قيل في حقه الكثير. كتبت كبريات الصحف العالمية عن النجم المغربي وسمته ب "الجوهرة السوداء" وقيل إنه لو عاش في عصر غير ذاك الذي عاش فيه ولعب فيه كرة القدم لنافس العملاقة في الألقاب ومجد أساطير الكرة من أمثال مارادونا وبيليه وسقراطيس وغيرهم كثير. إنه العربي بن مبارك المغربي الذي سحر عشاق كرة القدم. ولد العربي بن مبارك الملقب ب "الجوهرة السوداء" سنة 1914 بأحد الأحياء الفقيرة بمدينة الدارالبيضاء، حيث نشأ يتيما يتجرع مرارة الفقر، مما دفعه لاحتراف مهنة النجارة لتساعده على سد رمقه، والتعفف عن طلب العون من المقربين. بدأ "الجوهرة السوداء" حياته كعامل في أوراش النجارة بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء، نشأته القاسية وعمله وهو في سن صغيرة لم يمنع العربي من الترويح عن نفسه من خلال اللعب مع أطفال الحي، وكانت اللعبة المفضلة لديه هي كرة القدم، حيث كان شديد التعلق بها، حتى أصبح سيد كرة القدم بالأحياء القديمة للمدينة البيضاء. عشق بن مبارك لكرة القدم دفعه للانتقال من اللعب بفرق الأحياء إلى فريق يزاول ضمن صفوفه، فكانت الانطلاقة ضمن تشكيلة فريق ايديال كازبلانكا وذلك سنة 1930 ومكث بالفريق إلى حدود سنة 1934، لينتقل بعد ذلك إلى فريق الاتحاد الرياضي المغربي، الذي بقي ضمن صفوفه أربع سنوات تفنن من خلالها في اللعبة بشكل كبير واستطاع تطوير مهاراته، حتى نال إعجاب جميع الأطر الفنية للنادي سواء مغاربة أو مستعمرين. الأداء الجيد للعربي بن مبارك في المباريات التي يخوضها ضمن النادي وتسيده لجميع اللقاءات بدون منازع، إلى إسالة لعاب بعض المستعمرين الفرنسيين، الذين كانوا ضمن الأطر الفنية لفريق الاتحاد الرياضي المغربي، ورغبتهم في إرسال العربي بن مبارك إلى فرنسا من أجل الاحتراف هناك وحمل القميص الفرنسي، وهنا بدأت رحلة الجوهرة السوداء في عالم الاحتراف.. أول الغيث فرنسا بتاريخ 28 يونيو 1938 سيبدأ العربي بن مبارك مسيرته الاحترافية، حيث حط الرحال بفريق مرسيليا، ليكون بذلك أول عربي احترف بالدوريات الأوروبية. ومنذ انطلاق مبارياته مع الفريق أكد الجوهرة السوداء على تألقه ضمن صفوف النادي، رغم العوائق الكبيرة التي صادفت الفتى الأسود المغربي، والتي كانت أبرزها العنصرية التي لاقها من لدن المشجعين وحتى بعض اللاعبين في الفريق، لكن هذا دفعه إلى التألق أكثر بقميص مرسيليا وتسجيل 12 هدفا، وهو التألق الذي دفع السلطات الفرنسية إلى المناداة على اللاعب لحمل قميص المنتخب الفرنسي الأول لكرة القدم، وكان لهم ذلك حيث شارك في مباراة المنتخب الفرنسي أمام المنتخب الايطالي، حيث كانت الاجواء جد مشحونة بين البلدين في ذلك الوقت، مما أدى بالجماهير الايطالية إلى شن هجومات عنيفة على اللاعبين الفرنسيين من المدرجات من خلال الصفير وعبارات الاستهجان والسب والقذف، وكان للعربي بن مبارك نصيب الأسد من هذا الاستهجان نظرا لأصله ولونه الأسود، لكن كل هذه الظروف القاسية التي مر منها لم تكن لتزيده إلا صلابة وقوة ورغبة في تعزيز مكانته ضمن المنتخب الفرنسي الذي لعب ضمن صفوفه أكثر من 15 سنة. الاحتراف باسبانيا تألق الجوهرة السوداء بالبطولة الفرنسية دفع الفرق الاسبانية إلى التهافت على جلب الجوهرة السوداء للعب إلى صفوفها، وكان أكثر الفرق اصرارا على جلبه هو فريق اتلتيكو مدريد، الذي استطاع تحقيق الحلم وجلب الجوهرة السوداء الى اسبانيا سنة 1948 بمبلغ قدره 17 مليون فرنك فرنسي حينها. وخلال فترة مجاورته للفريق الاسباني فاز العربي بنمبارك بلقبين كبطل لإسبانيا سنوات 1950 و1951 لينقش اسمه من ذهب وسط عمالقة الكرة الاسبانية رغم أنه لم يعد لاعبا للمنتخب الفرنسي. وفي نهاية الموسم الكروي 1952/1953 غادر العربي بن مبارك العاصمة مدريد متوجها إلى أولمبيك مرسيليا بعد أن أصبح أحد الأساطير الكروية في فريق اتلتيكو مدريد وأحرز له 56 هدفا خلال خمس سنوات من العطاء، وشكل إلى جانب السويدي كارلسون أقوى خط هجوم في الليغا الاسبانية خلال فترة الخمسينات. العودة إلى أرض الوطن بعد الصولات والجولات العديدة في الدوريات الاوروبية والتي بهر بها المتتبعين الرياضيين عبر العالم، عاد العربي بن مبارك إلى أرض الوطن، ليس كلاعب بل كمدرب لفريق الفتح الرباطي ثم النجم البيضاوي، ليتلقد بذلك ولاول مرة صفة مدرب للمنتخب الوطني المغربي. وقضى النجم المغربي آخر أيام حياته مستكنا إلى نفسه مبتعدا عن ضجيج الحياة وهو الشيء الذي شهد به من جاوروه بفرنساواسبانيا، وبعد عودته للمغرب وفي آخر أيامه كان لا يخرج من بيته إلى لأداء الصلاة قبل أن تنقطع هذه العادة، بموت الجوهرة السوداء وحيدا بمنزله سنة 1992.