الأساتذة، وتسعى إلى اعتماد برامجها أكاديميا... وما دونها من الجامعات في غاية التواضع، في بلد له من الإمكانيات المادية والبشرية والبحثية ما لا يتناسب مع هذه الرتب. الترتيب العالمي للجامعات المغربية يشي بالصغار والتراجع( أفضل عشر جامعات مغربية ): 2- تخلف على المستوى العربي : لا توجد أي جامعة مغربية ضمن أفضل 10 جامعات عربية، وعجز الجامعة المغربية عن تحقيق ترتيب مقبول عربيا أمر مؤسف ومخجل، في حين تتوجه نخبنا السياسية والمثقفة إلى ازدراء الجامعات العربية واحتقارها، والارتماء في أحضان الجامعات والمختبرات الفرنسية التي تعرف تراجعا جعل النخب الفرنسية نفسها تنتفض غِيرة على مؤسساتها كما سيتضح. أفضل 10 جامعات عربية: 3- تخلف على المستوى الإفريقي: لا وُجود لأي جامعة مغربية ضمن أفضل 10 جامعات إفريقية، وهذا أيضا أمر مؤسف ومقلق، فالمغرب أقرب بلدان إفريقيا إلى أوربا/ الشمال، والبلد الذي كانت له أياد لا تنكر على أكثر دول إفريقيا، وبلد المفكرين والجامعات والباحثين المحنكين يعجز عن احتلال مرتبة معقولة ضمن أفضل الجامعات الإفريقية التي نتجاهلها غالبا عند حديثنا عن التعاون والشراكات...في حين تستأثر بالمراكز الأولى جامعات جنوب إفريقيا التي تدرس باللغة الإنجليزية، وتحتل أبشع المراتب الجامعات الفرنكوفونية. أفضل 10 جامعات إفريقية: الترتيب المغربي والعربي والدولي للجامعات المغربية ال10الأوائل: من أسباب التخلف: هذا الترتيب يطرح عددا من الأسئلة الشائكة، ويُنبئ عن إفلاسٍ المؤسسات الجامعية المغربية وتراجعٍ خطير في إسهاماتها العلمية والتعليمية، أسهمتْ فيه المغادرة الإغوائية/المسماة تزويرا الطوعية بنصيب كبير، حيث تمّ إخلاء الجامعات المغربية من خيرة أطرها وأشرف باحثيها لحاجة في نفس مهندسي المغادرة،المصممين علىتخريب بيوتهم بأيديهم . كما تتحمل كل الأطراف المكونة للجامعة قسطا من المسؤولية،فالإدارات الجامعية والأقسام العلمية والبرامج والميزانيات المخصصة للبحث... كما لا يخفى أن الباحثين الجامعيين لم يعد لهم من هذه المهمة إلا الاسم، ولم يعد خافيا على أحد أن أكثر من 50% من أساتذة الجامعة المغربية لم يكتبوا سطرا واحدا بعد تخرجهم ، بل لم يعد خافيا أن أساتذة الجامعة لم يعودوا يقرؤون ولا يبحثون ولا يكتبون، واشتغل أكثرهم بغير وظيفته، وتحولت الجامعات المغربية إلى مؤسسات تدريسية لا علاقة لأكثرها بالبحث، وتدنى مستوى خريجيها ومخرجاتها، وتدل إحصائيات الإقبال على اقتناء الكتاب في صفوف الجامعيين على ضعف لا يصدق.وقد ساهم في هذا التخلف الترقياتُ المجانية والميسورة المبنية على الأقدمية غير المنتجة، وتسييسُ المؤسسات التي طغت عليها المطالبة بالحقوق وإنكار الواجبات، فضلا عن بعض مظاهر الفساد والتزوير التي وصلت إلى الصحافة والمواقع الإلكترونية مما يطول شرحه. هذه كلها أسباب وجيهة، لكنني أريد أن أقف عند سبب أراه جوهر المشكلة وأسّها، وهو مشكل اللغة - ومن حسن الحظ أن لغة التدريس في أكثر المؤسسات الجامعية ليست العربية، وإلا لكانت اللائمة قد وقعت عليها، ولكانت كل أسباب الفشل ونتائج الترتيب قد علقت عليها. الترتيب والتبعية اللغوية: إن