للحديث عن ظاهرة اغتصاب الأطفال لا بد من الإشارة إلى أنها ليست ظاهرة محلية بل هي ظاهرة باتت تهدد حياة السكان والمواطنين في كافة أنحاء البلاد.لايكاد يمر يوم إلا ونسمع عن مأساة اغتصاب طفل جديدة في قرية أوحادثة اغتصاب عجيبة فريدة في المدينة.وحين مناقشة هذه الظاهرة فليس من باب جلد الذات .ولكن لما لها من علاقة بحياتنا الاجتماعية، أولا لأن أغلب الدراسات المتعلقة بالعنف الجنسي ضد الأطفال تصرح بأن ممارسي "البيدوفيليا"يحكمون على ضحاياهم الأطفال (أبنائنا،بناتنا،أحفادنا،...رجال ونساء مستقبل وطننا) بالموت الداخلي والنفسي رغم استمرارهم في الحياة ظاهريا. وثانيا لنأخذ بعين الاعتبار دوافع اقتراف هذه الظاهرة الخطيرة التي تثير ضجة واستنكارا وقت حدوثها،ثم تختفي عن الحديث دون أن نمكن أطفالنا من استيعابها و حماية أنفسهم منها. أسباب تزايد الاعتداءات الجنسية على الأطفال كثيرة تتداخل فيما بينها،ويتقاسمها كل من الجاني والأهل .نذكر بعضها:التفكك الأسري والعائلي ،الناتج عن النزاعات و الخلافات بين الأزواج و الأفراد.غياب الوالدين أو انشغالهما بتوفير احتياجات البيت ومستلزمات الحياة على حساب تربية الأبناء.ترك الأطفال بمفردهم بدون رقابة أو مع من توضع فيهم الثقة الزائدة،كالأقرباء والأهل المعتبرين من المحارم.هروب الأطفال من منزل الأسرة، إلى الساحات و الشوارع أو الأماكن المهجورة التي يجيدون فيها مأوى لهم من التشرد والضياع وقسوة الآباء وطلباتهم المجحفة الخارجة عن قدرتهم. بوجود هذه الأسباب وغيرها ،يصبح الأطفال فريسة سهلة للعنف الجنسي ،الذي يؤدي إلى وقوع العديد من الجرائم ،كجريمة اغتصب وقتل وحش تارودانت لابنه م أ.وجريمة فاطمة ذات الثلاثين شهرا التي تبين من خلال الطب الشرعي، أنها قد تم اغتصابها وقتها وتشويه جثتها.وجريمة (و) الشمالية التي لم تتعرض للاعتداء الجنسي فحسب،بل أن الجاني عمد إلى تشويه وبثر أجزاء من وجهها وعنقها بواسطة منجل. أما بالنسبة للأسباب الخاصة بالجناة والتي تطرح العديد من التساؤلات، فإننا نجد الكثير من الدراسات المتعلقة بالعنف الجنسي وخاصة الصينية منها ،تشير إلى أن التعرض للتحرش الجنسي في الصغر،يولد في النفس معاقرة الخمور،وارتكاب الجرائم كالسرقة والاعتداءات الجسدية العنيفة على الآخرين.هكذا يتحول المغتصب في الصغر إلى مغتصب آخر في الكبر،إلى شخص عدواني اتجاه المجتمع،يسلك نفس السلوك الذي سلكه الجاني معه، لينتقم مما حدث له ،وليشعر الآخرون بالألم كما تألم هو . وهنا تعود بنا الذاكرة إلى دوافع ارتكاب قضية سفاح تارودانت سنة 2006الذي تعرض لحادثة اغتصاب في صغره بالمنطقة،خلفت ذكرى سيئة في نفسه ،جعلته ينتقم من الأشخاص الذين اغتصبوه بممارسة نفس السلوك على ضحايا ه،الذين كان يصطادهم من المشردين(متسولين،حمالة،مساحي الأحدية...) غير أن الانتقام تطور داخله إلى درجة القتل. أما علماء نفس الأطفال والاجتماع