بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ الصويرة
نشر في الصويرة نيوز يوم 15 - 02 - 2010

نشرت مجلة التاريخ العربي دراسة حول تاريخ الصويرة بعنوان "محمد بن عبد الله العلوي وبناء مدينة الصويرة" قام بها الدكتور عبد الكريم كريم من كلية الاداب بالرباط.
ونظرا لاهيمة الدراسة فاننا ننقلها لقراء الصويرة نيوز كما جاءت من المصدر .
وفيما يلي نص الدراسة:
لإقليم الصويرة حدود طبيعية تتمثل في نهري تانسيفت وشيشاوة في الشمال والشرق، والسفوح الشمالية للجزء الغربي من جبال الأطلس الكبير في الجنوب، وفي الناحية الغربية يمتد الساحل المتميز بخليج ظل المنفذ الرئيس نحو العالم الخارجي طوال ثلاثة آلاف سنة.
أصبحت المنطقة منذ أن تمكن الدين الحنيف من قلوب أبنائها مركزاً للدعوة الإسلامية ورباطاً للدفاع عنها من البدع الضالة والمنحرفة. وقد تجاوبت لذلك مع الحركات السياسية التي كانت تهدف إلى تدعيم وحدة البلاد وصد الأخطار الخارجية عنها.
وإذا كان بناء المولى محمد بن عبد الله لمدينة الصويرة تجديداً لدور المنطقة، فإن توقيعه على المعاهدة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة تدعيم لاستراتيجية الانفتاح الواسع على عالم المحيط الأطلسي في ضفتيه الأوربية والأمريكية، من أجل أن تواكب المملكة المغربية الركب الدولي المتقدم في شتى مجالات الحياة السياسية والحضارية.
* * *
ميزت الطبيعة إقليم الصويرة بخليج تمتد أمامه جزيرتان كان لهما دور أساسي في ربط صلات مختلفة منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد مع الأقوام التي تاجرت مع حوض البحر المتوسط وشمالي المحيط الأطلسي كالفنيقيين والقرطاجيّين أو التي بسطت نفوذها كالرومان والواندال والبيزنطيين.
ومع الأيام تطورت أوضاع المنطقة وازدادت أهميتها بظهور وحدات سياسية كإمارة حاحا التي أسس أمراؤها قبل الإسلام مدينة الصويرة القديمة([1]).
وعندما أشرقت شمس الإسلام على الكون وامتدت الفتوحات الإسلامية إلى المغرب الأقصى، كانت بلاد ركَراكَة وحاحا وهما من أشهر قبائل المصامدة من المناطق التي تجاوبت مع الدعوة الإسلامية: »أوغل عقبة بن نافع في الغرب سائراً وساحل البحر حتى صار بأحواز طنجة، ثم واصل المسير حتى بلغ البحر عند ماسة« ([2]). وقبل عودته، »خلف شاكر بن عبد الله الأزدي أحد مشاهير التابعين الذين دخلوا المغرب معه... يعلم المصامدة وغيرهم«. وبذلك عد »شاكر من رجال ركَراكَة... وكانت ركَراكَة من أشرف قبائل المصامدة لسبقهم إلى الإسلام« ([3]).
ومما يؤكد حفاظ هذه البلاد على سيرة السلف الصالح: وقوفها ضد بدع البورغواطيين بتامسنا، وقيامها بحروب عديدة ضدهم، منها تلك التي قادها يعلى بن مصلين الركَراكَي الذي جدد رباط شاكر، تخليداً لذكراه وتمسكاً بمذهبه([4]).
ومن المشاهير الأعلام الذين تميزت بهم المنطقة »القطب الشهير ذو الكرامات الظاهرة سيدي مكَدول بن عبد الجليل الركَراكَي، كان عالماً صالحاً وله القدم الراسخة في الشجاعة ومن المجاهدين الأعلام« ([5]). وقد كان لتجاوبه مع الدعوة المرابطية أكبر الأثر في الانتصارات العسكرية التي حققتها ضد البورغواطيين.
بعد وفاة سيدي مكَدول، أصبح ساحل هذه البلاد يعرف باسمه. فقد ذكر البكري أن »مرسى سيدي مكَدول: مرسى مشتى مأمون... تنزل فيه السفن من جميع البلاد... وهو ساحل أغمات... وأحد رباطات ركَراكَة«([6])، أي أن ميناء المنطقة ظل نشيطاً لمزاياه الطبيعية، وكان المنفذ الرئيس لبلاد أغمات، حيث لم تكن مدينة مراكش قد بنيت بعد، وأن مدفن سيدي مكَدول قد أصبح من أشهر الرباطات بها.
واعتماداً على ما أورده ابن الزيات في "التشوف إلى رجال التصوف" والمتوفى عام 627 ه، فإن منطقة ركَراكَة وحاحا قد اتصفت بظهور عدد من العلماء والفقهاء والمجاهدين والأولياء والمتصوفين الذين انتشروا في المناطق المختلفة من البلاد، بالإضافة إلى الرحلات التي قام بها البعض الآخر في الشرق الإسلامي([7]).
