بينما كنت أتصفح صفحتي على الموقع الاجتماعي "فايس بوك" طرح علي أحد الأشخاص السؤال التالي " لماذا تعارض حكومة بنكيران؟ وهل تفضل حكومة بنكيران أم حكومة عباس الفاسي؟ " لم استطع الجواب عن هذا السؤال لحظة طرحه لأنه فعلاً سؤال يستحق وقتاً للتفكير قبل الإجابة عنه. فهل ما نعيشه اليوم في المغرب مع حكومة بنكيران يعد شيئاً إيجابياً أم أن الوضع كان أحسن مع حكومة عباس الفاسي و الحكومات التي سبقتها؟ وهل كل معارض لحكومة بنكيران حالياً هو مؤيد للحكومات السابقة؟ و هل تجوز المقارنة أصلاً بين الحكومة الحالية والحكومات السابقة ؟ و إذا لم يكن هناك مجال للمقارنة فعلى أي أساس تبنى أي معارضة لهذه الحكومة؟ أول معطى يمكن أن تبنى عليه المقارنة هو معطى قانوني متعلق بالأساس بالدستور الذي يحكم البلاد ويسير المؤسسات. فدستور 2011 مختلف كثيراً عن الدساتير التي حكمت المغرب من قبل، فهو يعطي لرئيس الحكومة عكس الدساتير السابقة صلاحيات واسعة لم تعطى لرؤساء الوزراء السابقين، مما يجعل السيد بنكيران مسئولا وبنسبة 100% على قراراته واختياراته والتزاماته أمام المواطنين خلال الحملة الانتخابية. هذه الالتزامات الانتخابية تعتبر أول سبب في معارضتنا لحكومة بنكيران لأنه لم يلتزم بمعظمها في برنامجه الحكومي ولم يحدد الآليات الكفيلة بترجمتها على أرض الواقع بدءًا بمشروع قانون المالية الذي تم تقديمه أمام البرلمان وهو نسخة طبق الأصل لمشروع القانون الذي أعدته حكومة الفاسي. أي أن الناخب المغربي تعرض لعملية نصب وتحايل لم يكتفي فيها السيد بنكيران ووزرائه بنقض وعودهم فقط، بل تجاوز بعض وزرائه ذلك وباشروا في تطبيق إجراءات لم يتضمنها لا البرنامج الانتخابي ولا البرنامج الحكومي كقرار وزير الاتصال منع بث إشهار ألعاب اليانصيب في القنوات العمومية.
ثاني معطى تبنى عليه المقارنة يتعلق بالاستمرارية. فحكومة السيد بنكيران تبنت منذ البداية مشروع قانون مالي تم انجازه من طرف حكومة عباس الفاسي، أي أن الحكومة الحالية تبنت نفس آلية تنفيذ السياسات القطاعية التي كانت تعتمدها الحكومة السابقة واحتفظت جميع القطاعات بميزانياتها مستقرة بنفس الأهداف المسطرة من طرف الوزراء السابقين. وبهذا تكون الحكومة الحالية التي يقودها الحزب الإسلامي المعارض في السابق تحكم البلاد بنفس الأسلوب الذي كانت تعارضه وبنفس الأهداف التي كانت تنتقدها و بشدة وتحالف حزب العدالة والتنمية مع نفس الأحزاب التي كان يهاجمها من قبل. ما يجعلنا اليوم غير قادرين على تمييز الفرق بين حكومة السيد بنكيران والسيد عباس الفاسي رغم تغير الأساس القانوني الذي يحدد صلاحيات المؤسسات الدستورية و الذي يجعل الحكومة الحالية و رئيسها مستقلين في القرار و تنفيذ السياسات
المعطى الثالث الذي تبنى عليه المقارنة يرتبط بالمناخ السياسي للبلاد. فالشيء الوحيد الايجابي في المرحلة التي نعيشها اليوم هي الإفرازات التي ترتبت عن الحراك الذي لازم ثورات البلدان العربية والذي أعطى مجموعة من الإصلاحات في مقدمتها مراجعة الدستور وإجراء انتخابات سابقة لأوانها أفرزت مشهداً سياسياً واضح المعالم بأغلبية مشكلة من أربعة أحزاب ومعارضة مشكلة من أربعة أحزاب كذلك، عكس البلقنة والعزوف السياسيين اللذان ميزا الساحة قبل الانتخابات التي تصدرها حزب الاستقلال سنة 2007 والتي أعطت حكومة يمكن اعتبارها حكومة أشخاص دون تجانس أو تكامل.
كل هذه العوامل تجعل المقارنة بين الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها غير منطقية، والجواب بالإيجاب أو بالسلب لن يخضع لأي منطق يمكن أن تبنى عليه المقارنات السياسية. فمغرب اليوم هو مغرب جديد بكل المقاييس والانخراط في مسلسل الاستمرارية يجعلنا نضيع المزيد من الوقت بينما تتهاوى الأنظمة من حولنا وتعاني الاقتصادات العالمية من الأزمات والعالم أصبح قرية صغيرة إما أن تجد الأمم لنفسها مكاناً مناسباً فيها وتعتمد على نفسها لحل مشاكلها أو يضربها الطوفان من كل حدبٍ وصوب.