عندما لم تكن هناك هواتف محمولة كان الناس يتواصلون عبر الهواتف الثابتة، ويزنون كلامهم بميزان من ذهب وينتقون عباراتهم بدقة، وهم يتحدثون مع العائلة أو مع الأصدقاء. أما اليوم وفي زمن ثورة الاتصالات وانتشار الهواتف المحمولة وتراجع وانهيار منظومة القيم والأخلاق أصبح الأغبياء والسفهاء يبثون سفاهتهم وغباءهم وشرورهم عبر الهواتف الذكية التي أعطتهم فرصة لنشر التفاهة داخل المجتمع. ومن المفارقات العجيبة والغريبة هي أن "يصاحب" هاتف ذكي إنسانا غبيا، كأن يصاحب القرد فيلا، فيوجه القرد الذكي الفيل الغبي إلى أين يشاء، ويتحكم فيه كيف يشاء، بل يمكن أن يسوقه لتدمير الغابة على من بها، أو يسوقه إلى هاوية يرمي نفسه فيها. إن هذه الهواتف الذكية التي بيد أغبياء دمروا بيوتا وحطموا أشخاصا "بتنمرهم" ونقل أخبار زائفة وإشاعات أصبحوا كالببغاوات ينعقون بما لا يفهمون ويرددون ما يسمعون، دون تبصر أو بصيرة، وكيف لا، وأن غبيا لا تعرفه ولا يعرفك يدون عنك ما ليس فيك دون وازع ديني أو أخلاقي ويمعن في إيلامك، وهو يتفحص كل ساعة وكل دقيقة عدد من رأى أو سمع أو قرأ تلك التدوينات الغبية، طامحا للاسترزاق الإلكتروني ولو على حساب الآخرين وتحطيم مستقبلهم وخراب بيوتهم. إن هؤلاء الأغبياء الذين يسيئون استعمال هواتفهم الذكية في نشر الشر عوض الخير، وفي نشر الكراهية عوض المحبة، وفي نشر الرذيلة عوض الفضيلة، لا يعلمون من فرط غبائهم وجشعهم أن للناس حرمات، وأن للحرية حدود، وكل هذا من سوء تربيتهم أولا ومن فرط جهلهم بالقانون ثانيا. فكم من غبي تبرأ منه هاتفه الذكي حين وجد نفسه وراء القضبان، بل كان شاهدا عليه بما فيه وقرينة إدانته.