جزء من المشكلة يكمن في التبعية اللغوية، في الاستعمار اللغوي الذي لم نستطع حتى الآن أن نتخلص منه، فلغة التدريس والبحث والتواصل والإدارة والمشاريع هي الفرنسية التي شاخت في أوطانها ولم تعد قادرة على المواكبة ولا على الإبداع، وهجرها الفرنسيون أنفسهم في أرقى مختبراتهم وفي أكثر منشوراتهم، ولم يعد يكنّ لها من الاحترام إلا شعوب المستعمرات في شمال إفريقيا وأدغالها ... وهذا الكلام لا يحتاج إلى دليل فالمجلات العلمية والتخصصية المحكمة يصدر أكثرها باللغة الإنجليزية، ومواقع النشر الإلكتروني والورقي ومحركات البحث، وواجهات المؤسسات البحثية ولغاتها ولغات تدريسها هي الإنجليزية، والعقل يقتضي أن يسارع البلد الذي يريد أن يتقدم ويتبع إلى اصطناع اللغة العالمية - إن لم يصطنع لغته الوطنية - بدل التشبث بلغة لم تعد تفي بالطلب. إن الوفاء للفرنسية، والتضحية بمستقبل المغرب وجامعاته إرضاء للمستعمر الفرنسي الذي ما تزال أيديه ملطخة بدماء المغاربة، وتشبث النخبة السياسية والمثقفة في المغرب بهذه اللغة لا يبرره إلا استمرارها في أداء الأدوار القذرة للمحافظة على المصالح الشخصية والضيقة لفرنسا وأزلامها ... لا أحد يستطيع أن ينكر الوضع المتردي للجامعات الفرنسية، والمتشبثُ بالغريق غريق لا محالة، إن وضع الجامعات الفرنسية يؤثر سلبا على صنائع فرنسا ونسخها من المؤسسات والمسؤولين والباحثين، الذين يأبون إلا أن يكونوا أكثر ملكية من الفرنسيين أنفسهم، ولعل هذا هو سبب تخلف كل الجامعات التي تدرس بالفرنسية عالما وأوربيا وإفريقيا ومغربيا. ومصداقا لهذا سأسوق ترتيب الجامعات الفرنسية... الجامعات الفرنسية تخلف على المستوى العالمي :جامعة واحدة ضمن أفضل 100 جامعة: تحتل جامعة باريس6 الرتبة 90، ضمن أفضل 100 جامعة عالميا –وهو ترتيب متدنّ– و يدل على التراجع الكبير الذي تشهده فرنسا والفرنسية. والفرنسيون يدركون أن الفرنسية صارت عبئا عليهم ، وصارت حاجزا يمنع انتشار أبحاثهم وضمان أكبر عدد من القراء ... الجامعات الفرنسية تخلف على المستوى الأوربي : لقد عجزت الجامعات الفرنسية عن اللحاق بأفضل 10 جامعات أوربية، وقد كانت في وقت من الأوقات تزهو بمراتب متقدمة، قبل أن تكتسحها الإنجليزية والإسبانيةفي مجالات البحث العلمي والنشر ... أفضل 10 جامعات أوربية، لا توجد ضمنها جامعة فرنسية واحدة. الجامعات الفرنسية ضمن أفضل 100 جامعة أوربيا : ثلاث جامعات برتب غير مشرفة الجامعات الفرنسية تخلف على المستوى الإفريقي: حيث سُجّل تراجعٌ في التعليم التي يعتمد الفرنسية لغة للتدريس، وغياب الجامعات الفرانكفونية عن أفضل عشر جامعات في إفريقيا. لقد كانت آمال فرنسا العريضة بتوسيع قائمة الدول الناطقة جزئيا أو كليا باللغة الفرنسية، أن يكون لها موطئ قدم في إفريقيا، وقد بذلت أموالا طائلة على شكل مساعدات ورشى لضمان استمرار لغتها في الإدارة والتعليم، لكن ذلك لم يدفع باللغة الفرنسية إلا إلى التراجع، وقد غيرت بعض الدول وجهتها اللغوية إلى الإنجليزية، ودعمت دولٌ أخرى لغتها العربية كما فعلت تشاد أخيرا... سيطرة جنوب إفريقيا على أفضل عشر جامعات إفريقيا: إذن، لا وجود لأي جامعة فرنسية