ومن أشهر الرحالة الذين ينتسبون إلى هذه المنطقة: أبو عبد الله محمد العبدري الحيحي الذي خرج من بلاده حاحا في قعدة عام 688 م: »كان سفرنا تقبله الله تعالى في الخامس والعشرين من ذي قعدة عام ثمانية وثمانين وستمائة مبدؤه من حاحا صانها الله«([8]). وعاد إليها بعد رحلة أو صلته إلى الحجاز والشام ومصر والأندلس، وما دوّنه في رحلته يؤكد سعة أفقه واطلاعه الواسع ويعكس الجو العلمي الذي كانت تتميز به بلاد حاحا.
إن المتتبع لأحداث المغرب منذ مطلع القرن 9 ه/ 15 م، وهو القرن الذي شهد عمليات الاحتلال الأجنبي لمعظم سواحل المغرب الشمالية والغربية([9])، تثير انتباهه ظاهرتان متلازمتان: الصدى الذي أحدثه الاحتلال البرتغالي الإسباني للأراضي المغربية، وظهور رد فعل قوي على الغزاة المحتلين.
فمنذ أن احتل البرتغال مدينة سبتة (1415 م) وطوال مراحل الاحتلال التالية، ظهر عجز السلطات القائمة عن مواجهة الأحداث. فقام المخلصون من الدعاة والأئمة والمشايخ يحثون الناس على بذل النفس والنفيس للدفاع عن الوطن ولإعلاء كلمة الإسلام. وكانت الدعوات إلى الجهاد تتزايد باستفحال الخطر الصليبي. ولقد بلغ الأمر ببعض القائمين على شؤون الجهاد أن كفر كل قادر على حمل السلاح وكل متقاعس عن أداء هذا الواجب المقدس([10]).
وفيما يتعلق بإقليم الصويرة، فقد عرف النصف الثاني من القرن 15 م تسابقاً برتغالياً إسبانياً لاحتلال قواعد على سواحل المنطقة ما بين رأسي »كانت« و»نون«، أي ما بين أسفي وإفني، لأهميتها الاقتصادية (قصب السكر) واستراتيجيتها في المواصلات البحرية. وازدادت حدة هذا التسابق بعد اكتشاف الإسبان للقارة الأمريكية، والبرتغال لطريق الشرق الأقصى البحرية عبر رأس الرجاء الصالح.
لقد تعددت قواعد المجاهدين بالسواحل المغربية بتعدد مراكز الاحتلال الأجنبي. وبفضل قواعد المجاهدين، لم يتمكن الغزاة البرتغال والإسبان من التوغل داخل الأراضي المغربية، أي أن أعمال الجهاد المقدس قد أفسدت على الصليبيين كل محاولة للتوسع وبسط النفوذ.
ومن أشهر الحركات الجهادية: الحركة الجزولية، نسبة إلى الشيخ الإمام أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن سليمان... الجزولي. وجزولة قبيلة ببلاد سوس. فبعد رحلة إلى الشرق الإسلامي وأداء فريضة الحج، عاد الإمام الجزولي إلى المغرب واستقر برباط »طيط« بساحل دكالة، حيث الشيخ عبد الله أمغار، ثم في مدينة أسفي، وأخيراً بأفوغال بزاوية الشيخ سيدي علي معاشو ببلاد الشياظما، أي أن الشيخ الجزولي قد عاصر الأحداث الخطيرة التي نتجت عن التسابق البرتغالي الإسباني لاحتلال المزيد من القواعد بسواحل هذه المنطقة. فانطلق يدعو إلى الجهاد وحمل السلاح ضد المحتلين: »إن دولتنا دولة المجتهدين، المجاهدين في سبيل الله، المقاتلين لأعداء الله«([11]).
تجاوبت ركَراكَة وحاحا مع دعوة الشيخ الإمام الجزولي، خاصة وأن سواحلها كانت أكثر عرضة لأخطار الغزو المسيحي. والدليل على التأثير البعيد الذي أحدثته الدعوة الجهادية في البلاد، أن الإمام الجزولي قد اتخذ من أفوغال (سيدي علي معاشو) بالشياظما وتانكروت بحاحا مركزين للإقامة وبث الدعوة وتعبئة الصفوف للجهاد. تضاعف أنصار الدعوة الجزولية بعد وفاة الإمام الجزولي، وتعددت قواعد جهادهم بسواحل الشياظما وحاحا وسوس التي بنى بها البرتغال حصوناً عسكرية (حصن أكَادير 1505، حصن موكَادور 1506)، وتحولت مع الأيام إلى حركة سياسية بمبايعة قبائل سوس للإمام محمد بن عبد الرحمان (القائم بأمر الله) في شعبان 916 ه/ الموافق لنوفمبر 1510 م، أحد مجاهدي تاكمادرت ببلاد درعة ممن بلغتهم دعوة الإمام الجزولي.
أظهرت حاحا والشياظما تأييداً مطلقاً للدعوة السعدية الناشئة، خاصة بعد أن انتقل الإمام القائم بأمر الله إلى تانكروت وأفوغال التي وافاه الأجل بها ودفن بجوار قبر الشيخ سيدي معاشو.
