كثيرة هي المغالطات التي تأتي ممن أخذتهم الدنيا ويظنون أنهم مهتدين ومثقفين والتي تتبع قيام كاتب ما بتوثيق أو نشر معلومة حقيقة ، سواء قصد من خلالها شد أزر الوطنيين العاملين بصدق لخدمة شعبهم وقضيتهم الحية ، المبتعدين عن المكر والخداع والنفاق ، أو محاولة الضرب على يد الطرف المعتدي البعيد كل البعد عن المصداقية والشفافية والحق والتقوى وأن كان يتقن التقية السياسية كما يتقن حلفاؤه التقية الدينية . ففي الحالة الفلسطينية ، كثيرة هي المدخلات والتداخلات والمسببات التي نسجتها أصابع الأمم وبعض الأصابع الفلسطينية التي صنعت النكبة والحال الفلسطينية المأساوية ، وأحدثت شرخا في التنشئة الوطنية الفلسطينية ، حتى بات الحليم بها حيرانا ، فالأحزاب الفلسطينية الأسرية والإقطاعية قبل النكبة لم تسعف الفلسطينيين وتمنع عنهم النكبة ، بل كانت سببا مهما في تقريبها وإحداث فصولها ونتائجها ، كما أن كثرة الإتجاهات الحزبية الفلسطينية بعد النكبة وتعدد الفصائل الفلسطينية بعد الإنطلاقة ، لم تزل هم الفلسطينيين وتحدث الانتصار وتدفع بهم نحو الدولة التي يسعوا إليها لحقهم بها ، بل زادت من مآسيهم وأبعدتهم كثيرا عن آمالهم بعد إلهائهم وإشغالهم بمشاكلها وخلافاتها مع ذاتها وبعضها ، حتى بات الفلسطيني وبعض العربي الداعم للنضال والحق الفلسطيني لا يأمن بوائق الكثير منها . وبعد تمكن إسرائيل من تشريد أكثرية الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها بحكم الصراع القائم أساسا على قاعدة السلب من الطرف الصهيوني الأقوى ، المعتقد بقدرته على نقل الشعب الفلسطيني من مغلوب على أمره إلى مستسلم وراض بواقعه في بلاد الشتات الجديدة ، والمرتكز على قاعدة الدفع من الفلسطيني الأضعف والمستضعف ، والدفع بأضعف الإيمان من العربي والإسلامي ، قامت إسرائيل بالكثير من الخطوات الإستباقية والإفتراضية والعدائية لتحقيق حلمها بذلك لكنّ الذي لم تتوقعه وفاجأها كما فاجأ الكثيرين غيرها ، هو قدرة وتمكن مجموعة ريادية فلسطينية تشكلت بعد إرهاصات حرب 1956م ضد مصر العربية ، من بلورة فكرة فلسطيني خاص إنطلق من العقيدة الفلسطينية العربية الإسلامية الرامية لتحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة ، فكر يؤمن بفلسطين للفلسطينيين وبتحريرها بمعاونة الإرادة والأذرع العربية ، كما يؤمن بعروبة الدول العربية وخصوصية شعوبها الوطنية ، وبنهضتها وازدهارها بمعاونة الزنود والعقول الفلسطينية ، ويؤمن بعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية ، والتي لها كل الحق بالمحافظة على أمنها واستقلالها وحماية منجزاتها وشعوبها من الأفعى الصهيونية المتجهزة دائما لنفث سمومها ، ومن سلها وأذنابها المتجهزين دائما للانقضاض على شرعياتها . ففي الفاتح من عام 1965م تمكن ياسر عرفات المنطلق من الكويت ومعه آخرون ومحمود عباس أبو مازن المنطلق من قطر ومعه آخرون ، ومجموعة غزة وحواليها ، المحبين والمخلصين لفلسطين والعاشقين لجميع الدول العربية ، من إطلاق حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) في وقت مصيري مهم ، كان الشعب الفلسطيني أكثر ما يكون بحاجة لهكذا إنطلاقة ، بسبب كثرة الأحزاب والتوجهات القومية التي تفشت بالجسم العربي من الخمسينيات حتى السبعينات من القرن الماضي ، والتي أعلنت الحرب على النظم