في ذكرى المولد النبوي الشريف. يحتفل المسلمون في كل أنحاء العالم بأعز مناسبة، ألا وهي مناسبة المولد النبوي الشريف، هذه المناسبة الكريمة التي ينتفع بها المسلم وبذكراها لأن الذكرى تنفع المؤمنين. لقد ورد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب السماوية تحت اسم أحمد ، وبشر به كل من الثوراة و الإنجيل، يقول الله عز وجل في سورة الأعراف: ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في الثوراة و الإنجيل). ولد صلى الله علية وسلم بمكة يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل، واقتضت حكمة الله تعالى أن يموت والده عبد الله بن عبد المطلب قبل أن تضع زوجته آمنة بنت وهب حملها، فقد خرج أبوه عبد الله في تجارة إلى الشام، فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة، فمرض هناك ومات، ولهذا ولد المصطفى يتيما محروما من عطف الأب وحنانه ونشأ على آلام الحياة وترعرع في جو صعب، ولكن الله تعهده بجميع العناية وعظيم الإحسان، فأدبه الله فأحسن تأديبه، وهذا من فضل الله ونعمه عليه،( و الضحى و الليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ألم يجدك يتيما فآوى) سورة الضحى. انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من والدته إلى مرضعته حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب عبد الله، حيث بقي عندها حتى صار عمره أربع سنين، ثم أعادته حليمة إلى أمه في مكةالمكرمة ليبقى معها وفي كنف جده عبد المطلب، فقام بتربيته وحفظه أحسن قيام، وعامله بكل دفئ وحنان لأنه كان عارفا بنبوته. بعدما بلغ السادسة من عمره، أخذته أمه إلى يثرب لزيارة بني عدي بني النجار، أخوال أبيه، وشاء الله تعالى أن تموت الأم وهي راجعة إلى مكة، فأصبح النبي عليه الصلاة و السلام يتيم الأبوين. وبقي، بعد وفاة أمه عند جده عبد المطلب، حيث عوضه حنان الأب و الأم، وأحبه و أكرمه و أجلسه على فراشه، ولكن بعد مرور سنتين من وفاة أمه توفي جده عبد المطلب، فانتقلت كفالته إلى عمه أبي طالب وهو يبلغ ثماني سنوات من العمر، وتنفيذاً لوصية الوالد عبد المطلب، وفر له عمه أبو طالب كل العطف و الإكرام. بقي الرسول صلى الله عليه وسلم في قومه يعمل ويشتغل ويرعى غنم الناس حتى لا يحس بأنه عالة على عمه أبي طالب، وظل على هذا الحال حتى بلغ الخمسة و العشرين فتزوج خديجة بنت خويلد، وحبب إليه الانفراد و التحنث فاختار غار حراء مكانا لخلوته، فلم يكن هناك شيء أحب إليه من أن يخلو وحده، ويتأمل في مظاهر هذا الكون، ويجيل بصيرته في ملكوت السماوات و الأرضين، حتى تفتحت بركات السماء على الأرض ونزل الروح الأمين جبريل عليه السلام بوحي الله على رسوله، وكان أول ما نزل عليه ( اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم...) سورة العلق. واستمر نزول الوحي عليه ثلاث سنوات. بعدها، أمره الله عز وجل أن يبلغ الناس رسالته وما أنزل عليه، فعمد رسول الله صلى الله إلى أهل بيته و أصحابه و أقربائه، وجاهد من أجل الدعوة إلى الدين الجديد مستخدما كل من الحكمة و الموعظة الحسنة أسلوبا لدعوته لأمر الله عز وجل( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) سورة النحل. وكانت البداية صعبة، إذ آمن به نفر قليل وكذبه الكثير، إلا أنه لم ييأس من المشركين، بل استمر في الدعوة و الجهاد و المكافحة مدة عشر سنين في مكة ونواحيها. بعد مرور ثلاث عشرة سنة، جاءت الهجرة، فدعا محمد صلى الله عليه وسلم أهل مكة وما حولها إلى الإسلام، ولقي خلال هذه المدة الزمنية ألوانا من العذاب، ولما اشتد الأذى، أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لكل من آمن به بالهجرة من مكة إلى يثرب لتسمى بعدها بالمدينة المنورة. وكانت بداية جديدة لمرحلة جديدة، انتقل الإسلام فيها من دين تحمله جماعة قليلة إلى دين تنصره قلوب كثيرة، ملئت بمحبة الله عز وجل وبرسوله المصطفى، وأصبحت كلمة الله هي العليا. وهكذا، بقي الرسول صلى الله عليه بالمدينة المنورة، يعمل على تقوية الدين الإسلامي الحنيف ويعلم المسلمين أصول الدين ويبين لهم الحلال من الحرام حتى أدى الأمانة وبلغ رسالة ربه على أحسن ما يرام. أما عن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة ولكن أعظمها هو القرآن الكريم الباقي ما بقي الدهر، ومنها معجزة الإسراء إلى بيت المقدس و المعراج و نسج العنكبوت وبيض الحمامتين على باب الغار ليلة الهجرة. وبعد أن صار لمحمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة وستون عاما، لحق بالرفيق الأعلى وكان ذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة. كانت هذه بعض لمحات من سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فما أحرانا ونحن نحتفل بذكرى مولده أن نبايعه على الالتزام بدعوته إلى دين الحق، وتوجيهاته قصد أداء رسالته السماوية، ومناسبة ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هي أرفع من أن تكون مجرد مناسبة للاكتفاء بالأمداح، بل أنها فرصة ثمينة ومناسبة غالية عظيمة لدراسة السيرة النبوية بأكملها، قصد التزود من أخلاقه وصفاته الحميدة، إنه لأمر عظيم لو أن كل مسؤول يحدث أبناءه أو أحفاده أو تلامذته عن سيرة هذا النبي العظيم الذي جاهد و كافح من أجل نشر الدين الإسلامي. فليكن صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في كافة مجالات حياتنا، كي نتخذ منه أسوة لنا في جميع أخلاقنا و معاملاتنا و سلوكنا سواء مع أنفسنا أو مع غيرنا.(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )سورة الأحزاب، اللهم ارزقنا التوبة قبل الموت و نبهنا عند الغفلة و انفعنا بشفاعة نبينا محمد خير المرسلين. المرجع المعتمد: مجلة الإشارة، العدد18، يونيو2001م- بتصرف- ص21.