لقد حرص المؤسسون الأولون للدولة السعدية على تعبئة صفوف المجاهدين لمواجهة قواعد الاحتلال الأجنبي. وبعد جهاد دام نحو ثلاثين عاماً تمكن المولى محمد الشيخ السعدي من تحرير حصن أكَادير في مارس 1541 م وحصون موكَادور وأسفي وأزمور في دجنبر من السنة نفسها. ولما كان القادة السعديون يربطون بين عمليات الجهاد لتحرير السواحل وبسط نفوذ دولتهم الناشئة بالداخل، فإن طبقات العامة قد تجاوبت معهم وتمكنوا في منتصف القرن 10 ه/ 16 م من توحيد كل البلاد. وبعد الانتصار في معركة وادي المخازن الشهيرة (الاثنين 30 جمادى الأولى عام 986 ه/ الموافق 4 غشت 578 م) على الحملة البرتغالية، استقرت دعائم الدولة السعدية واستعاد المغرب مكانته الدولية بصفته قوَّة سياسية لها كامل الاعتبار لدى الأتراك العثمانيين في الشرق الإسلامي، والإسبان في الغرب المسيحي.
عرفت منطقة حاحا والشياظما تطوّراً هامّاً في عهد الدولة السعدية، وخصوصاً في عهد المولى أحمد المنصور الذي حرص على تشجيع زراعة قصب السكر وبناء معاصره في بلاد حاحا: »ارتاد أيده الله البسيط الأفيح بوادي أنوال من بلاد حاحا وأنفذ إليها العرفاء بأمور المعاصر وتصاريفها ومقاييسها ومقاديرها والتربة التي تزكو بها غروس قصبها... ثم انطلق العمل وعم الاغتراس بالقصب الأوطان«([12])، وذلك كما جاء في "مناهل الصفا في مآثر موالينا الشرفا" لأبي فارس عبد العزيز الفشتالي وزير المنصور وهو معاصر: »ومن أعظم آثاره أيده الله تعالى المعاصر السكرية التي ابتدع رسومها واخترعها ببلاد حاحا... وهي من الأمور التي انفرد أيده الله بتدبيرها، فجاء للناس منها بآية الإعجاب والغرابة«([13]).
وعن التطور العمراني للمنطقة:
وإذا ألقيت عصا التسيار بالمعصرة، رأيت مجمع الورى وأول الحشر وقرية النمل وكورة النحل لكثرة ما ضمت من العَمَلَة وحشرت من الخلق، ولا تسأل عن هولها ولغط الأصوات بها تدل على عظمة شأنها وضخامة أحوالها على ضخامة الملك وسعة ذرع الدولة ... وقد قطعت معاقدة الكراء فيها اليوم لطائفة من أهل الذمة([14]).
وجميع هذه الآثار كشفت عنها النقاب حفريات عام 1948 التي قام بها في المنطقة بول بيرتييه (Paul Berthier) سواء فيما يتعلق بالشبكة المائية للري أو بالآلات والمصنع لمعالجة السكر([15]).
* * *
يعد المولى محمد بن عبد الله بن إسماعيل العلوي الذي حكم البلاد ما بين 1171 و1204 ه/ 1757 و1790 م من الشخصيات المتميزة في تاريخ المغرب الحديث. وقد اتصف عهده:
1 بالعمل على إقرار الأوضاع الداخلية للبلاد.
2 الانفتاح على العالم الخارجي بعقد معاهدات وإرسال سفارات إلى عواصم أوربا الغربية والشرق الإسلامي.
3 الاهتمام المتزايد بالسواحل المغربية على المحيط الأطلسي، وذلك للأهمية التي أصبحت لهذا المحيط في المواصلات الدولية بين أوربا الغربية والعالم الجديد أمريكا، وبينها وبين الشرق الأقصى عبر رأس الرجاء الصالح.
ويدخل في نطاق اهتمامه بالسواحل المغربية على الأطلسي: بناؤه وتطويره لعدد من المدن. ومن ذلك: بناؤه لمدينة الصويرة. واعتماداً على ما أورده البكري، فقد كان بالمنطقة »مرسى مكدول« وصفه بقوله: »مرسى مشتى مأمون«. وقد ظل هذا الميناء مستعملاً حتى قبيل بناء المدينة، باسم »مرسى الصويرة«، بدليل أن:
1 أحمد الغزالي سفير المولى محمد بن عبد الله إلى إسبانيا، وهو معاصر ذكر في مخطوطه: »أرشدته بصيرته... لتشييد ثغر... بإزاء مرسى الصويرة« ([16]).
2 أورد الضعيف الرباطي في مخطوطه، وهو معاصر: »لما فرغ السلطان من عرس ولده بمراكش...، ذهب إلى الصويرة«؛ وقال: »وفي سنة 1178 ه، أمر السلطان ببناء الصويرة«([17]).
لقد أدرك المولى محمد بن عبد الله الستراتيجية الخاصة للسواحل المغربية على المحيط الأطلسي، وأحس بالأخطار التي تهدد البلاد من جراء الأطماع الأوربية اقتصادياً وعسكرياً. فأقر سياسة دفاعية تهدف إلى تحصين السواحل المغربية الأطلسية وتسليحها وإلى تطوير الأسطول وتوسيع مجالاته ليؤمن الحماية اللازمة للبلاد ويدعم روابطها بالعالم الخارجي: »وشرع سيدنا أيده الله في عمارة الثغور وتشييد ما هده منها تتابع الأزمنة والدهور وحصنها بالعدد الكبير من المدافع والعدد حتى صارت ممنعة من العدو محفوظة من عين حاسد إذا حسد«([18]).