ضمن أفضل 10 جامعات عالميا، ولا وجود لأي جامعة فرنسية ضمن أفضل 10 جامعات أوربيا، ولا وجود لأي جامعة فرانكفونية ضمن أفضل 10 جامعات إفريقيا، ولا وجود لأي جامعة فرانكفونية ضمن أفضل 10 جامعات عربيا، معنى هذا أن الجامعة الفرنسية لم تعد تتمتع بالجاذبية على الرغم من وجود باحثين جادين ومبدعين، تداركوا أمرهم بالتحول إلى اللغة الإنجليزية على مستويات البحث والنشر والنشر الإلكتروني. وبسبب هذا الوضع المتدني للجامعات الفرنسية، اشتد النقاش خلال السنوات الأخيرة داخل الأوساط السياسية والجامعية الأوروبية، والفرنسية على الخصوص،حول مصداقية المعايير التي يعتمدها التصنيف الأكاديمي العالمي للجامعات، وبعد أن أجمع المشاركون خلال الندوة التي نظمها مجلس الشيوخ الفرنسي شهر مايو الماضي، تحت شعار " لننسَ شنغهاي " بحضور ممثلين عن البنك الدولي ومختلف القطاعات المجتمعية المعنية،على ضرورة إحداث تصنيف أوروبي بديل. وهاجموا تصنيف شنغهاي واعتبروه غير منصف على حد قول السيدة "غزلان فياترو" مديرة المرصد الفرنسي للعلوم والتقنية،والسيدة "فاليري بركيس" وزيرة التعليم العالي الفرنسي التي انتهزت فرصة الرئاسة الدورية لفرنسا للاتحاد الأوروبي كي تعبر عن استيائها لآثار التصنيف الصيني على المؤسسات الجامعية في بلادها وطالبت بتصنيف أوروبي للجامعات ". في حين لم يكلف الجامعيون المغاربة أنفسهم التوقف عند هذا التصنيف، وبحث أسبابه وطرق الخروج من طوق الفرنسية ونيرها. وتستمر الجامعات التي يربطها بفرنسا ولغتها عقد مؤبد في دفع ضريبة التبعية اللغوية التي هي أساس التخلف الشمولي، وتشقى بما تشقى به فرنسا الأم العجوز، التي عاف باحثوها لغة بودلير وتوجهوا إلى لغة شيكسبير في عقر دار فرنسا وفي مؤسساتها الجامعية، إن الباحثين الكبار في العالم لم يعودوا يلتفتون إلى الفرنسية، وتدل أكثر من دراسة على أن محركات البحث الكبرى لم تعد تشتغل باللغة الفرنسية إلا نادرا، كما تشير نسب النشر العلمي إلى سيطرة الإنجليزية، ومن أراد من باحثي فرنسا نفسها أن يكون مقروءا عالميا فعليه بالإنجليزية ... إن الذين يرهنون مستقبل أوطانهم لفرنسا ولغتها - من الدول والأشخاص - ويدينون لها بالولاء،إنما يتنكرون لأوطانهم ويخونون الأمانة ويتجردون من الأواصر التي تربطهم بها والتي هم معنيون بحماية أمنها اللغوي الذي لا يقل عن أمنها الغذائي! الترتيب الدولي والعلوم الإنسانية والاجتماعية إن الارتقاء بما يسمى العلوم " الدقيقة "شيء مطلوب ويجب أن يتحقق لما له من دور في الرفع من مستوى البلد الصناعي والتقني والتنموي والخدماتي، ولكنه ليس المسلك الوحيد إلى التطور والارتقاء،فالعلوم الإنسانية والاجتماعية التي تمثل القاعدة الثقافية للمؤسسات الجامعية بكل تخصصاتها، كما تمثل الخلفية الفلسفية والمعرفية لتلك التخصصات قد تُحسِّن من ترتيب الجامعات، وهذا الأمر صار مؤكدا، فجامعات أكسفورد، وكامبريدج، وهارفرد، وكاليفورنيا،وشيكاغو، وكولومبا، وبينسلفانيا...