لم تستطع قطر، ورغم كل المال والإغراءات، أن تشتري مثقفا أو صحفيا مصريا يعرفه العرب ويحترمونه. كل ما حصلت عليه هو أسماء من الدرجة الثالثة، تبحث بشق الأنفس عن عمل ولو مع الشيطان، ثم وائل قنديل، الذي استغل الربيع العربي والثورة المصرية، وحصل على وظيفة محترمة وراتب كبير من الإمارة الصغيرة. ولأن قطر مع الإخوان فقد صار وائل قنديل إخوانيا ولأن قطر مع داعش فقد صار داعشيا ولأن قطر تحرض على مصر فقد صار يحرض على مصر ولأن قطر ضد اللواء خفتر في ليبيا فهو أيضا ضد خفتر ولأن قطر ضد الإمارات كان ضد الإمارات وضد السعودية وضد حزب الله وضد سوريا وضد الشيعة وضد السلطة الفلسطينية يأمر الأمير ويجيب الصحفي شبيك لبيك وفي أي اتجاه مالت قطر يميل وائل قنديل معها ومضى الوقت، واعتقد وائل قنديل أنه مهم وصحفي كبير ومؤثر ومستقل وحر، وصار يتجول في الدول العربية، إلى أن حط بالمغرب، وقرر أن يقدم لنا نحن أيضا الدروس في عبادة قطر، وفي خط التحرير والصحافة. وكما كل الصحفيين الكبار، قال وائل قنديل إنه التقى صحفيين ومثقفين مغاربة، وناقش معهم، وفي الغالب أنه التقى بجنود قطر في المغرب، ومع مالك الجريدة إياها، وببعض الإخوان في العدالة والتنمية، واعتبرهم مثقفين. ولأن أولياء النعمة يأمرونه أن يفهم في كل شيء، فقد أصبح خبيرا في الشأن المغربي، واكتشف فلولا في المغرب وثورة مضادة وصحافة تتآمر على تجربة حكومة بنكيران، معتقدا أن السياسة في المغرب بدأت قبل ثلاث سنوات، وأن الحياة في المغرب جاء بها إلينا بنكيران والريسوني، وأننا نعيش الجنة مع حزب العدالة والتنمية، ويوظفنا السيسي لوأد هذه التجربة الفريدة. هكذا تحول وائل قنديل إلى خبير وأستاذ يعلمنا كيف نكتب، وكيف نربت على بنكيران، ونطبطب على العدالة والتنمية، ونمدح الظلام والسلفية، فهو المرجع الوحيد وعلينا جميعا أن نلتزم بخط تحرير الجزيرة وصحيفة العربي الجديد، وسنلتحق بالركب، وننسى الحداثة وننسى المغرب الذي لا يشبه قطر ولا مصر ولا أي دولة عربية أخرى، وقد كان المتنورون والحداثيون والديمقراطيون والمثقفون الذي يرفضون استغلال الدين وتوظيفه، قبل ظهور الجزيرة وقبل الربيع العربي وقبل مرسي وقبل أن يشتغل وائل قنديل مع قطر، الذي أصبح معها يرى الإخوان في كل مكان، ويرى أن العالم خلق ليكون إخوانيا، وتابعا لقطر وتركيا. هكذا، وليستحق راتبه، وليؤكد التزامه بالسياسة الخارجية لدولة قطر، ولسعادته بمنصبه، أخذ على عاتقه أن يعلم المغاربة أيضا، وأن يصبح نموذجنا في الصحافة هو جريدة التجديد والمعلم وائل قنديل، وأن لا نكتب ولا نحذر ولا نحتج ولا نعترض، ولم لا ننسحب من البلد، ونتركه للإخوان، ونقطع علاقاتنا مع مصر، كي يطمئن قلب وائل قنديل، ويتأكد أنه أدى وظيفته على أكمل وجه، وكي يرضى عنه رب العمل القطري.
ما ينتقده هذا الصحفي المصري، والذي أصبح بفعل المال يعتقد أنه كبير ومؤثر ويلتقي المثقفين المغاربة، هو أننا مستقلون وغير تابعين لا لقطر ولا لغيرها، ونكتب بدون منشطات المال الخليجي، ونحصل على رواتبنا بالدرهم المغربي، ولا يمكننا أن نتحول إلى إخوانيين لمجرد أن قطر مع الإخوان وجبهة النصرة وداعش وتقدم إعلانات مجانية للقاعدة والإرهاب. فعيب في المغرب أن تشتغل مع دولة أجنبية وتعارض بلدك كما تفعل أنت، إرضاء لتلك الدولة، والمعارضة والصحافة عندنا تتم بدون مقابل وبالقناعات وليس بالتبعية والتملق لولي النعمة هذا في المغرب يجعلك عديم المصداقية ومشكوكا في نزاهتك ولا يحترمك أحد ومن الصعب أن يشتغل عندنا صحفي مع قطر وينفذ أجندتها بالحرف ولا ينظر له الجسم الصحفي والقراء بعين الريبة. وكما قطر كما أي دولة أخرى ونتفهم أن يشتغل صحفي في الخليج وفي قطر، لأن ذلك مجرد عمل، وما لا نفهمه في المغرب، أن تفرض عليك قطر أن تصبح ناطقا باسمها وأنت أجنبي. نحن في المغرب لا تغرينا قطر، وليست نموذجا لنا، وعيوننا على العالم الحر وعلى الديمقراطيات وعلى الحرية. تخيل معي لو تخلت عنك قطر وفصلوك هل ستبقى مع الإخوان ومع داعش وضد خفتر والإمارات وهل ستبقى تتجول في الدول العربية وتزور المغرب وتلتقي بمثقفيه وترى في كل شيء يتحرك ما يشبه الانقلاب في مصر نحن مختلفون يا صديقي وما يجري هناك لا يجري بالضرورة هنا ومن فرط انغماسك في الدور صرت ترى قطر في كل مكان والإخوان والفلول في كل مكان ثم من قال لك عندنا ثورة وربيع عربي كل ما حصل هي انتخابات وفاز بها حزب العدالة والتنمية كما فاز الاتحاد الاشتراكي في الماضي وقد يفوز حزب آخر بها في المستقبل لذلك لا يأخذك الراتب مأخذا بعيدا وقطر قد تغير غدا مواقفها وسياستها الخارجية فماذا أنت فاعل حينها هل ستظل تبحث عن الأعذار لداعش وتنتقد من ينتقدها وتهيم حبا في الإخوان وتفهم حتى الصراع الليبي وتعادي حتى اللواء خليفة خفتر لأن قطر تعاديه تريث قليلا فالزمن دوار ولا يبقى في نهاية المطاف إلا المبدأ أما حماستك الزائدة والإصرار الزائد عن الحد في إظهار الإخلاص وتقديم الدروس للصحافة المغربية فحتى كبار الصحفيين في العالم العربي لم يفعلوها لا في الماضي ولا اليوم وأخاف يوما أن يتخلوا عنك ولن تجد مثقفا تتحدث إليه ولا أحدا يستمع إليك ولا تذكرة سفر ولا جولات تريث قليلا تريث ولا تغرق حتى القاع.