أصبحت ظاهرة الانتحار تعرف انتشارا كبيرا في السنوات الأخيرة في المغرب، خاصة في صفوف الشباب، نظرا لتزايد ضغوط الحياة والمشاكل الاجتماعية التي تؤدي بالفرد إلى التفكير في القيام بهذه الجريمة في حق نفسه، ورغم عدم وجود احصائيات رسمية ودراسات ميدانية حديثة حول هذه الظاهرة، فان الارقام الصادرة عن منظمة الصحة العالمية صادمة، حيث ذكرت المنظمة أن المغرب يحتل المركز الثاني في الدول العربية، وذلك بنسبة 5.3 في كل 100000 مواطن. وفي هذا السياق أكد الباحث في علم الاجتماع، الاستاذ علي شعباني، أن هناك أسباب كثيرة ومتداخلة تؤدي بالفرد إلى التفكير في الانتحار، منها ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي وحضاري…، فالانتحار إرادي وهذه الارادة تتولد عن مجموعة من الأسباب منها الاحساس بالإحباط واليأس والمضايقات، وعوامل أخرى خارجية كالإدمان على المخدرات، التي تحدث خلل لدى الانسان، حيث لا يستطيع التحكم في إرادته والتعلق بالحياة، والإنسان عندما يفكر في الانتحار حسب شعباني يقفل جميع الابواب ويبقى الباب الوحيد هو الانتحار باعتباره باب الخلاص. واعتبر الشعباني، أن الانتحار ليس بظاهرة جديدة بالمغرب، بل هي ظاهرة تعرفها كل المجتمعات مند القدم، لكن اليوم مع تطور وسائل الاعلام اصبحنا نسمع عنها بشكل كبير، إضافة أنه في الثقافة المغربية يعتبر المنتحر كافر وبهذا كانت العائلات تسكت عن هذا الحدث لأنه يخلق لها احراج أمام المجتمع. وأردف الباحث في علم الاجتماع، أن الانتحار له انعكاس وتأثير سلبي على المجتمع، لأنه يخسر كفاءات ويخلف احساس سيء لذى الأفراد، فالفرد المنتحر هو شخص غير مندمج. وابرز الشعباني، « أنه يجب العمل على التقليص من هذه الظاهرة، من خلال قيام الأسرة بدورها في التربية والتنشئة والاحتضان. كما اعتبر أن الدولة ومؤسساتها مسؤولة عن حالات الانتحار، لأن السياسات التي تنهجها الدولة أحيانا تهمش أماكن دون أخرى، فالسياسات الفاشلة والإستراتيجيات الفاشلة عامل من العوامل المؤدية للانتحار، لأنها تكون وراء الاحباط والشعور بالإقصاء والتهميش. أما من جانب علم النفس، فقد أكد الطبيب النفسي جواد المبروكي، أن أسباب الانتحار نفسانية مثل الاكتئاب أو الاضطراب الميزاجي ذو القطبين أو كل حالات الدهان، وفي بعض الحالات يكون نتيجة أزمة اقتصادية أو بعد فضيحة اجتماعية أو ارتكاب جريمة كيفما كان نوعها. وأكد « أن الانسان الذي يلجأ للانتحار هو مريض وقد وصل عذابه الداخلي إلى درجة قصوى حيث يرى أن الانتحار هو الحل الوحيد ليوقف هذا الألم النفسي. وقال جواد المبروكي، أن اعتبار محاولة الانتحار ضعف روحي هو الذي يجعل المجتمع المغربي يستخف من خطورة الانتحار ويتعامل مع هذه المحاولة بكل برودة وكأنه شيء بسيط عادي، أو كأنه لا يأخذ المحاولة الانتحارية بجدية و لا يرون انها عملية خطيرة وبأن حياة المريض تبقى تحت خطر تكرار المحاولات الانتحارية في أي وقت، خاصة إذا لم يُعالج ويوضع تحت المُراقبة الطبية في مستشفى لحمايته من نوازعه الانتحارية وتوفير الخدمات العلاجية له. واعتبر أن الأخطر من هذا أنه بعد أن يُنقل المريض في أعقاب محاولته الانتحارية إلى قسم المُستعجلات، يتم الاكتفاء فقط بتقديم الاسعافات الأولية له و من ثم يُسمح له بالعودة الى منزله بدون أن يخضع في الحين لفحص طبي نفساني كافي لتقويم خطورة الانتحار وإصدار ما يجب القيام به لحماية المريض.