العربية الشرعية والدستورية أكثر من إعلانها على الكيان الإسرائيلي الغاصب ، مستغلة كل تلك الأحزاب المعاناة الفلسطينية ومتدرعة بقميص قضية فلسطين ، وبسبب الإرتداد السياسي والغياب المقصود للجماعات الدينية وخاصة لحركة الإخوان المسلمين التي رفضت المشاركة بالصراع ضد العدو الإسرائيلي حسب أوامر مبعثيها ، ورفضها انتقال المجموع الوطني الفلسطيني من الحراك السياسي إلى الواقع الثوري النضالي ، حيث أطلقت لقب ( المجانين ) على قادة وكوادر حركة فتح ، في حين أطلقت إسرائيل عليهم لقب المخربين ، وأخيرا بسبب الرغبة الرسمية العربية التي توافقت مع الجماهيرية بإيجاد منظومة عمل فلسطينية تكون قادرة على إدارة الملف الفلسطيني ، ولتشارك بالحرب المتوقعة لتحرير فلسطين . إلا أنّ إسرائيل المنطلقة من عقيدة عنصرية عدائية ضد كل شيء فلسطيني ، لم ترق لها فكرة تحشيد الفلسطينيين ومساعدتهم ثانية على إبراز هويتهم وخصوصيتهم الوطنية ، والتي حملت رايتها بنجاح حركة فتح ، فسارعت لإلهاب الشارع الفلسطيني وتغذيته بالإشاعات والمعلومات والأخبار المفبركة ، وحث بعض أحزابه ودول عربية كثيرة على تفريخ المزيد من التنظيمات ، بهدف إرباك العمل الفلسطيني وسحب البساط من تحت أقدام حركة فتح التي كان كل همها الإنتصار وإقامة دولة فلسطين فوق تراب فلسطين الوطني ، والتي لو انفردت بالعمل النضالي الفلسطيني لتمكنت بالتأكيد من تحرير فلسطين عام 1967م ، وللدفع لتشويه صورة النضال الفلسطيني بعد دفعها للإصطدام بالداعمين العرب ، وبنفسها وبالشعب الفلسطيني ذاته . وهنا سجل التاريخ إن إسرائيل قد فشلت إلى حد كبير بتحقيق غاياتها وأهدافها الآملة لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح ، بسبب الحنكة والتميز للقيادة الفلسطينية التي حصدت التأييد الرسمي والشعبي العربي والإسلامي وغالبية العالمي ، وبسبب إلتفاف الشعب الفلسطيني حول منظمته وحركته وقيادته الذي أفشل كل المحاولات الإنشقاقية التي كان مسؤول عنها الإحتلال أو ظروف الصراع الفلسطيني ذاته وأريد لها أن تسلب الشرعية ، كما وأفشل كل المحاولات التأسيسية لقيادات بديلة كان من أخطرها في السبعينيات من القرن الماضي روابط القرى التي أخرجتها إسرائيل ، وفي الثمانينات ما عرفت بجبهة الإنقاذ التي دفعت باتجاه حسم المعركة مع منظمة التحرير الفلسطينية وليس مع إسرائيل ، والتي أخرجتها ما كان يعرف آنذاك بدول الصمود والتصدي وت�عرف نفسها اليوم بدول الممانعة ، وفي نهاية الثمانينات إنطلاقة حركة حماس بعد قرار جماعة الإخوان المسلمين العالمية وبتنسيق عالي المستوى وبإخراج من ومع الداعمين الدوليين والإقليميين ، والتي أريدَ لها منذ بدايات أنطلاقتها أن نجحت بالحلول مكان حركة فتح في العقلية والقلوب الفلسطينية ، شطب أوتجاوز أو احتواء منظمة التحرير الفلسطينية بعد نسف أسسها ومتكزاتها وأهدافها . فحركة فتح التي انطلقت في فترة الإنبعاث القومي نجحت بتحديد الهدف الفلسطيني من الصراع ( دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس ونيل الفلسطينيين كافة حقوقهم وثوابتهم المشروعة والمكفولة ) ، وتمكنت من صنع القرار الفلسطييني وإبقائه حرا مستقلا رغم كل محاولات تهميشه أو تقزيمه أو مصادرته ، على عكس حركة حماس التي انطلقت بفترة النكوس الفكري القومجي وظهور الفكر الإسلمجي الحائر بين الدعوي