من الواضح أن الإجراءات والتدابير التي تصدر عن السلطات المغربية المختصة، من أجل مكافحة فيروس » كورونا »، ومنع انتشاره بين المواطنين، تجر في العمق نحو إحداث تغيير في نمط عيش المواطنين، والقيام ب » انقلاب » على المفاهيم المجتمعية المتجذرة في البنية الكلية للمجتمع. الدكتور عبد الرحيم العطري، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، أكد في مداخلة ساهم بها خلال انعقاد ندوة رقمية نظمها طلبة جامعة كلية الآداب سايس فاس، الأسبوع الماضي، أن الجوائح تساهم في إحداث تحولات كثيرة على مستوى المفاهيم، كما تساهم في إرباك حسابات الكثيرين، والأهم أنها مستفزة لطرح جملة من التساؤلات، وتبعث الروح في القيم والمعاني والروابط الاجتماعية، وتسعى لاختبار صلابتها الحقيقية. موقع » فبراير » قام بجرد بعض البنيات التي ساهم وباء » كورونا » في خلخلتها، وفرض عليها مراجعة البناء، وتجاوز ما يعتبره الكثيرون يقينيات ومسلمات. الأسرة.. الشرط الاجتماعي الأول إن التأمل النقدي لصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتتبع ما ينشره المغاربة حول أزمة » كورونا »، ينتهي إلى استنتاج أساسي مفاده أن مؤسسة الأسرة هي صمام أمان كل مجتمع، وأن إعادة ترتيب العلاقات من داخلها شرط أساسي لتجاوز إحباطات اليومي الجاثم، خصوصا في سياق أزمة الفيروس، وما يتسبب فيه من تداعيات نفسية واجتماعية عميقة. » عاد عرفنا قيمة الجلوس مع الأولاد » عبارة تكررت على نحو غير اعتيادي، لأنها كشفت عن مكبوت لا شعوري يترجم ارتباط الفرد بأسرته، حيث مجالسة الأولاد، ومراجعة الدروس معهم، والاهتمام بأشغال البيت.. كلها أساليب في الظاهرة من أجل تجاوز رتابة » الحجر الصحي »، لكنها في العمق اعتراف بتفريط في القيام بالدور الاجتماعي – الأسري خلال الأوقات العادية. الأيادي البيضاء.. جائحة » كورونا » أخرجت أصحاب الأيادي البيضاء، ومعهم كل المبادرين إلى المساهمة في أعمال الخير، وجعلت الجميع منخرطا في رفع شعار » قفة الحجر المنزلي »، بما يؤكد استشعار حاجة الآخر لدعم الآخر، وفي هذا إغناء إيجابي لطبيعة الروابط الاجتماعية، وأساسا في علاقتها بالقيم التي ينبغي أن تسود وتسيطر. المراهنة على دعم الأسر المحتاجة، والوقوف إلى جانبها في عز أزمة » كورونا »، لا يعدو كونه قراءة جديدة للإطار المرجعي القيمي، وبعث لروح التضامن المتغلغل في البنية المجتمعية التقليدية، حيث » تويزة » و » الحاكوز » و » الشرط » و » أدوال ».. مفاهيم تغذي تجربة التعاون بين الناس، وتجعلهم يدا على قلب رجل واحد. الصفوف الأمامية.. » اختفى الجميع وبقي أصحاب الصف الأمامي » عبارة يرددها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يرسلون من خلالها رسالة مفادها أن القطاعات الأساسية هي التي ظلت صامدة في وجه الجائحة، وهي القطاعات نفسها التي ظل التعاطي معها محكوما ب » التحقير والتبخيس ». مهنيو الأمن والسلطة ورجال النظافة والصحة والتعليم.. ومعهم نساء ورجال الإعلام الجاد، فضلا عن التجار ومن يدور في أحوازهم، كلها قطاعات صامدة في وجه الجائحة؛ أطقم طبية وتمريضية في الصف الأمامي، نساء ورجال السلطة في الميدان لتأمين فرض حالة الطوارئ، نساء ورجال التعليم العمومي يكافحون من بيوتهم، وعلى حساب نفقاتهم الخاصة، من أجل تمكين المتعلمين من متابعة دروسهم عن بعد، رجال النظافة الأشاوس، نساء ورجال الإعلام الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة، ويشتغلون في ظروف صعبة. هكذا فإن الظرفية الراهنة تفرض مراجعة المفاهيم، وترتيب الأولويات، وتغيير في أنماط العيش والسلوك؛ النظرة اتجاه رجال النظافة، اتجاه نساء ورجال السلطة المكافحين، اتجاه الإعلام الجاد، اتجاه نساء ورجال التعليم ذوي النوايا الحسنة، وقبل كل هؤلاء تقدير أصحاب الوزرة البيضاء نساء ورجال الصحة.