تتوتر، يتعكر مزاجك، تشتعل أعصابك، يضيق صدرك ولا ينطلق لسانك لتصبح أشبه بإنسان معدوم، لا تستسيغ حديثا ولا تضحكك طرفة، تفقد تركيزك تماما، أسألت نفسك يوما لماذا؟ إنه تمردك على نظام ساعة جسمك البيولوجية، تسبب في إعلان الجسد احتجاجا مطالبة بحقه في النوم. معلوم أن النوم أفضل طريق لراحة الأبدان، وخير مفزع لمن يريد تأجيل الهموم والأحزان، كالأم تكتنف رضيعها بكل حب وحنان، يرتمي المرء في أحضانه متخذا الدنيا ظهريا، مقبلا على عالم فيه يعيش ما عجز عن القيام به في دنياه، إنه فرصة لتشغيل الة الاحلام الهادرة بكل المشاعرالمكبوتة، لتحيك كل الخيبات، وتصوغ جميع الإنتصارات والنزوات في مسرح فانتازي ممتد لا يحده زمن، ولا يحكمه قانون. هكذا نعرف النوم، أو هكذا أريد لنا أن نفهمه على الأقل، وهكذا صوروه لنا في كتب الشعر والأدب، بل في أجل كتاب عرفناه سباتا يريح المرء من كدح العيش وكد الحياة. لكن، ما النوم عند جميع الناس ممدوح، فهو يحظى بسمعة سيئة عند ثلاث فئات، اثنتان منها مشهورتان عند العامة فضلا عن العلماء، أهل الذكر والطاعة من العباد والنساك الذي يستغفرون ربهم بالليل والناس نيام، وأهل الهوى الذين شغلوا الدنيا بقصائد السهاد والحنين وجفاء الحبيب الذي ينعم بالنوم ويتركهم سهارى معذبين، غير أن الفئة الثالثة لا يعرفها الناس إلا قليلا، ما سهروا لفراق حبيب أو لذكر الحبيب ولكن سبب كرههم للنوم تطفله على حياتهم بلا إذن واقتحامه أجسادهم دون سابق إنذار، ولأنك تفترض أن ذالك لن يحدث , لانه فوضى نادرة الحدوث، وقليلا ما تفكر به، فلن يعود بإمكانك الإستمتاع بعواطفك من دون ترقب نتائج حسية مثيرة، الحديث هنا عن مرضى النوم القهري أو ( الناركولبسي)، فئة من البشر حاجتهم للنوم متواصلة وعواطفهم مصدر عواقب قد تكون خطرة، على الرغم من ساعات نومهم الطويلة، فميلهم إلى النوم خلال لقاء مهم أوإبان شرح الأستاذ للدرس يبقى حاضرا وبشدة. الأمر الذي يخلق لهم في غالب الأحيان مشكلا إجتماعيا وعائقا تواصليا. مرض لا علاج له مرض نوبات النعاس أو النوم القهري (Narcolepsy)مرض نادر يصيب الجهاز العصبي ويرافق المريض مدى الحياة، وإن لم يشخص مبكرا فقد يؤثر فيه تأثيرًا بالغًا،. ويربط أول وصف موثق للمرض بالطبيب الفرنسي جان بابتيست إدوارد جيلينو عام 1880 , ويتمثل في اضطراب نوم عصبي غير ناجم عن مرض عقلي أو مشاكل نفسية. بل مرتبط بعدد من التشوهات الجينية التي تؤثر على عوامل بيولوجية محددة في الدماغ. ويحدث هذا المرض عادة نتيجة نقص مادة عضوية تدعى أوركسين أو نتيجة خلل في المستقبل لمادة الأركسين. وتتمثل أهم أعراضه في نوبات شديدة من النعاس لا يمكن مقاومتها. ويقدر أن المرض يصيب حوالي 1:1000 من الناس من كلا الجنسين أغلبهم لا يتم تشخيصهم. كما يمكن أن تظهر أعراض النوم القهري في أي عمر لكنها في معظم الحالات تبرز مع بداية سن المراهقة.