بالرغم من وجود إجماع فرنسي وطني على ضرورة محاربة الإرهاب و سن القوانين الضرورية لاجثثاته إلا أن هناك مفارقات سياسية تجعل من المواقف السياسية و الحزبية من هذه الظاهرة محل جدل كبير في المشهد السياسي الفرنسي …فغداة الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا عبر مجلة شارلي ابدو و المتجر اليهودي …حاول اليسار الحاكم بقيادة فرانسو هولاند استغلال هذه الظرفية المأسوية لتغيير نظرة الفرنسيين لعلاقة اليسار بالأمن و الركوب على موجة ما سمي إعلاميا و سياسيا بروح الحادي عشر من يناير كانون الثاني …و كانت لهذه الظرفية الخاصة انعكاسات سياسية هامة على صورة الحزب الحاكم بالرغم من انها لم تترجم بالملموس على شعبية قيادته .. اليمين المعارض الذي يحاول ترميم صفوفه تحت قيادة نيكولا ساركوزي و جد نفسه في كمين سياسي فإما ان يعارض خيارات الحكومة في هذا الميدان و يضع نفسه خارج السرب و الوفاق الوطني و أما أن يدعم مبادرات الحكومة و يخسر الهيبة التي يراهن عليها لإقناع الرأي العام الفرنسي بأنه جدير للعودة إلى سدة الحكم و هو الذي يهيئ نفسه لتناوب سياسي ..و من تم الانطباع بتبني خطاب متناقض بين حزم سياسي معارض و تفهم لحاجات الوحدة الوطنية المقدسة اتجاه الإرهاب … و خير دليل على هذه الظاهرة التصريحات الممتعضة التي بدأت تصدر عن اليمين مثل تلك التي جاءت على لسان احد أعمدة المخابرات الفرنسية المحسوبين على اليمين و هو برينار سكوارسيني عندما وجه سهامه الى الحكومة الاشتراكية قائلا انها فضلت تبني قانون الزواج لمثليي الجنس و أجلت قانون حول مكافحة الإرهاب الى ان وقع الاعتداء الإرهابي الذي ضرب شارلي ايبدو … و في إداراته لهذه التناقضات يحاول اليمين الفرنسي تفادي توجيه انتقادات مباشرة لوزير الداخلية براناركازنوف لكي لا يشارك في حملة أضعاف أدائه الحكومي و الظهور بأنه يساهم في إفشال سياسته لمحاربة الإرهاب و لكنه يركز سهامه على وزير العدل كريستيان توبيرا التي يتهمها بإتباع سياسية ينقصها الحزم والصرامة خصوصا وان السجون الفرنسية تحولت في السنوات الماضية إلى فضاءات لنشر الفكر الارهابي و تجييش التطرّفين … في هذه اللعبة الفرنسية يحاول اليمين الفرنسي ان يبقي على معادلة تقليدية رابحة بالنسبة له معالمها انه تاريخيا يحتكر مبدأ الصرامة و الحزم في السياسيات الأمنية التي أصبحت ماركته المسجلة اجتماعيا بينما اليسار معروف عليه نظرته و مقاربته « الملائكية » الساذجة اتجاه قضايا الأمن و المهاجرين …و الرهان الأساسي الذي يمكن أن يقلب الموازيين كون اليسار الحاكم فهم اللعبة و غير من نهجه و مقاربته و الفضل يرجع بطريق واضحة لرئيس الحكومة مانويل فالس الذي ينعته البعض بساركوزي اليسار « و قد نجح فالس في هذه المهمة لدرجة إن استطلاعات الرأي أظهرت انه أصبح الرجل المفضل لدى اليسار لخوض معركة الرئاسيات المقبلة في حال عقدت انتخابات تمهيدية داخل الحزب الاشتراكي