التي حققت ترتيبا متميزا في العلوم الدقيقة هي نفسها التي تحتل الرتب المتقدمة في العلوم الإنسانية والاجتماعية. أفضل الجامعات عالميا في الآداب والعلوم الإنسانية (التدريس باللغة الإنجليزية ) أما بالنسبة للعالم العربي، فعنايته بالإنسانيات تأتي غالبا في الدرجة الثانية وبمستويات غاية في التواضع، ولعل هذا ما يؤثر سلبيا في الترتيب العام لها، وتمثل الجامعات الآتية أفضل الجامعات في العالم العربي في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، وطبعا لا يوجد ضمنها أي جامعة مغربية :(الترتيب من 300 ) إن عدم أخذ العلوم الإنسانية والاجتماعية بعين الاعتبار، وعدم تأهيلها علميا سيشكل عبئا ثقيلا على الجامعات التي ترغب في تحسين ترتيبها عالميا، ولن يتحقق النمو العلمي والإبداع المعرفي والتطور التكنولوجي في غياب علوم الإنسان، وقد لاحظنا أن هناك تلازما بين العلوم الدقيقة والإنسانيات لدى أكثر الجامعات المرموقة عالميا، لإدراكها أن التوازن مطلوب بين حاجات العقل وحاجات الروح، وهذا ما لم تنتبه إليه الجامعات المغربية التي تمارس ميزا وتحيزا وتفضيلا مكشوفين لصالح الكليات العلمية، على مستوى الميزانيات، ومناصب الشغل، وإسناد المهام ... خاتمة يُعد تقييم أي جامعة أمرا في غاية التعقيد،في ظل الصراع الحالي بين النظريات المختلفة والمعايير المتضاربة، والمؤدلجة أحيانا، حول تقييم أداء الجامعة الفعلي. كما أن إجراء أي تقييم عادل يقتضي وجود البيانات والمعطيات التي تيسّر عملية التصنيف، كنشر أبحاثها على أوسع نطاق في المؤسسات الأكاديمية وعلى الشبكة العنكبوتية، وأي جامعة تتهاون في ذلك هي عمليا تبخس حقها ، وتسيء إلى نفسها قبل أن يسيء إليها الآخرون. إن هذه المعوقات يجب ألا تحجب عنا القيمة الفعلية للترتيب الدولي باعتباره مؤشرا على جودة التعليم أو رداءته، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى تراجع الجامعات العبرية والجامعات الألمانية، وبعض الجامعات البريطانية، وتقدم جامعات دخلت لأول مرة ضمن100أفضل جامعة مثل فنلندا وأستراليا والنمسا وبلجيكا...وسيطرةِ الجامعات السعودية عربيا، ومما لا شك فيه أن هذا التراجع أو التقدم ليس اعتباطيا. إن الانتقال من موقع إلى موقع في ظل المنافسة الشديدة والشرسة أحيانا بين جامعات كبيرة، يتطلب تخطيطا محكما وتنفيذا متقنا وفق معايير واضحة وقابلة للقياس، كما يتطلب توفير بنى تحتية تستوعب الطالب، وتحقق له التكوين العلمي العالي و المهارات التي تجعله قادرا على الاندماج السلس في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للدولة، وتحقق للأساتذة مناخا بحثيا صحيا يشتمل على تجهيزات البحث ووسائله ومصادره، ويحقق للإداريين فضاء للإبداع مع المرونة المطلوبة. وفي سياق المنافسة لتحقيق الجودة، خلقت كثيرٌ من الجامعات عمادة خاصة بالجودة لمتابعة المنجزات التعليمية والبحثية وتقييمها، والسهر على تنفيذ خططها بحِرفيّة تحقق أعلى نسبة من المردودية، وتسعى لتحقيق المعايير الدولية للاعتمادات الأكاديمية بجميع أنواعها. وهذا لا يتم إلا بإعادة النظر في لغة التدريس والبحث والتواصل التي يجب أن تكون أولا لغة وطنية، واطّراح شعار التبعية ولغة المستعمر التي ثبت بالأدلة تراجعها، واصطناع لغة العلم الحالية وهي الإنجليزية في مرتبة ثانية. [email protected]