تقديم إن العلامات و على الرغم من أهميتها في كل دراسة سيميائية لا تشكل سوى مادة أولية لأي تواصل. وإن دراسة هذه العلامات لابد أن تتم وفق نظام تواصلي يتضمن مفهوم الكل و العلاقة بين الأجزاء، ويشكل سيرورة يسميها Pierce "la semiose " حيث تنتظم العلاقات داخل "la semiose" في ملفوظات وإثباتات وأوامر وطلبات وتنتظم الملفوظات في نصوص وخطابات : (1) لذلك نلاحظ ارتباطا لسميائيات العلامات بسميائيات الخطاب، و إن نظرية العلامة ستظل قاصرة عن تفسير الاستعمال الجمالي للعلامات، ومن ثمة فسميائية الصورة لا بد وأن تكون بالضرورة سميائية للنص و الخطاب. وقد لاحظنا أن الثفافة الحديثة التي هيمنت فيها وسائل الإعلام و الاتصال البصرية تبتهج إلى استبدال عنف النص بعنف الصورة ومن تم فسح المجال أكثر أمام السميائيات البصرية. لكن ذلك لا يعني بالضرورة استقلال الصورة عن النص بقدر ما يدل على هجرة العلامات من مجال إلى آخر داخل الثقافة الواحدة وهو ما سماه "محمد بنيس" بالتداخل الدلائلي في قوله "ومهما اتفقنا او اختلفنا فإن الإقرار بالتداخل الدلائلي هو البعد ذاته عن السطحية في قراءة كل معطى تاريخي والتداخل الدلائلي بهذا المعنى هو الانفتاح على تشابك العلاقات بين الأدلة و محو كل فصل بينهما و من ثم تيسير لنا هدم مفهوم الدليل كوحدة ذرية أو سلطة على الأدلة الأخرى "(2) وقد كان لدراسات "رولان بارت" في مجالات الموضة و الإشهار و الصورة الفوتوغرافية و"ليوري لوتمان "في مجال سيميائيات الثقافة و الفنون، و"عبد الكبير الخطيبي" في مجال الموسيقى و الخط و الرسم كان لهم الأثر البارز في توسيع طاقة المعنى و الدلالة ليشمل كل الأنظمة السميائية. في دلالات الصورة مصطلح الصورة مشتق من الكلمة أللاتينية "Imago" التي تعني المحاكاة ومعظم الاستخدامات القديمة و الحديثة لهذا المفهوم تدور حول نفس المعنى. وهي أيضا مرادف كلمة أيقون "icone" و التي تدل على المشابهة و المماثلة وعلى هذا المعنى بنى "بيرس" سرح نظريته السميائية كما تجب الإشارة إلى وجود معاني مترادفة و متقاربة في مجال الاستخدام السيكولوجي مثل : التشابه، النسخ ،إعادة الإنتاج ،الصورة الأخرى... يشير ابن منظور في "لسان العرب"الى ان كلمة"صورة" تعني هيئة الفعل " تصورت الشئ بمعنى توهمت صورته فتصور لي و التصاوير بمعنى الثماثيل وكان للصورة حضور مع بداية الفكر الإنساني تجسد تآلف الإنسان مع الطبيعة، فهو استعان بالصورة ليس فقط كي يخلد حضارته ويشعر الاخر بوجوده بل كنوع من الإسقاط في أحاسيسه نحو الجهل بالطبيعة وحبه لها ولمجوداتها فاكتسبت الصورة نشاطا مع الطبيعة الصخرية أو الرملية أو الطينية. مع تحول الفكر الإنساني إلى المكتوب، كانت الصورة امتدادا للعين وتطور عبر تاريخ البشرية لتصبح مستحوذة عبر التلفاز و الانترنت و الكتاب و الهاتف و المجلة و الصورة الاشهارية....وقد واصلت الصورة مواجهتها للكلمة في ميدان الدعاية و الحرب النفسية فاصبحت الصورة تضاهي ملايين الكلمات فشاهذنا صورة لا يمكن اختصارها في ملايين الكلمات لصورة طائرات 11 شتنبر، وصورة الطفل الفلسطيني محمد الذرة بين دراعي والده يموت برصاص القناص الإسرائيلي، وصور ميادين التحرير العربية التي تابعها المشاهد مباشرة التي قد يسمح احيانا في النوم ليتابع الرصاص داخل ميدان تحرير القاهرة على الساعة الرابعة صباحا وجسدت صورة "موناليزا "للفنان ليوناردو دافتشي صورة خالدة، تعكس إبداع فنان قال بريشته ما قد يعجز عن قوله بكلماته. (1)الطاهر رواينية، سيميائية التواصل الفني، مجلة عالم الفكر ع.يناير مارس / 2007 ص.250 (2)نفس المرجع ص 251