وفي نطاق السياسة الجديدة كان بناء حصن »مرسى الصويرة«. ويرجع اختيار المولى محمد بن عبد الله مرسى الصويرة لبناء القلعة الحصينة إلى صلاحيتها للملاحة طوال السنة، خلافاً لمعظم الموانئ الأخرى الواقعة خاصة عند مصبات الأنهار التي تعرقل ملاحتها قسماً كبيراً من السنة:
على أن سفن سيدنا الجهادية مقصور جهادها على شهرين في السنة لاتصال المراسي بالأودية، ويتعذر الخروج منها بالأزمنة الشتوية... وقد استعمل الحكماء وأهل الهندسة جهدهم في تنظيف المراسي من الرمل المانع لخروج المراكب، فلم يحصلوا على طائل ([19]).
أول ما شرع في بنائه عام 1178 ه التحصينات العسكرية: »لما فرغ السلطان من عرس ولده بمراكش في صفر 1178، ذهب إلى الصويرة... وشرع في بنائها وأقام بها نحو العشرين ورجع إلى مراكش«([20])، أي أن تدشين بناء المدينة كان في شهر ربيع الأول تبركاً بهذا الشهر المبارك. ويؤكد ذلك اللوحة التذكارية الموجودة فوق باب السبع من القصبة: »الحمد لله، أمر ببناء هذا الثغر السعيد مولانا أمير المؤمنين... سيدي محمد بن عبد الله... عام ثمانية وسبعين ومائة وألف« ([21]).
وأثناء إقامة التحصينات العسكرية للمدينة، عين قادة الرماية: »وفي صفر لعام 1179 عين الحاج محمد الصفار رامياً يذهبون للصويرة منهم المقدم الحاج محمد الفحام والمقدم الكبير الجزولي والمقدم اعزيز والمفرج والحاج عبد السلام البلاج والبادسي والسلاسي«([22]).
وأمر بنقل مدافع من فاس إلى الصويرة: »وفي مهل القعدة لعام 1179، قدم الصفار مع مائة رجل من البحرية بقصد أن يأخذوا الأنفاض التي بفاس الجديد ويذهبوا بها إلى... الصويرة«([23]).
والسفير المغربي أحمد الغزال، وهو معاصر، خير من يحدثنا عن مرسى الصويرة والتحصينات التي أقيمت بها:
لها بابان شرقية وغربية تسافر منها القراصن متى شاءت من غير أن تفتقر لطيف هواء ولا لمرية، وشحن أيده الله الجزيرتين الدائرتين بالمرسى، كبرى وصغرى، بالعدد الكثير من المدافع وشيد برجاً على صخرة داخل البحر إحكامه لصنوف الهندسة جامع. فالقاصد للمرسى لا يدخلها إلا تحت رمي المدافع من البرج والجزيرة. فإذا جاوز المدافع وحصل بالمرسى، فلا يمكنه الخروج منها إلا بدليل له معرفة وبصيرة؛ فهي محصنة محفوظة وبعين الرعاية ملحوظة ([24]).
ولحصانة المنطقة أصبحت صورة فريدة؛ »لم يكن مثلها في ما سبق ولا أبصر نظيرها في بر العجم والعرب حدق«([25]).
وعندما أصبحت المدينة حصينة »وحصنها وأنفق عليها مالاً عظيماً«([26])، بدأ العمران المدني يتسع بها: »ولما أكملها، أمر أهل فاس أن يعمروها بالإدالة من عام إلى عام ثلاثمائة رجل من أهل الصنائع على الأصناف حتى أوفت بهم الغاية«([27]).
ثم أسكن فيها »العلماء من أهل فاس وغيرهم«([28])؛ كما نقل إليها عدداً من سكان المدن الأخرى ومجموعات من القبائل المختلفة، فأصبحت بعض مناطق المدينة تحمل أسماءها مثل »حومة أهل أكَدير، وحومة البواخر، وحومة بني عنتر«([29])، وعين في الوقت نفسه »لكل فرقة عملاً مخزنياً تؤديه. فعين لأهل أكَدير رئاسة المرسى لكونهم مرنوا على البحر مع اشتغالهم بالتجارة، وعين من بني عنتر الطبجية«([30]).
ويبدو أن أوضاع المدينة قد أخذت تنتظم منذ عام 1182 ه بصورة استلزم الأمر تعيين السلطات المختلفة بها، ولا سيما عاملها: »وفي عام 1182 ولى السلطان... الباشا محمد وبه وميلود الحيحي وأسكنه بالصويرة عاملاً عليها وعلى أحوازها«([31]).
