النص : " كم تود أن تمزق دفتر التحملات الذي يرتجف في يدها الصغيرة كلما راحت لتجلب لأمها شيئا من الدكان القريب ، ....و كم يرتجف جسمها الصغير و هي تنظر للنمر على قالب السكر في يد "با مسعود " المبتسم ." عائشة النميلي تقديم : إن قوة التأثير الفني و الأدبي نابعة من قوته في التقاط القضايا الإنسانية و تشخيصها عبر وسائطه الفنية ( اللغة الأدبية ) التي تكثف الظاهرة و تجدرها مما يسمح للقارئ أن يعيد النظر فيها و يتأمل في أبعادها و يفكر في بعض الحلول الممكنة لها . و يشارك الفن الأدبي بأجناسه و أنواعه المعارف الإنسانية الأخرى في تمثيل و تشخيص الظواهر الإنسانية، و التي تفرزها التحولات الاجتماعية الخطيرة. في هذا السياق، سنقف عند مدارات قصة قصيرة جدا تحث عنوان :" نمر " و نكتشف كيف استطاع هذا النص القصير في بنيته ، الكثيف في دلالته ، أن يشخص ظاهرة اجتماعية خطيرة ، أخذت في غزو الأوساط الاجتماعية و خلق مشاكل إنسانية و نفسية متنوعة . و يتجل ذلك في أعراضها على القيم و العلاقات البين إنسانية، يتعلق الأمر بظاهرة التحرش التي كثرت أشكالها و تنوعت وسائلها و تضاعفت أعراضها. 1 – التحرش بالشكل : ينبني النص، قيد التحليل، على أركان جريمة التحرش، إن اعتبرها المشرع المغربي جريمة يعاقب عليها، حيث لدينا: الفاعل و الضحية ثم أخيرا الوسيلة أو أداة الفعل، أي : ( بامسعود - الطفلة - قالب السكر ) . التحرش سلوك مضايق، أو فعل غير مرغوب فيه ، ذو حمولة جنسية ، قد يكون بالحركة أو الإشارة أو اللغة ....حيث هذه الوسائط يشحنها المتحرش بحمولة جنسية، إنه يفعل ذلك تحث تأثير الرغبة الجنسية. و نلاحظ أن المتحرش هنا في النص ، تحرش باللغة و بالحركة ثم بالابتسامة و الإشارة ؛ إنه بسلوكه هذا ينوع في التحرش بالطفلة و بالتالي ينوع في المضايقات التي تتعرض لها الضحية . و لا يصبح السلوك مصنفا تحث جنحة التحرش إلا إذا وعت به الضحية و أدركته، أي أدركت مضمونه الجنسي و ضايقها ذلك، بينما في حالة العكس فشأن آخر. و الطفلة هنا في النص مدركة و واعية بسلوك با مسعود و الشاهد في ذلك : عدم الرغبة في الذهاب إلى الدكان ارتجاف و اضطراب و رهبة مضاعفة الارتجاف لحظة الاقتراب من قالب السكر ... 2 – " قالب السكر " من الرهبة إلى الرغبة : يتربع " قالب السكر " في الثقافة المغربية و في التراث الشعبي المغربي على عرش الذاكرة المغربية ، إنه جزء من المتخيل الشعبي . و يتجلى ذلك في حضوره القوي في المناسبات الاجتماعية مثل الاستضافات و الأعراس و الخطوبات و مناسبات التبريك و أشكال التهادي أو تبادل الهدايا بين الأفراد و العائلات ... و هذا لا يحتاج إلى إثبات. و بالعودة إلى أدبيات التحليل النفسي و التأويلية الرمزية ، نلاحظ أن الأشكال الهندسية خضعت لتأويلات مختلفة فمثلا كل ما هو مستطيل و مدبب يرمز إلى القضيب ، أي إلى الذكورة و الفحولة . و كل ما هو دائري و مجوف أو مقعر رمز إلى الأنثوي . و قد أكدت ذلك الدراسات الأنثروبولوجية و المثولوجية و الرمزية . كما أن الرمزية الجنسية ليست حكرا على الأحلام فقط، بل تطال الخرافات و الفن و الأدب و التعبيرات الرمزية الأخرى... إن الأشكال إطارات للمعنى ، يشحنها الإنسان بمضامين دلالية مختلفة حسب سياقات الاستعمال و التوظيف التمثيلي . فمثلا " قالب السكر " من الناحية الشكلية أو الهندسية يتماثل مع القضيب تماثلا شبه تام: العمودية : كل من قالب السكر و القضيب يتصفان بالعمودية و الارتفاع أو الانتصاب. و كل ما هو عمودي رمز للذكورة أو الفحولة ، و كذلك للقوة ، بمعنى أن الشكل الهرمي لكل منهما متشابه و متماثل " قاعدة و ارتفاع و احدوداب " و بالعودة إلى المتخيل البشري بخصوص هذه الرمزية ، و خاصة في الأنظمة الأبيسية ، نلاحظ اقتران القضيب بالقوة و الهيمنة الذكورية و تكريسها .و نلاحظ أن الذكورة في النص تمثلت في أكثر من علامة لغوية : ( الفلم – النمر – قالب السكر – بامسعود ..) الذوبان أو الارتخاء : الوجه الثاني في التماثل بين " قالب السكر " و القضيب يكمن في الانتهاء ، أي التحول من حالة فيزيائية إلى حالة مخالفة ( من الصلابة إلى الرخاوة ) فالسكر يذوب بعد تماسه مع الماء ، ونفس الأمر مع القضيب ؛ إذ هناك ارتخاء كتحول في الشكل ، أو تفريغ للحمولة في حوض أنثوي أو غيره ( كأس ، إبريق ، ....) الرهبة و الرغبة : في التجربة الإنسانية، اقترن القضيب بالرهيبة و الرغبة، بالألم و اللذة ، حيث الإرهاب و الإمتاع . الألم يحدث عند الطرف الثاني في العملية الجنسية خاصة في حالات العنف الجنسي، و يمتع في حالات التوافق و الرضي . و قد تحقق هذا الأمر في النص من خلال ارتجاف الطفلة و اضطرابها خوفا من الإيحاءات التي يوحي بها "قالب السكر " في يد با مسعود . إن الطفلة هنا مدركة و واعية لخطورة الإيحاء و لمضمون الرسالة التي يبعث يها صاحب الدكان و هو يقدم المطلوب للطفلة ....مما يفيد أن الطفلة ليست مؤهلة للفعل الجنسي أو لأية علاقة من هذا القبيل ، إنها في طور النمو العاطفي و الوجداني بعيدا عن ثقافة الكبار الجنسية . الابتسام أو السم في العسل : الابتسامة علامة من علامات الوجه ، التي تحمل مضامين مختلفة و أحيانا متناقضة ، فقد توحي بالمحبة و الصفاء و الرضي ، كما قد توحي بالخديعة و السخرية و الكراهية ، حسب علاقتها بالجانب الوجداني أو العاطفي ، كما أنها تقترن من جهة أخرى بالغاية من التواصل و بالسياق المؤطر لذلك . فكثيرا ما يبتسم الإنسان في وجه صديق أو عدو ، في حالة ضعف أو قوة ، انتصار أو هزيمة ..لكن مضمون الرسالة المحملة للبسمة مختلفة . و بالعودة إلى النص ، نلاحظ أن المتحرش يستعين بالابتسام كأحد تعبيرات الوجه التي تحمل مضمونا جنسيا . إن الابتسامة رسالة ملغومة، كمن يعرض لك عسلا دس فيه سما، جاء في المثل الشعبي: السَن يضحك للسن و القلب فيه أخديعة خاتمة : تختلف مقاربة الفن عامة للظواهر الإنسانية ، إنه عندما يسلط الضوء على ظاهرة أو سلوك يمجه الذوق العام أو يشكل خطرا العلاقات البين إنسانية أو يؤثر في القيم ، فهو لا يقترح حلولا جذرية ، بقدر ما يتيح للفرد و الجماعة أن يعيدا النظر و التفكير في تلك الظواهر ، و أن يخلق مسافة كافية للنظر . و هذا ديدن القصة القصيرة جدا ، فهي عين راصدة لظواهر إنسانية بدأت في التفشي و الانتشار ، و خلقت اختلالات في العلاقات الإنسانية مثل ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال ، حيث يكون الطفل عاجزا و غير قادر على الدفاع عن جسده و نفسه ، مما يترتب عنه – في حالة الاعتداء – مضاعفات يصعب التخلص منها و خاصة المضاعفات النفسية