أما بخصوص العلاج فلا يوجد إلى حد الساعة علاج يقضي على المرض بشكل نهائي غير أنه توجد أدوية تساعد المريض وتخفف من حدة مرضه . البروفيسور عمر بطاس المسؤول عن وحدة الاستشفاء بمركز الطب النفسي في مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء تحدث لناعن طبيعة المرض وأعراضه فقال » « الناركوليبسي مرض له علاقة باضطرابات النوم، فإذا كان الأرق يمثل %90 من هذه الإضطرابات ,فهناك 10 في المائة منها مختلفة , مثل هذا المرض المسمى ‘الناركوليبسي' و الذي يتجسد على شكل نوبات متواصلة من النوم خلال النهار رغم ساعات النوم الطويلة التي يمكن أن يقضيها المريض, هو طبعا ليس مرضا شائعا بل نادر حيث يقدر عدد المصابين به عالميا بحوالي 0.10 في المائة، أما بالنسبة لأرقام أو إحصائيات مغربية فلا تتوفر إلى حد الساعة، وهذا راجع إلى غياب وعي الناس بطبيعة المرض وجهلهم بأعراضه، الشىء الذي يحول دون عرض حالاتهم على الطبيب قصد تشخيص المرض، بل أكثر من هذا، ففي كليات الطب تدرس الامراض أو الاضطرابات الشائعة والمعروفة , ناهيك عن قلة سنوات الدراسة التي لا تسمح بالتعرض إلى جميع الأمراض، إلى جانب هذا فالجهد المادي والمالي الذي تخصصه الدولة للتحسيس بمرض ما أو محاربته ينصب أساسا على تلك التي تطرح مشكلا للساكنة والمرتبطة بفئة عريضة من المجتمع »، يضيف البروفيسور بطاس متحدثا عن أعراض المرض » هناك ثلاثة أعراض رئيسية للمرض تتمثل في نوبات من النعاس لا يمكن مقاومتها تحدث أثناء النهار، ويمكن أن تحدث في أي وقت ومن دون سابق إنذار. وقد تحدث هذه النوبات في أوقات وأوضاع غير مناسبة. فقد تحدث أثناء قيادة السيارة أو بعض الأعمال التي تحتاج إلى التركيز مما قد ينتج عنه عواقب وخيمة. وقد يستمر النوم من لحظات إلى أكثر من ساعة ويشعر بعدها المريض بالنشاط. وهذا العرض هو أكثر الأعراض شيوعًا ويصيب جميع المرضى. وهذا العرض يظهر في كل المرضى. أضف إلى هذا، الشلل المفاجئ أثناء اليقظة، وهذا العرض هو المميز للنوم القهري. وخلاله يحدث شلل أو ضعف في عضلات الجسم كلها أو بعضها، كأن يكون هناك ضعف في عضلات مفصل الركبتين أو عضلات العنق التي تحمل الرأس أو عضلات الفك السفلي أو عضلات الذراعين أو عضلات التحدث مما يجعل الكلام غير واضح، وفي بعض الحالات يكون هناك شلل كامل في الجسم وقد يسقط المريض على الأرض ويظهر وكأنه مغمى عليه، ولكنه في واقع الأمر في كامل وعيه. وعادة ما يكون هذا الضعف ل 10 إلى 15 دقيقة ولكنه في بعض الحالات قد يستمر حتى 30 دقيقة. وعادة ما تبدأ نوبات الشلل أو الضعف في المواقف العاطفية المفاجئة كالانفعال والغضب أو السرور والضحك. أما العرض الرئيسي الأخير فيتجلى في الهلوسة التي تسبق النوم وهي أحلام تشبه الحقيقة تحدث عند بداية النوم ويصعب أحيانًا تفريقها عن الواقع. وتوصف بالهلوسة، وتكون في بعض الحالات مخيفة. وما يميز هذه الأحلام أنها تحدث عند بداية النوم، في حين أن الأشخاص الطبيعيين يبدأون الأحلام بعد ساعة إلى