على أن تحصينات المدينة قد تمت عام 1184 ه. إذ نجد فوق باب المرسى لوحة تذكارية عليها: »الحمد لله. هذا الباب أمر ببنائه فخر الملوك سيدي محمد بن عبد الله على يد مملوكه أحمد أهر عام 1184«. كما يوجد منقوشاً على أحد المهارس بالقصبة: »الحمد لله وحده. هذا المهراس المبارك صنعوه في الوندريس على أمر سيدي محمد بن عبد الله سلطان المغرب نصره الله بقصد الصويرة عام 1183«.
ونتيجة لذلك، »شاع خبرها في سائر الآفاق وأجمع الكل على تفصيلها وتقدمها على من سواها بالاستحقاق«([32]). وأسرع بصفة خاصة التجار المغاربة والأجانب إلى بناء دورهم ومراكز تجارتهم: »بنى بهذا الثغر المبارك العدد الكثير من التجار دوراً حتى ضاق عليهم مع وسعه، وانقادت إليه التجار من جميع الأجناس من حيث تحقق الكل منهم بالحصول على ربحه ونفعه«([33]).
ولم تمض فترة طويلة من الزمن حتى أصبحت الصويرة من أهم الموانئ المغربية على المحيط الأطلسي ومن المدن الرئيسة بالمنطقة: »فهو في غاية العمارة، ضامن لموافيه البركة والربح في التجارة« ([34]).
تميزت مدينة الصويرة منذ السنوات الأولى لبنائها بكونها مقر عمالة تتمركز فيها السلطات المكلفة بمجموع منطقة حاحا والشياظما، ومركز قضاء شرعي وقاعدة لقوات بحرية وبرية: »كان بثغر الصويرة أيام السلطان سيدي محمد بن عبد الله ما بين جيش وطبجية وبحرية ألفان وخمسمائة«([35])، والميناء الرئيس للعاصمة مراكش: »ولما بلغ المركب للصويرة... وأخبروا أمير المومنين، فوجهني للصويرة فوادعته وانصرفت لها وتوجهت ومعي الباشدور التركي«([36]).
ومن جهة أخرى، فقد جعل المولى محمد بن عبد الله مرسى الصويرة ميناء حراً تشجيعاً لها، »وأسقط سيدنا أيده الله عمن يتردد إليها أو يأويه بقصد التجارة ما يجب عليه من الوظيف في فرده وجمعه«([37])، وأمر في الوقت نفسه بإغلاق مرسى أسفي وأكَدير: »وعطل لأجلها مرسى أكَدير وأسفي، ريثما اشتهرت بين الناس«([38]).
ونتيجة لذلك، ازدادت مداخيل مدينة الصويرة:
فخلال عام 1187، توصل بيت المال بالرباط بالمبالغ المالية التالية:
® من مدينة مراكش 156 ربيعة (في كل ربيعة 3.000 درهم).
® من مدينة الصويرة 34 ربيعة.
® من مدينة فضالة 12 ربيعة.
وخلال عام 1188، دخلت بيت المال بالرباط:
® 44 ربيعة من الرباط.
® 40 ربيعة من الصويرة.
® 20 ربيعة من فضالة([39]).
وازدادت مداخيل الصويرة للتطور الذي عرفته المدينة: »وفي اليوم السابق من ذي الحجة 1204 ه، ورد على الرباط نحو الخمسين جملاً حاملين صاكة الصويرة متوجهين إلى فاس« ([40]). »وفي أوائل رجب [1210 ه]، جاءت صاكة مرسة الصويرة في البحر نحو الستين قنطاراً ونزلت برباط الفتح« ([41]).
نمت مدينة الصويرة زمن المولى محمد بن عبد الله واتسع عمرانها وأصبحت مركزاً رئيساً هامّاً. وقد بنى الملك الصالح منزله داخل القلعة: »بنيت داخل القصبة دار لنزول جلالة السلطان قريبة من المرسى«([42]). ولمدينة الصويرة »أربعة أبواب: باب مراكش وباب دكالة وباب السبع وباب البحر«([43]). أما قصبتها، فلها أبواب ثلاثة: »باب السبع... وباب كانت قريبة من مسجد الشرادي وباب توصل إلى المرسى«([44]).
ومن أهم مساجد المدينة: مسجد القصبة والمسجد الجامع ومسجد الشرادي ومسجد ابن يوسف.
أما أهم أسواقها، فهي »سوق الحدادين ... هذا الشارع من باب السبع إلى باب دكالة هو المهم بالصويرة، ومنه تتفرع أسواق أخرى مثل سوق الصياغين والخياطين ورحبة الزرع وسوق الغزل وسوق الملح وغيرها« ([45]).
ومن حومات المدينة الشهيرة: »حومة أهل أكَدير وحومة البواخر وحومة بني عنتر«([46]).
وفي مخطوط الضعيف الرباطي نجد وصفاً لإحدى زيارات المولى محمد بن عبد الله لمدينة الصويرة، وقد كانت آخرها: »وفي عام 1199 في ربيع الثاني، خرج السلطان للصويرة، فدخلها يوم السبت 26 من الشهر فدخل لجامع القصبة وصلى العصر مع الفقهاء من أهل فاس وغيرهم من حاحا وسوس وغيرهم والقبائل وأقام بها أياماً ثم خرج منها لناحية سلا« ([47]).
