فبراير.كوم تكشف عنها: "موروكومول مسكون"، هذه ليست نكتة، ولا نزعم أنها حقيقة، بل هي حكاية من بين عشرات الحكايات التي يتناقلها البيضاويون هذه الأيام فيما بينهم حول "احتلال" الجن لأضخم مركب تجاري في إفريقيا. وبعيدا عما تتناقله الألسن وتتلقفه الآذان، تقفّت "فبراير.كوم" آثار ما يروج حول "موروكومول" وجالت في مختلف زوايا وأركان المجمع الشاسع في أوقات متفرقة محاولة الكشف عن الحقيقة ومصادر هذه "المزاعم". "اطلبو التسليم!" عبارة قالها ليلة أول أمس الخميس سائق سيارة أجرة لزبائنه، لحظة ترجلهم من "الطاكسي" باتجاه بوابة المركب التجاري "موروكومول". "ياك لاباس؟" يسأله أحد الشبان الثلاثة مستغربا سماع عبارة لا تتردد إلا في قاموس الدجل والشعوذة، قبل أن يأتيه الجواب من السائق وهو يمرر سبابته بالقرب من أذنه محذرا من خطر "خفي" يحدق بهم: "كيقولو هاذ المول فيه الجنون والعفاريت بسم الله الرحمان الرحيم..". مظهر هؤلاء الشبان وطريقة لباسهم وتحدثهم لا يوحي بأنهم يصدقون وجود كائنات خفية اسمها الجن، ورغم ذلك بدا عليهم الاندهاش وشيء من الخوف عندما سمعوا كلام سائق الطاكسي، فصمتوا برهة ينظرون إلى بعضهم البعض، لكن فجأة انفجروا ضاحكين ملء أفواههم ثم مضوا في طريقهم نحو بوابة المُجمع وهم يقهقهون ويسخرون مما سمعوا: "الجنون حتى هوما عندهم أزمة السكن وجاو يسكنو فالمول..".
ملك الجن يحيي حفلات التبوريدة في قبو المول! "كنسمعو الخيول والتبوريدة والزغاريت فلاكاب"، هكذا تقول أكثر الروايات التي يرددها بعض زوار المركب. وتذهب بعض النساء، منهن عاملات النظافة، إلى أبعد من هذا عندما يزعمن بأنهن يسمعن أصوات صراخ أطفال رضع داخل مراحيض المول. ويبدو أن هذه الروايات قد وجدت لنفسها مكانة، ليس فقط لدى المغاربة، بل حتى لدى الأجانب المسيرين لأشهر العلامات التجارية بهذا المركب، إذ تقول إحدى المسؤولات على الماركة العالمية «غاليري لافاييت» إنها تفاجأ كل صباح بالمتجر الكبير المتخصص في عرض الألبسة والأحذية والحقائب وأكسسوارات الموضة والتجميل، مقلوبا، وعندما يعيد حراس الأمن الشريط الذي سجلته كاميرات المراقبة يجدونه مبثورا من الدقيقة التي تمت فيها عملية "التخريب". هذه الحكايات "العجيبة" انتشرت في البداية بين زوار المول خلال الأيام الأولى لافتتاح المجمع، لكنها سرعان ما توسعت بين الساكنة البيضاوية مثل النار في الهشيم، قبل أن تمتد إلى كافة المدن الأخرى بل وحتى إلى الخارج، بعدما وجدت طريقها للنشر في بعض الجرائد الإلكترونية والمجلات الورقية وعلى شاشة إحدى القنوات الفرنسية، ما جعلها تبدو وكأنها أخبار حقيقية.
الجن هو بنادم "ما كاين لا جنون ولا عفاريت.."، يقول أحد الحراس الأمنيين داخل أحد مواقف السيارات الممتدة على مساحة شاسعة، وهو يرد على سؤالنا حول صحة ما يقال عن "المول". "الجن هو بنادم"، يرد حارس آخر بجانبه يبدو أن هذا الموضوع استفزه كثيرا. يتوقف الأخير برهة ليجيب على نداء عبر جهاز اللاسلكي، ثم يضيف وهو يقسم بأغلظ الأيمان أن هذه الحكاية "ما عندها لا ساس ولا راس". يقاطعه الأول مشيرا بيده إلى جيوش الناس المتوافدين على مختلف أروقة "المول" الشاسعة، وهو يقول: "لو كانت قصة تواجد الجن والعفاريت هنا هل سيغامر هذا الكم الهائل من الناس بالمجيء؟". حراس آخرون وعمال نظافة بمختلف مرابض السيارات بكل طوابق "المول"، أكدوا لنا أنه لم يسبق لآذانهم أن التقطت أصواتا غريبة من قبيل صهيل الخيول و"التبوريدة" و"الزغاريد". وقال أحد المستخدمين ضاحكا: "أنا سبق لي أن سمعت هذه الأصوات، لكن عبر مكبرات الصوت الموزعة على امتداد كافة أروقة المول"، وهي مكبرات تصدح منها الموسيقى بدون توقف. ولا يستبعد هذا المستخدم أن يكون "مطلق هذه الإشاعة" قد سمع صوت صهيل الخيل والتبوريدة من مكبرات الصوت، خلال تواجده بالقبو، ونسبها للجن والعفاريت.