ساعة ونصف من بدء النوم. أما بخصوص إنعكاسات المرض على حياة المريض فقد جلاها البروفيسور بطاس حين قال للمساء » هذا المرض لا يؤثر بصورة مباشرة في الذكاء أو القدرات العقلية، ولكنه قد يؤثر بصورة غير مباشرة في التحصيل العلمي للطالب أو في الحياة الأسرية والحياة العملية للشخص المصاب نتيجة للنوم الزائد ونقص ثقة المريض بنفسه. إذ يعاني غالبية المرضى من هذه المشكلة بسبب وصف المجتمع لهم بالكسل والخمول والعجز وعدم تفهم الآخرين لحالتهم بسبب غياب التشخيص الدقيق للحالة ومن ثم التوعية اللازمة للأهل والمدرسة. أما بالنسبة للعلاج فلا يوجد علاج نهائي للمرض اللهم حالات نادرة عند تقدمها في السن تنخفض معها حدة المرض تدريجيا ثم تزول نهائيا , أما عموما فالمرض مزمن لا علاج له , غير أنه يمكن السيطرة على أغلب الأعراض في معظم الحالات عن طريق علاجين اثنين , أحدهما عقاقير منبهة أهمها مشتقات الفيتامين. وحديثًا تم استخدام عقار جديد يدعى مودافينيل' بيد أن هذه العقاقير للأسف غير متوفرة داخل المغرب أما النوع الثاني فهو العلاج السلوكي ويتكون أساسًا من الانتظام الكامل في مواعيد النوم والاستيقاظ وفي نظام الحياة بصورة عامة، وهذا أمر أساسي في العلاج » حالات مرضية كلوديا، من بين حالات نادرة مصابة بهذا المرض حول العالم يصعب إيجادها في زحمة الأمراض وكثرة الأوبئة، لم تشفع لها بشرتها البيضاء ولا شعرها الأشقر في اتقاء (شر) لازمها سنوات، تحكي الفتاة البالغة من العمر 26 سنة عن قصتها مع مرض النوم اللاإرادي فتقول » لم أكن أظن أنه عند بلوغي 26 سأكون مصابة بمرض النوم اللاإرادي، تم تشخيص حالتي المرضية في سن السابعة عشر لتتغير حياتي رأسا على عقب ويتبدل النظام العادي الذي كنت أسير وفقه، علمت بعدها أن راسي سيصطدم كثيرا، وأني قد أقع على الأرض وسط الشارع باستمرار, كما أن الإستحمام بالنسبة لي يعتبر في غاية الصعوبة , لأنه يتطلب الوقوف علما بإمكانية سقوطي أو الغرق في الماء، قد أغفو في أي لحظة من دون إنذار، أما بالنسبة للأمور العادية كالتبضع فالامر يتطلب مراقبة دائمة , خشية أن يتحول الأمر إلى موقف محرج، أستغرق في النوم من ثوان قليلة إلى 20 دقيقة، أو ربما أكثر، فالأمر رهين بمقدار توتري أو تعبي، لكن، إذا كنت بمفردي فسينتهي بي الأمر إلى الوقوع أرضا، فيشرع الجميع في تأملي باستغراب, وما يزيد الامر سوء في حالتي، هو معاناتي من ظاهرة ‘ كاتابليكسي' التي عادة ما تصاحب مرضى النوم القهري، إنها صدمة فجائية تسبب في شلل عضلاتي على الفور, ما ينتج عنه انفعال قوي كالضحك أو الخوف أو الغضب، على الرغم من كل هذا أحاول جاهدة الإستمرار في حياتي بشكل طبيعي، فكم مرة حضرت كلمة لإلقائها في الفصل بين زملائي بغية التغلب على مرضي، غير أن الضغط النفسي والتوتر العصبي يحول دون ذالك » تنام نسرين لبضع دقائق وعند استيقاظها ابتسمت وقالت » كنت متعبة، متعبة جدا، شعرت وكأني على وشك الإنهيا، ولم