وعن أهم التطورات التي عرفتها مدينة الصويرة خلال القرن التاسع عشر، فالوثائق التي بين أيدينا تؤكد الحقائق التالية:

أولاً: من الناحية الإدارية
ظلت مدينة الصويرة مقر عمالة يقيم بها عامل يعينه السلطان للقيام بكل شؤون المدينة وإقليمها. واهتماماً من المولى سليمان بمدينة الصويرة، عين عليها ابن أخيه وولي عهده المولى عبد الرحمن بن هشام. أما في الميناء، فهناك أمينان يسهران على ضبط الصادرات والواردات وعلى كلّ ما له علاقة بالشؤون المالية: »وبعد؛ فقد وصلنا كتابك أخبرت فيه بأن أمناء مرسى الصويرة أدخلوا لبيت المال بمحضرك... تحصلت من مستفاد المرسى المذكور وما أضيف إليه«([48]).
وبالمدينة قوات مسلحة برية وبحرية تتكون من قواد المائة والمقدمين والرماة، أنيطت بها مهمة السهر على سائر القوات المسلحة بالسواحل المغربية في بلاد سوس والصحراء الجنوبية. ولأهمية مدينة الصويرة، قام الأسطول الفرنسي بمهاجمتها عام 1830 م عند غزو فرنسا للجزائر؛ واحتلت القوات الفرنسية جزيرة الصويرة قبيل معركة إيسلي، ولم تجل عنها إلا بعد توقيع اتفاقية طنجة في سبتمبر 1844:
وبعد؛ فقد بلغنا أن الإدالة التي بثغر أكَدير من الجيش الصويري لا طائل تحتها ولا تجدي لضعفها، وعليه فنأمرك أن تجدد إدالة كاملة مقومة وعجل بتوجيهها للثغر المذكور على العادة واصلة لخديمنا الأرضى الحاج عمر بن سعيد المتوكَي وأعلمه بعددها وعدتها، واخترها من أهل النجدة والفائدة والعدة الصحيحة ([49]).
وفي الجانب الدبلوماسي: كانت مدينة الصويرة مركزاً رئيساً للقناصل الأجانب الذين يمثلون الدول الكبرى بأوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية: »ليكن في كريم ذهنك بأن نواب الدول المتحابة بثغر الصويرة اجتمعوا لأجل أن يتذاكروا ويتشاوروا« ([50]). وقبل أن يتم تعيين القنصل بها، يخبر وزير خارجية المملكة المغربية عامل الصويرة لأخذ الأهبة واستقبال القنصل بكل حفاوة
وترحاب: »وبعد؛ فإن نائب جنس البروس قد عين خليفة بثغركم اسمه "مسيو برإر"، وطلب منا الكتابة لكم بالإعلام بذلك. فلابد أجروه مجرى خلائف الأجناس فيما يجب لهم من التوفير والاحترام على العادة في ذلك«([51]). وهؤلاء القناصل يتصلون في كل معاملاتهم مع عامل المدينة الذي يحرص على تسهيل مهامهم وفق قوانين البلاد والاتفاقيات الدولية: »إن جميع نواب الأجناس هناك مشتغلون بما يعنيهم واقفون عند ما حولهم يتكلمون في ما لابد منه من أمورهم وأمور تجارهم ويجابون بما يقتضيه المقام جرياً على مقتضى الشروط والقوانين«([52]). وإخلال القنصل بواجباته قد يعرضه للعزل: »وصلنا كتابك... معلماً بما كتبه عامل الصويرة... شاكياً بقونصو النجليز بها... ولم يبق إلا أن يزجره الباشدور ويكفه ويؤخره ويولي غيره مكانه«([53]).
ومن جهة أخرى، فقد كان للقناصل بالصويرة نفوذ على كل المناطق الجنوبية بالمملكة بما في ذلك مراكش: »وبعد؛ فإن هنا بمراكش نصرانياً من جنس الصبنيول... مشتغل بأمور لا تصلح ولا يليق السكوت عنها... وقد أمرنا بتوجيهه مثقفاً للصويرة ليدفع لقونصوه هناك حتى يقيم عليه ما يستحقه حاله من الأحكام القانونية عندهم«([54]). ويدخل في مناطق نفوذهم كل الأراضي الصحراوية بجنوبي المملكة. فقد كتب قنصل إسبانيا بالصويرة إلى السيد الحبيب بن مبارك الوادنوني شيخ قبيلة تكنه بالساقية الحمراء يطلب منه أن يكف عن اعتقال الإسبانيين الذين ينزلون بسواحل الصحراء المغربية: »وبعد؛ فقد وصلنا كتابك وعرفنا ما أخبرت به من كتب قونصوه الصبنيول بالصويرة لك بالقبض على الخارجين منهم في الساحل«([55]).
ثانياً: من الناحية الاقتصادية
أصبحت مدينة الصويرة الميناء الرئيس لصادرات المنطقة الوسطى للمملكة ووارداتها. وقد أقام بها، بسبب ذلك، تجار أجانب من جميع الأجناس الأوربية والأمريكية. ومن الأمثلة التي تعكس اتساع نشاطهم التجاري: »أن التاجر كارتيس النجليزي وردت عليه طواني من الحديد للزيت، فجعلها ببراح قرب صقالة المرسى ملتصق بمحل معد لمصلى عيد المسلمين وأحاط بها براميل كباراً انسدت الطريق بها«([56]).