والسياسي ، وبين الجهاد أوالدفع ، وبين المعقول الفلسطيني الذي يضمن صراع البقاء حيا لحين الانتصار ، وبين المأمول الإسرائيلي بشطب وسحق القضية الفلسطينية ، وبين المطلوب الإقليمي ( إيران ) الذي يحاول اختراق الجدار العربي ، ومن بعض الراعي العربي الموالي لإيران والداعم لها الذي تهمه مصالحه وبقاء ن�ظمه ، والمطلوب الأممي والغربي الجديد والمتطور بضرورة تمكين الفلسطينين من حقوقهم ، وبين مقتضيات الفكر الإخونجي بعالميته الذي من أولوياته إقامة أمارات إسلامية في الاقاليم التي تنتشر وتسيطر عليها للخلاص وأجتثاث الأفكار القومجية والاسلامية الأخرى الآملة لخلافة أو دولة إسلامية واحدة ، وبين واقع الفكر الإخونجي الحماسي بالأعين التركيبية ذات المنشأ الخارجي ، الحائر بين ( مشية الحمام ومشية الهدهد ففقد مشيته بعد استخفافه بالدم الفلسطيني والمستهتر بمصير الشعب الفلسطيني ) ، والذي فشل من تحديد هدف وأسس ومعالم الصراع مع إسرائيل التي باتت حدودها آمنه مع إمارة حماس في غزة التي نجحت بزيادة عدد الأطراف التي تعاديها واللذين من بينهم مجموع الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الحية ، فاحتارت بالاختيار بين أمارة اسلامية في غزة فاتكة بالجماعات الإسلامية الراغبة بمثلها ، وسالبة للحقوق الأساسية لسكان غزة ، نفت مرارا وتكرارا أن تكون هدفها مع أنها سعت إليها قبيل انقلابها ، مما يسقط شعارها الإسلام هو الحل ، أو دولة في غزة تتوسع على حساب سيناء المصرية أثبتت الأحداث بعد نجاح انقلابها الدموي وإرهاصات حرب إسرائيل على سكان غزة أنها ترمي للوصول إليها مدفوعة من إيران وحزب الله ، كما وأثبتت الأيام أنها رضيت بها وتعمل بضريبة الدم وغيرها من الضرائب والخاوات والأتوات لتقويتها على حساب معاناة الغزيين المظلومين ، وعلى حساب المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وأولوياته وحقوقه وثوابته ، أو دولة على حدود الرابع من حزيران 67م أعلنت أنها ستقبل بها ولكن بعد ( خراب مالطا ) كما يرغب الأممي والغربي اللذين تعاديهم ( على عينك يا تاجر ) ، أو بين كل فلسطين من النهر إلى البحر صرحت إعلاميا أنها تسعى إليها بهدف خداع الجماهير واقتناص ومصادرة قراراتها ، وأثبتت الظروف والحقائق بعد مئة وعشرين جولة من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل ووسطاء غربيين أنها تخلو من أجندتها ، كما واحتارت بين خيار السلام المحدد بأفق الذي قد ينتج عنه ما يرضي الأجيال الفلسطينية القادمة ، أو خيار الهدنة طويلة الأجل كما تأمل إسرائيل والتي بالتأكيد ستقضي على الأخضر واليابس ، وتضيع الأرض والقدس والمقدسات وتغضب الأجيال القادمة قبل الحاضرة ، والتي ستحاسب بالتأكيد حماس وقادتها بعد ثبوت زيف وكذب برامجها ومطالباتها التي لم يتوضح ويثبت منها إلا برنامج إقصاء وأجتثاث حركة فتح ، وتدمير السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ، مما يفقدها مصداقيتها لتضارب واختلاف برامجها ومشاريعها ، وهو ما أراح إسرائيل وجعلها تفكر وتعمل جديا بالدفع بحماس لإيصالها للجماهيرية التي تؤهلها برأيها لقيادة الشعب الفلسطيني نحو المصير الذي يتوافق مع ما تخطط له وتبحث عنه دائما . فحركة فتح بمنهجها المرتكز على الفكر الفلسطيني الخاص المؤمن بحق الشعب الفلسطيني بدولة فلسطينية حرة