وأخصائيوالأطفال فإنهم يرجعون أسباب تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي إلى: _ الأطفال دائما ينظر إليهم باعتبارهم أشخاص عديمي الحيلة، وبالتالي يعتبرون هدفا سهلا من وجهة نظر المعتدي. _ الأطفال يحكمون على الآخر هل هو شرير أم لا اعتمادا على المظهر الخارجي، وليس الدوافع الداخلية. _ فضول بعض الأطفال لاكتشاف جسدهم خاصة الصغار منهم . _ تقاليد و قيم المجتمع الذي يربي الأطفال على مفاهيم الاحترام و الطاعة ،و أحيانا الخضوع لرغبة الكبار باعتبار أنهم دائما على صواب،ومن اللائق إطاعة أوامرهم. لهذه الأسباب والتي سبقتها وقعت (في شهردجنبرمن سنة 2013 )جريمة اغتصاب وقتل بنية انزكان التي استدرجها ابن مربيتها بعد أن أغراها ببعض قطع الحلوى وقام بحملها إلى داخل مقبرة حيث اغتصبها وأجهز عليها باستعمال قطع زجاجية. في كل الأحوال يعد تعرض الطفل لمواقف جنسية بمثابة انتهاك لحرمته ولحقوقه ولبراءة الطفولة،كما يعد بمثابة إساءة نفسية وبدنية و جسدية،تترك آثارا عميقة و مريعة تنعكس سلبا عليه (المعتدى عليه)،كالشعور بالذنب والاحباط والاكتئاب والوحدة والضياع النفسي. تعاطي الممنوعات في مرحلة المراهقة و البلوغ .ارتفاع السلوكيات الخطيرة التي تتسم بالكبت والعنف.النزوع إلى رفض القيم الاجتماعية والمعايير الشرعية ،كالميل إلى الشدود الجنسي والنفور من المرأة،إما لتمتعه بالعلاقات الشادة السابقة التي مر منها ،وإما لإحساسه بالنقص و العجز عن إتيان المرأة. إذن ما هو دورنا كأولياء أمور،كآباء،أمهات،أخوات،إخوان لأطفال قد تعرضوا أوسيتعرضون لاغتصاب أو تحرش جنسي؟كيف نحمي أطفالنا من هؤلاء الوحوش البشرية؟ إن محاربة آفة اغتصاب الأطفال مسؤولية مشتركة.تتطلب منا إلى جانب المقاربة القانونية،تكثيف جهود السلطات العمومية ومختلف الفاعلين الرسميين ذوي الصلة بالأطفال وذلك من خلال تفعيل دور الدولة في الحد من سيادة اللامعيارية في المجتمع، وفرض عقوبات جد مشددة في حق مقترفي جرائم اغتصاب الأطفال وفق المعايير الدولية (الخصي الكيماوي الذي اقترحته سلطات البلدان الغربية في هذا الشان)،والعمل على توفير شروط تفعيل هذه القوانين بغية إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب ،وتشجيعا لنشر ثقافة التسامح واللاعنف بين الأفراد .أن نعمل على تمكين المنظمات الحقوقية من القيام بدورها،لحماية حقوق الطفل،وتأهيل المدرسين ،وتعديل المناهج الدراسية بما يتفق مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان.أي حماية أطفالنا من جميع أشكال العنف تتطلب منا جميعا العمل على إنتاج مواطن مسؤول، يتوفر على تصور سليم في علاقته مع الآخرباعتباره إنسان وجب احترامه، وهذا لايمكن أن يتحقق إلاعن طريق التوعية والتحسيس اللذين ينخرط فيهما كل المعنيين بالشأن السياسي،والقانوني،والتقافي،والفكري، من خبراء، وفاعلين تربويين ،واجتماعيين ،وممثلي المجتمع المدني.