ومما زاد من مكانة المدينة الخط البحري الذي أصبح يربطها مع طنجة: »تفاصلنا مع القونصو المذكور بأن نسق... على أيدينا ونوجهها لحضرتكم بطنجة صحبة بابور النجليز«([57]).
واعتناء من السلطات المحلية بمرسى الصويرة، فإن أعمال الصيانة والإصلاح لم تنقطع:
وبعد؛ فقد أمرنا خدامنا الأمناء بأن يقوموا على ساق الجد في إصلاح الفلائك وزيادة ما تحتاج إليه الخدمة في المرسى من البحرية وغير ذلك مما ينقطع به الكلام من تعطيل الوسق والوضع. فإذا توقفوا على زيادة عدد من البحرية، فنفذ ذلك ولابد ([58]).
وحسب التقارير التي كتبها المبعوث الأمريكي فيلكس ماتيوسMatheus) (F. عن الفترة ما بين 1879 و1881، فإن ميناء مدينة الصويرة قد أصبح المنفذ الرئيس لكل الصادرات والواردات المتعلقة بالمنطقة الجنوبية من المغرب، وإن السفن الأمريكية التي كانت تقلع من ميناء بوسطن أو غيرها حاملة المنتوجات الأمريكية تتوقف بالصويرة حيث تتسلم في المقابل منتوجات مغربية وإفريقية([59]).
أما مداخل بيت المال بالصويرة، فقد بلغت في شهر يوليه لسنة 1874 رقماً مرتفعاً: »بيان ما دخل لبيت المال عمره الله بثغر الصويرة صانها الله من مستفاد شهر يوليه العجمي سنة 1874... أحد وثلاثون ألف مثقال وستمائة مثقال وسبعة وثمانون مثقالاً وست أواقي حسبما هو مبين في كناش المرسى السعيد وكناش بداخل بيت المال عمره الله«([60]).
ثالثاً: من الناحية الاجتماعية
ضمن الوفود التي كانت تصل إلى العاصمة لتهنئة السلطان، كان الوفد الصويري:
وبعد؛ فقد ورد على حضرتنا الشريفة من أوفدته من خدامنا أهل الصويرة ومن معهم وصفان جيشنا السعيد كما بطرته، ونابوا عنك في تهنئة جنابنا السعيد بما سنى الله من النصر المبين والعز المتين، وقاموا في ذلك أحسن قيام، وأدوا السمع والطاعة، وفازوا من ذلك بخير عظيم وثواب جسيم. أصلحك الله وأصلحهم، ورضي عنك وعنهم ([61]).
واعتماداً على رسالة بعثها إلى عامل الصويرة قناصل الدول الأجنبية بها، نقف على ما يلي:
1 كثيراً ما كان القناصل الأجانب يقترحون على العامل إدخال إصلاحات يرون ضرورتها:
ليكن في كريم ذهنك بأن نواب الدول المتحابة بثغر الصويرة اجتمعوا... لأجل أن يتذاكروا ويتشاوروا على كتاب تقدم لهم من عند كثرة التجار الساكنين بهذا الثغر الصويري... اتفقوا على أن ينعقد مجلس يكون فيه أربعة نصارى وأربعة يهود واثنين (كذا) من المسلمين ([62]).
2 ومن المشروعات المقترحة: »اتفقوا على أن يكتبوا لك لتشد لهم العضد... ليسهل لذلك المجلس قبوض (كذا) الدراهم اللازمة التي يحتاجون إليها... لإصلاح دروب الملاح وتخميلهم (كذا) ولتنظيف أزقة البلاد« ([63]).
من الطّوائف الأساسية في المجتمع الصويري: أهل الذمة من اليهود الذين كانوا يتمتعون بامتيازات وفرتها لهم الشريعة الإسلامية، منها الحفاظ على دينهم والوقوف ضد المحاولات التبشيرية المسيحية التي كانت تهددهم:
وبعد؛ فقد رفع الشكاية لحضرتنا العالية بالله تجار اليهود بمرسى الصويرة أن أصحاب الدين الجديد الحديثي السكنى بالصويرة اشتغلوا بالوسوسة والخوض في دينهم وحض أولادهم ومساكينهم على إبدال دينهم بدينهم الجديد وأعطوهم الدراهم التي لها بال على ذلك حتى جلبوا منهم نحو المائتين بين صبيان وصبيات وصاروا يقرؤونهم قراءتهم وطلبوا رفع ضررهم عنهم بمنعهم من السكنى معهم. فنامرك أن تتكلم مع باشدور جنسهم وأن لا تقصر معه في كل ما يبعدهم ويجليهم ويقصيهم ويطردهم عن هذه الإيالة المحروسة بالله([64]).
ومن الناحية الثقافية: لقد وقع الاختيار على عدد من الطلبة الصويريين المتفوقين في الرياضيات لإرسالهم إلى أوربا للدراسة والتخصص في العلوم الحديثة: »وبعد فقد وصلنا كتابك وصحبته طلبة الحساب الذين وجهت بقصد اختيارهم عملاً بأمرنا الشريف، فوجدنا أثر النجابة لائحاً على الستة المذكورين بالطرة«([65]).