مجرد "قرنابي" "أنا أعمل هنا منذ بداية الافتتاح، ولم يسبق لي أن رأيت شيئا غريبا كهذا"، يقول شاب يعمل حارسا بالماركة العالمية «غاليري لافاييت»، موضحا أنه يعمل في الصباح والمساء، ولم يسبق له أن وجد منتوجات الشركة مبعثرة على أرضية المحل. إحدى عاملات النظافة كانت تنظف الأرضية قرب النافورة الضخمة، بادرناها بالسؤال: "هل تسمعين أصواتا غريبة في المراحيض؟" وضعت الشابة يدها على قلبها من شدة الخوف مما يحيل عليه السؤال وهي تقول: "ما عمري سمعت شي حاجة أخويا.. الله ينجيني". نفس العبارة ترددت على ألسنة العديد من عاملات النظافة والحراس والمستخدمين هنا، وكلهم وصفوا ما يقال بأنه مجرد "إشاعة" وبعضهم سماه ب"القرنابي" أي مجرد كلام فحسب. ويقول عنصر من فرقة الوقاية المدنية الملحقة ب"المول"، إن عناصر الفرقة "تعمل ليل نهار وتطوف حول كل شبر من البناية الضخمة"، لكن، يضيف، "لم يسبق أن رأينا أو سمعنا شيئا مما يروج عن المول". قصة "احتلال الجن لموروكومول"، بدأت حسب بعض العاملين هناك منذ الأسبوع الأول من افتتاح المركب، عندما نسج بعض زوار المجمع حكاية وجود الجن بناء على رؤيتهم ل"فقهاء" يقومون بطقوس "غريبة" في كل زوايا المركز التجاري.. لتتناسل بعدها الروايات ويضيف لها مروجوها ما تيسر من التوابل والمؤثرات، كل حسب ذوقه ومخيلته. --------------------------------
مؤطرات معالج بالقرآن: لم أشتم رائحة الجن في المول تجولنا في مختلف زوايا "المول" في أوقات متفرقة من الليل منذ إطلاق حكاية الجن والعفاريت. الحاج (ع)، وهو معالج بالقرآن بالدار البيضاء، أكد لنا إنه "تطوع" وقام بعدة زيارات لهذا المركب بغرض تبين الحقيقة حول ما يقال عن تواجد الجن به. وأوضح الحاج، الذي يقول إن له خبرة في طرد الجن عن طريق الرقية، أنه تجول ليلا بالقبو وبالمراحيض وقرب النافورة وكل الأماكن "المفضلة" لدى الجن، غير أنه "لم يشتم رائحة هذه المخلوقات الخفية في موروكومول". ويستغل مطلقو هذه الإشاعات قرب "المول" من ضريح سيدي عبد الرحمان، الذي يخبئ وراءه العديد من الأساطير والمعتقدات. ويذهب البعض في تزكيته لقصة احتلال الجن، إلى القول بأن المركب شيد على أرض في ملكية ملك الجن، غير أن أحد حراس السيارات قرب "المول"، قال ساخرا من هذا الاعتقاد: "إذا كان الأمر صحيحا فأنا أيضا جني، لأنني كبرت في الكاريان الذي كان هنا قبل أن يبنى عليه المول".
من له المصلحة في هذه الإشاعة؟ لم تنجح إدارة المركز التجاري في إيقاف ما يقال حول وجود "ظواهر غريبة" و"ضجيج مشبوه" داخل مركز التسوق الجديد، بالرغم من إصدارها لبلاغ صحفي تصف فيه هذه المزاعم ب"الشائعات" التي تروم "زرع شعور بالخوف" بين الزبناء. واعتبرت الإدارة، في بلاغ صحفي أن "الأمر يتعلق بإشاعة خرافات أكل عليها الدهر وشرب"، وذلك في رد فعل على ما يروج حول "استقالة حراس أمن بعد سماعهم ضجيجا مشبوها مزعوما" داخل المركز. وجاء في البلاغ أنه "من المحزن، في القرن الواحد والعشرين، ملاحظة لجوء المنتقدين لنا إلى استعمال حجج تسعى لإبقاء مواطنينا في الظلامية سعيا منهم لزرع شعور بالخوف لا يمكن أن يحس به إلا ذوو النفوس الضعيفة". وأضاف: "إذا لم يكن لديهم سوى هذه الوسائل المغرضة للسعي إلى منع زبنائنا من زيارتنا، فإن فرص نجاحهم تظل ضئيلة". وخلصت الإدارة إلى القول: "لقد أردنا جعل موروكومول رمزا لحداثة بلدنا وإشعاعه القاري والإقليمي. وإن نشر هذا النوع من الشائعات لا يسير إلا في الاتجاه المعاكس من خلال إعطاء صورة رجعية ومعاكسة للتقدم عن البلاد". ولا يبدو أن هذه الإشاعات قد أثرت على زبائن المول، إذ يشهد كل يوم اكتظاظا. وتشير شهادات العاملين بالمجمع التجاري إلى أن مصدر الإشاعة لا يمكن أن يكون سوى "الحسّاد"، ويقصدون بذلك المنافسين من أصحاب المحلات التجارية بالدار البيضاء والمطاعم وغيرها. وقال أحد مسيري "سناك" بالطابق الثاني ل"المول"، إن مطلقي الإشاعة "لم ينجحوا في إبعاد الزبائن عن المركز، بل ساهمت الروايات التي أطلقوها في إشهار المجمع أكثر بين الناس". واستشهد المستخدم على كلامه بالقول: "إن عدد الزوار في تزايد يوما بعد يوم"، مضيفا أن دخل هذا السناك "يزداد كل يوم ويبلغ خلال نهاية الأسبوع أزيد من 30 مليون سنتيم".