ومستقلة وعاصمتها القدس ، وعقيدتها التي تحرم سفك الدم الفلسطيني بكل الأحوال ، وأجندتها القائمة على احترام الذات والخصوصيات العربية ، وبقدرتها على التأقلم والنفاذ من المشكلات التي تدفع إليها أو تصنع بداخلها ، هي على عكس حركة حماس التي يقوم منهجها لفظا على الفكر الإسلمجي الهلامي ، والذي يعني إلغاء كل الأفكار الأخرى واجتثاث كل القوى الأخرى التي تمثلها ، وأجندتها على التدخل بالشؤون والخصوصيات العربية ، وتقوم عقيدتها غير المتوافقة مع الشرع الإسلامي الحنيف على جواز قتل الآخر وفي كل الأحوال والحالات ، خدمة للسياسية والسياسيين ومصالح الداعمين الآخرين ، وليس حسب الأمور الشرعية المحددة حالاتها وأوقاتها بثلاث حالات يعرفها الصغير قبل الكبير والذّمي قبل المسلم ، لم ينس رسول البشرية صلى الله عليه وسلم رابعة أو أكثر لتضيفها حماس الربانية لها ، وهو القائل ( لا رسول بعدي ) ( واحذروا الدجال ) . فالبنصوص الورقية المكتوبة ، وبالأهداف المرحلية التكتيكية أو بالإستراتيجية ، وباعتماد المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني الذي تحافظ علية وترعاه حركة فتح وتتجاوزه وتخشاه حركة حماس ، إثبات أنّ حركة حماس لن تكون يوما كحركة فتح الرائدة العاشقة لجماهيرها الفلسطينية ، والتي ما ميّزت يوما بين فلسطيني وآخر ، وما قتلت فلسطيني بشبهة وما خوّنت وكفّرت ، وحركة فتح ما كانت يوما كحماس القاتلة والمحاصرة والم�جّوعة والجابية للضرائب والفارضة للأتوات ، والم�حوّلة المشتل والسرايا لأكبر معتقلات للفلسطينيين مثل السجون الإسرائيلية الإرهابية في النقب وعوفر ومجدو ونفحه وغيرها ، وت�ذكِر بسجن الجزار في عكا الذي انشأ لإعتقال وإعدام الوطنية الفلسطينية ، والمحرمة للنضال والمقاومة بعد تحقيق مصلحتها بالحكم والسيطرة على شعب غزة بعد نجاح انقلابها ، والذي يأمل كل من داعميها أن يحقق منه أو بواسطته هدفا ، فإيران تأمل تشييعه لتنطلق من أرض القطاع لمصر وشمال أفريقيا ، والداعمين العرب لها يأملون أن يبقى سكان غزة شوكة في خاصرة الشرعية الفلسطينية بعد أن كانوا دوما شوكة في خاصرة إسرائيل والمعتدين ، وبعض المعارضة تأمل أن تستخدمهم مطرقة لضرب منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح ، بعد أن كانوا دائما مطرقة على رؤوس الأعداء والغزاة الطامعين ، وحركة حماس أرادت أن تستخدمهم كفئران تجارب وهم الأجل والأسمى لمشروع جماعة الإخوان الآملين بصنع نماذج شبيهة في الأقاليم التي يتواجدون بها . وحركة فتح المطالبة بوحدة شطري الوطن والراغبة بتحقيق الوحدة الوطنية بعد أن وقعت على ورقة المصالحة الفلسطينية ، لن تكون كحماس الم�قسّمة للشعب والبيت الفلسطيني الواحد ، المعني في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى بتحديد خياراته وأختياراته دون خوف من سلاح ورصاص وأسواط مقاومة الإرادة الفلسطينية ، أو ج�بن أمام سجاني حماس نافخي الأحكام والأوهام ، وبضرورة وبأهمية شرعنتة لدستور أو قانون يحدد أسس العمل الفلسطيني المشترك ويرفض المتجاوز ويحاسبه ، وبضرورة قول كلمته وإعلاء صوته ليلغي لعبة ( السيسو ) الصبيانية التي صنعها بنفسه ، والتي رضي أن يكون هو محورها ، وأطرافها فتح الرؤية الفلسطينية ، وحماس الرؤية الإيرانية ورؤية من يتغذى بمالها ويستن بهدي أحمدي ومرشدها ويدور بفلكها .