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أبو القاسم الزياني، الترجمانة الكبرى، ص. 275.
([2]) ابن عذاري، البيان المغرب، ص. 63.
([3]) المراكشي، الإعلام، ج 6، ص. 132.
([4]) ابن الزيات، التشوف إلى رجال التصوف، ص. 26.
([5]) أحمد الركَراكَي، الشموس المنيرة، ص. 52.
([6]) البكري، المغرب في ذكر إفريقية والمغرب، ص. 73.
([7]) ابن الزيات، التشوف...، مصدر سابق، صص. 62 63، 91، 93، 103...
([8]) رحلة العبدري، ص. 7.
([9]) انظر عمليات الغزو البرتغالي الإسباني للسواحل المغربية في: الدكتور عبد الكريم كريم، المغرب في عهد الدولة السعدية،، ص. 5.
([10]) ابن عسكر، دوحة الناشر، ص. 47.
([11]) المراكشي، الإعلام، مصدر سابق، ص. 65.
([12]) الفشتالي، مناهل الصفا، تحقيق ودراسة الدكتور عبد الكريم كريم، الرباط، 1972.
([13]) المصدر نفسه، ص. 209.
([14]) المصدر نفسه.
([15]) مجلة البحث العلمي، العدد الأول، 1964، صص. 33 38.
([16]) أحمد الغزال، رحلة الغزالي، مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط، ج 7، ص. 12.
([17]) الضعيف الرباطي، تاريخ الضعيف، مخطوطة بالخزانة العامة بالرباط. د 660، ص.170.
([18]) أحمد الغزال، مصدر سابق، ص. 10.
([19]) الغزال، مصدر سابق، ص. 11.
([20]) الضعيف، مصدر سابق، ص. 170.
([21]) فوق باب السبع نقشت كتابة جاء فيها: »بسم الله الرحمن الرحيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
ومن تكن برسول الله نصرته إن تلقه الأسد في آجامها تجم
الحمد لله، أمر ببناء هذا الثغر السعيد مولانا أمير المومنين بن مولانا أمير المومنين الشريف الجليل الإمام سيدي محمد بن مولانا عبد الله أدام الله علاه وسعادته. آمين.
عام ثمانية وسبعين ومائة وألف«. (الضعيف، مصدر سابق، ص. 170).
([22]) الضعيف، المصدر نفسه، ص. 170.
([23]) المصدر نفسه، ص. 171.
([24]) الغزال، مصدر سابق، ص. 13.
([25]) المصدر نفسه، ص. 12.
([26]) الضعيف، مصدر سابق، ص. 171.
([27]) المصدر نفسه، ص. 170.
([28]) المصدر نفسه، ص. 171.
([29]) الشموس المنيرة، ص. 11.
([30]) المصدر نفسه، ص. 12.
([31]) الضعيف، المصدر السابق، ص. 172.
([32]) الغزال، مصدر سابق، ص. 13.
([33]) المصدر نفسه.
([34]) المصدر نفسه، ص. 14.
([35]) الناصري، الاستقصا، ج 8، ص. 61.
([36]) الزياني، الترجمان، ص. 87.
([37]) الغزال، المصدر السابق، ص. 14.
([38]) محمد العبدي، أسفي وما إليه، ص. 54.
([39]) كناش البحر، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، د 1409.
([40]) الضعيف الرباطي، ص. 438.
([41]) المصدر نفسه، ص. 446.
([42]) الشموس، مصدر سابق، ص. 6.
([43]) المصدر نفسه، ص. 7.
([44]) المصدر نفسه، ص. 6.
([45]) المصدر نفسه، ص. 7.
([46]) المصدر نفسه، ص. 11.
([47]) الضعيف، مصدر سابق، ص. 195.
([48]) الوثائق، مديرية الوثائق الملكية، ج 3، ص. 418.
([49]) المصدر نفسه، ص. 455.
([50]) الوثائق، ج 3، ص. 486. والقناصل هم ممثلو فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والنمسا والدانمارك.
([51]) المصدر نفسه، ج 3، ص. 426.
([52]) المصدر نفسه، ج 4، ص. 408.
([53]) المصدر نفسه.
([54]) المصدر نفسه، ص. 371.
([55]) المصدر نفسه، ج 3، ص. 467.
([56]) المصدر نفسه، ج 4، ص. 253.
([57]) المصدر نفسه، ص. 338.
([58]) المصدر نفسه، ج 3، ص. 462.
([59]) مجلة البحث العلمي، عدد 31، أكتوبر 1980، ص. 100.
([60]) الوثائق، المصدر السابق، ج 3، ص. 412.
([61]) المصدر نفسه، ج 3، ص. 258.
([62]) المصدر نفسه، ص. 485.
([63]) المصدر نفسه.
([64]) المصدر نفسه، ج 4، ص. 456.
([65]) المصدر نفسه، ج 3، ص. 457. والطلبة هم: أحمد بن محمد الضماني وعمر بن علال بادوش ومحمد بن المدني والمهدي بن ابراهمي وأحمد بن حم ومحمد بن عبدالرحيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.