أكن مركزة، ثم بدأت قدماي تتداعيان تحتي، أعلم أنه لا يجب أن أشعر بالإحراج و فلطالما ردد الناس على مسمعي هذه الأشياء، محاولين مواساتي وإمدادي بطاقة إيجابية تبقي لدي بصيصا من الأمل والتفاؤل، لكني لا أستطيع التغلب على المرض أو التحكم فيه،أعترف أني أجد صعوبة في تقبل الأمر، فقد استمر بي الحال ست سنوات وأنا احاول إخفاءه عن من حولي، لكن هذا لا يغير من الواقع شيئا فأنا مريضة، وأعيش في عالم مختلف عن الاخرين » معاناة مرضى ‘الناركليبسي' تتجاوزهم لتنعكس على أهلهم وذويهم، إذ يمكن للبعض أن يقصرفي وظيفته أو أن يفرط في دراسته ليلازم الشخص المريض , فضلا عن تحمله للطعنات النفسية التي تأتيه من عائلته إذا كان متزوجا من شخص مصاب.، سارة، واحدة من قليلات عرفن المرض عن قرب واستطعن مسايرته والتغلب على نتائجه، لا لأنها مصابة، ولكن لزواجها من شخص يعاني مرض النوم القهري، ‘رشيد' صار له أربعين سنة وهو مريض. تقول سارة » قابلت رشيد لأول مرة عام 1968 في باريس , عندما كنت أدرس هنالك، وعندما أعلنت أني سأخرج معه في موعد، سخر منيجميع الذي يعرفونه، وحذروني من أنه يغط في النوم، وقد نام على كتفي في أول لقاء لنا، تزوجنا في أكتوبر عام سبعين، لا أتذكر أنه نام يوم الزفاف، ربما لأن التوتر أبقاه مستيقظا ، بعد سنة، أصابته أول نوبة نوم ، كان ينام عدة مرات في اليوم الواحد, حتى عند الجري،أو تناوله للطعام، عندها أصبحت ممرضته الدائمة، ثم بدات اشعر بالوحدة، لم يعد يتحكم في نوبات النوم، ولم أستطع مقاومة الشعور بالإحباط » إصابة ‘رشيد' تسببت له ولزوجته في إحباط ويأس شديدين، غير أن أملهما في إيجاد مخرج لمحنتهما، لم ينقطع ، ولا أدل على ذالك من سفرهما غلى بلدان مختلفة طمعا في الحصول على العلاج، وبحثهما المتواصل على جمعيات أو مراكز مهتمة تعنى بهذه الفئة من الناس. تستمر سميرة في سرد تفاصيل معاناتها وهي تحاول كبح دموعها » المهم أني أدركت أن زوجي لم يكن يستغلنيو لقد عرفت العوارض, وأدركت أنها حقيقية وليست مجرد تمثيل، ليس الأمر مزاحا، ولكنه واقع مرضي ». بعد أن غفا لبضع دقائق قال رشيد، الزوج المريض : « أعلم ان زوجتي تشعر بالسعادة الان فهي تتفهم الوضع، امل أن تبقى كذالك، وأن لا تتغير، لا أريدها أن تتغير، لا أريد من الناس أن يهرعوا مستغربين ليقولوا : هل أنت بخير؟، فقط ما أريده هو القليل من التفهم، ولا أظن أن العديد يرونها حالة طبيعية ». أرقام حسب التقارير المنشورة من مختلف البلدان فإنه يوجد من 23 إلى 190 مصابا في كل 100 ألف شخص على المستوى العالمي . وفي المملكة العربية السعودية أجرى أ.د. سعد الراجح دراسة في الثمانينيات من القرن الماضي في مدينة ‘الثقبة' على أكثر من 23 ألف شخص وتوصل إلى أن المرض يصيب 40 شخصًا في كل 100 ألف شخص, أي (0.04 في المائة), وتشير التقديرات إلى أن هناك ما يقارب الثلاثة ملايين مصاب في فرنسا و ما يقرب من 25 مليون مريض في أوروبا.