المدرسة والغش ليس دفاعا عن الغش غش الاكتظاظ على سبيل الختم المدرسة والغش لاتسمع هذه الأيام إلا عن المجهودات المبذولة من طرف وزارة التربية الوطنية من أجل محاربة ظاهرة الغش في الامتحانات الإشهادية، وعن الإجراءات التي تم إتخاذها للحد من هذه الظاهرة ،وهي كلها إجراءات شكلية لا تمس جوهر الظاهرة ، على اعتبار أن الغش مرتبط أساسا بطبيعة القيم و المبادئ التي يتربى عليها التلميذ داخل المدرسة ، فالمدرسة إحدى المؤسسات المحورية في عملية التربية والتنشئة إن لم نقل أهمها على الإطلاق، لما لها من دور فعال في التربية على قيم الخير والصلاح والصدق التعاون والتضامن، وأيضا لما أصبح يقضيه التلميذ من وقت كبير داخل المدرسة أكتر مما يقضيه داخل أي مؤسسة أخرى ، وبالتالي فجودة سلوكات التلاميذ من جودة البرامج التعليمية التي يتلقونها ، كما أن جودة هده البرامج مرتبط بجودة القيم و المبادئ التي توجهها . إن المدرسة هي رمز التربية والتنشئة ، إنها الأداة المنوط بها بناء شخصية تلمذيه متوازنة تجمع بين التحصيل الدراسي و التميز الأخلاقي ، بين الكفاءة والخبرة العقلية والصدق والرحمة القلبية ،أما إذا أصبحت المدرسة رمزا للعنف أو الغش، فذاك دليل على فشل المنظومة التربوية في صياغة شخصية تلمذية متوازنة . ليس دفاعا عن التلميذ إن ظاهرة الغش في الامتحان، ليست منفصلة عن السياق العام الذي تعيشه المدرسة المغربية ، بل لها ارتباط وثيق بظروف التحصيل الدراسي و بجودة القيم الموجهة للمنظومة التربوية، أكتر من ارتباطها بسلوك الفردي للتلميذ ، فهذا المسكين يجد نفسه أمام امتحان وطني هو بمثابة تتويج لمسار دراسي دام لأكتر من أثنتى عشرة سنة، وعندما يقف هذا التلميذ ليتأمل قدراته وخبراته يجدها محدودة إن لم نقل ضعيفة وقد لا تؤهله لاجتياز الامتحان بنجاح. لماذا إذن ؟ . هناك سبب ذاتي مرتبط بالمجهود المبذول من طرف التلميذ من أجل تطوير قدراته و معارفه ، وهناك أيضا سبب موضوعي مرتبط بظروف التحصيل الدراسي، وإكراهات الخريطة المدرسية .إذن ماذا سيفعل هذا التلميذ المسكين الذي جيء به من الابتدائي حتى الثانوي ألتأهيلي اعتمادا على الخريطة المدرسية، وعندما وصل الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا قيل له عليك الاعتماد على قدراتك ومجهوداتك الخاصة، بل وأكثر من ذلك عليك أن تكون نزيها صادقا لا تمارس الغش في الامتحان، فلا يسع التلميذ إلا أن يقول أليس الانتقال من مستوى لآخر اعتمادا على عدد المقاعد الفارغة غش تمارسه الوزارة في حق التلميذ؟ أليس الاكتظاظ المهول الذي تعاني منه مدارسنا والذي يؤثر على عملية التحصيل الدراسي غش وظلم يمارس على التلميذ ؟ غش الاكتظاظ في الأيام القليلة الماضية طلعت علينا وزارة التربية الوطنية بمذكرة تعتبر أن الحد الأدنى لعدد التلاميذ في القسم الواحد هو أربعون تلميذا، في حين أن الدول التي تحترم نفسها و تريد النجاح لتلامذتها ، تعتبر أن الحد الأقصى لعدد التلاميذ في القسم الواحد هو ستة وعشرون تلميذا ، وذلك حتى يأخذ كل تلميذ حقه كاملا في التحصيل الدراسي الجيد، وتسهل متابعته ومرافقته واكتشاف مواهبه و قدراته وتوجيهها و الرقي بها، وحتى يكون النجاح و التفوق و التميز حليف الجميع .أما عندنا فالحد الأدنى هو أربعين تلميذا، حتى لا يأخذ كل تلميذ حقه كاملا في التحصيل الدراسي الجيد وحتى لا تسهل متابعتهم و مرافقتهم و لا تكتشف مواهبهم بل تبقى مقموعة مكبوتة، وهذا كله حتى لا يكون النجاح حليف الجميع، لأن ذلك يشكل خطرا على جامعات الدولة و معاهدها غير القادرة بتاتا على استيعاب كل هذه الأفواج من التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا بتميز وتفوق وبدون غش، كما أن المخزن المسكين "الصادق الأمين الذي لا يغش" غير مستعد لتبذير أموال الشعب في بناء الجامعات ولا المعاهد العليا المتخصصة، بل يحرص كل الحرص على ألا تصرف هذه الأموال إلا في تمويل المهرجانات، وجلب أشهر "الفنانين" العرب والعالميين، وبأيام قليلة قبل الامتحانات الإشهادية حتى يعطوا المثال لتلاميذنا في العري والانحلال الخلقي ، وإطلاق العنان للشهوات والغرائز، فعلى أي غش تتحدث وزارة التربية الوطنية ؟ على سبيل الختم نحارب الغش عندما نجعل التعليم من أولى أولوياتنا ،ونستثمر في العنصر البشري ونعتبره هو الضامن لأي تنمية أو تطور. نحارب الغش عندما نجعل أضمتنا التعليمية و التربوية تنسجم وخصوصية المجتمع المغربي و قيمه و مبادئه ،ولا نلهت وراء التقليد واستيراد النماذج الجاهزة ،و التي لم تزيدنا إلا تبعية و تخلف . نحارب الغش عندما نقضي على ظاهرة الاكتظاظ و يأخذ كل تلميذ حقه في التحصيل الدراسي الجيد ،حتى تسهل متابعته و مرافقته و مساعدته ليكون متفوقا متميزا . نحارب الغش عندما ننهي العمل بالخريطة المدرسية ،ويصبح معيار النجاح والانتقال من مستوى لآخر هو التحصيل الدراسي الجيد لتلميذ وليس عدد المقاعد الفارغة . نحارب الغش عندما يصبح هاجسنا الأول هو التحصيل الدراسي الجيد لتلميذ و البناء المتوازن لشخصيته ،وليس نسبة النجاح التي ينبغي أن ترتفع حتى ترضى عنا المنضمات الدولية . نحارب الغش عندما نعطي المثال و الأسوة الحسنة في الصدق و التحلي بالأخلاق الفاضلة ،في جميع المجالات و شتى المعاملات وليس فقط في الامتحانات الإشهادية .