لم يكن سعد الدين العثماني أبدا مضطرا أن ينفي أنه التقى تسيبي ليفني. والأدهى أننا أرغمناه أن يخبرنا أنه لم يكمل عشاءه ولم يشبع، وانسحب كي لا تسلم عليه المرأة الإسرائيلية وكي لا تتجاذب معه أطراف الحديث، فنتهمه حينها بالتطبيع.
كان عليه أن يعفي نفسه من هذا التبرير.
إنه وزير خارجية. ووظيفته تفرض عليه أن يلتقي الشيطان إذا لزم الأمر.
وكي يمارس سعد الدين العثماني دوره على أحسن وجه، من المفروض أن يأكل جيدا وأن يشبع وأن يجلس إلى الطاولة وهو مرتاح، لا أن يهرب ويفر بجلده قبل أن تقترب منه المسؤولة الإسرائيلية.
لا توجد دولة تهرب من دولة، وقصة التطبيع هذه مضحكة ولا توجد إلا في خيال من يرددها.
لا يمكن أن تكون وزير خارجية المملكة المغربية وترفض الجلوس إلى الإسرائيليين، وإذا كان العثماني يعتقد أن ذلك ممكن، فإنه سيضطر أن يموت جوعا، وأن ينسحب من كل الموائد، وأن يخسر، لأن إسرائيل موجودة في كل مكان، وعلاقاتنا ومصالحنا توجد أحيانا كثيرة حيث يجلس الإسرائيليون. مشكلة العثماني أنه ضحية نفسه وضحية حزبه وضحية توجهه وضحية الشعار الذي يرفعه.
إنه لم يعد حزبه معارضا ولم يعد العثماني يسير جمعية أو لقاء في دار الشباب إنه يمثل الدولة وإسرائيل أمر واقع، وأن ترفض اللقاء بها يعني أنك ترفض اللقاء بالعالم وترفض أن تكسب وتعزز مكانتك في العالم. ترفض الواقع وترفض مصلحة الدولة التي تمثلها وإذا لم يتعش العثماني معها اليوم، فمن واجبه أن يتعشى معها غدا، بل هو مضطر إلى ذلك، وإن كان يرفض ، فما عليه إلا ينسحب ويعتذر، ويترك المنصب لشخص آخر.
الفلسطينيون يجلسون مع إسرائيل المصريون والسوريون يجلسون ومن لا يقوم بذلك علنا يتعشى ويفاوض سرا.
لا داعي لأن يجوع العثماني مرة أخرى، والذين يعتقدون أنهم كشفوه وأنهم ضبطوه بالجرم المشهود، عليهم أن يكفوا عن المزايدة.
وفي حزب العدالة والتنمية بالضبط، عليهم أن يتوقفوا عن اصطياد"المطبعين"، لأن المسؤولية ستفرض على وزيركم أن يظهر مع ليفني ومع غيرها، وسفرياته الدبلوماسية لن تنتهي بذلك العشاء.
وسنراه مع إسرائيليين آخرين، لأنها مهمته وعليه أن يؤديها. المغرب دولة وليس جمعية ولسنا أفضل من تركيا التي تجري مع إسرائيل مناورات عسكرية ليس سهلا أن يقتنع الإسلاميون أنهم كانوا يخدعون أنفسهم ومع الوقت سيتعودون
وسيدينهم مناهضو التطبيع وسيتعلمون بالتدريج ماذا تعني الدولة وماهي مصالحها وسيفهمون أنهم كانوا يكذبون على الأتباع وأن مناهضة التطبيع موضوع للاستهلاك وللتعبئة وليس جديا وأن إسرائيل هي دولة محتلة لكنها واقع والواقع يفرض عليك أن تواجهه وأن تتناول معه طعام العشاء إذا لزم الأمر وأن تشبع والفائز هو من يربح في النهاية ومن يعرف مصالحه لا من ينسحب جائعا ويضطر إلى التبرير دون أن يكمل حتى عشاءه.