سبق لنا أن نشرنا هذا المقال سنة 2016 في عدد من الجرائد والمجلات الإلكترونية نظرا لما خلفه تطبيق مساطر انتقاء أساتذة التعليم العالي بالجامعات المغربية من طعون وسجالات وكذلك اقتراحات و نظرا كذلك لكون عدم الرضا هو السمة الطاغية والغالبة عموما عند فئات واسعة من المترشحين الحاصلين على الدكتوراه الذين لم يتوفقوا في الالتحاق بالجامعة. ما من شك أنه بعد حوالي عقدين من تطبيق هذه المساطر لا زالت في حاجة إلى تطوير وإغناء لكي تواكب تطور الجامعة المغربية وتحقق نوعا من الشفافية التي تغيب عنها حاليا بشهادة سواء الجامعيين أعضاء اللجان وكذلك الملاحظين الخارجيين لا سيما المترشحون منهم لمناصب أساتذة باحثين. هكذا نعتقد، بعد مضي ثلاثة سنوات، لم يفقد المقال راهنيته ومازالت أسباب نزوله قائمة. لكن نريد منذ البداية أن نؤكد على عدم مشاطرتنا لبعض الاقتراحات التي وردت في الآونة الأخيرة كتلك التي تطالب بلجان مركزية لانتقاء الأساتذة الباحثين بدل اللجان في صيغتها الحالية. نعتقد أن وجود لجان مركزية سيطرح تناقض وتنافي مع القانون 01 00 المنظم للتعليم العالي والذي يشدد على استقلالية الجامعات على الصعيد العلمي والبيداغوجي والإداري. وهذا يشكل نوعا من النكوص والتراجع الذي ليس في صالح الجامعة المغربية التي يفترض فيها أنها قطعت أشواطا في الاستقلالية. وفي مايلي نص المقال مع بعض التعديلات والإضافات التي أدخلناها عليه في صيغته الحالية المحينة. تكاثرت وتواترت خلال السنوات الأخيرة السجالات والنقاشات سواء على مستوى صفحات الفضاء الأزرق أو من خلال بعض منشورات الصحافة الإلكترونية والورقية عن غياب الموضوعية والمعايير الصارمة لانتقاء واختيار الأساتذة الباحثين في المباريات الخاصة بذلك بالجامعة المغربية. ونحن نعتقد بصدق أن هذا النقاش صحي لأنه وضع الأصبع على مشكل عويص كثيرا ما قد يتسبب في انتقادات وطعون وفي الاعتقاد الراسخ بالاقصاء لدى البعض على حساب انتقاء البعض الآخر بعيدا عن أجواء الموضوعية في الاختيار ومعايير الشفافية والاستحقاق. بالتأكيد أن الموضوع جدير بأن يتم فتح النقاش العام بشأنه فيدلي الجميع برأيه من مهتمين و أساتذة جامعيين ونقابيين وحاصلين على الدكتوراه وكذلك الطلبة الذين هم في إطار تحضيرهم للدكتوراه. هذا ما سنحاول بدورنا القيام به لندلي بدلونا في الموضوع من خلال تجربتنا المتواضعة في التدريس بالتعليم العالي. الأكيد أن تجربة الانتقاء الحالية في شقيها: أي بالاعتماد على وضع ملف يتضمن الإنتاج العلمي والتجربة البيداغوجية وإجراء مقابلة أمام أنظار لجنة خاصة مازالت تجربة فتية بالجامعة المغربية وبالتالي هي في حاجة لتطويرها ولتحسينها وإغنائها بالاستفادة من بعض نواقص الممارسة اليومية في مختلف المؤسسات الجامعية. كما أن أية شبكة للتقييم (grille d'évaluation ) موحدة وجاهزة قبليا، مهما كانت دقتها ووجاهتها، لن تستطيع استيفاء و إدراج جميع المعايير مع الأخذ بعين الاعتبار كل التخصصات العلمية والأدبية والتقنية نظرا لتداخل مجموعة من العوامل الكمية والكيفية المعقدة في اختيار المرشح المناسب للمنصب المتبارى حوله. لقد حرص المشرع من خلال مجموعة من الإجراءات على جعل المباريات الخاصة بانتقاء أساتذة التعليم العالي تخضع للشفافية وتكرس مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ونذكر من بينها: - قيام المؤسسة الجامعية بعد توصلها بقرار المباريات من وزارة التعليم العالي بنشر إعلان مضمون المباراة بشكل إلزامي في جريدتين وطنيتين وذلك 15 يوما قبل آخر أجل لإيداع الترشيحات. وقد ابتغى المشرع كما أسلفنا الذكر من ذلك تكريس مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص و الشفافية بين جميع المترشحين في مباريات التوظيف في المناصب العمومية. - كما تعمل وزارة التعليم العالي على نشر هذه الإعلانات على موقعها الرسمي لكي يتمكن الجميع من الاطلاع عليها بكامل الشفافية. ويجب على الجامعات والمؤسسات الجامعية أن تحدو بدورها حدو الوزارة و ذلك مع الحرص أن تكون مواقعها هذه محينة وتعمل باستمرار وبدون انقطاع وهو الشرط الذي لا يتوفر دائما. - نشر النتائج النهائية بالجريدة الرسمية. - نشر الإعلانات بموقع وزارة الوظيفة العمومية... كما سيكون من المفيد جدا لتحقيق المزيد من الشفافية جعل الاطلاع على اللائحة الكاملة لجميع المرشحين، المقبولين والمستوفين للشروط، الذين سيتبارون من أجل المنصب أمرا ممكنا بالمؤسسة المعنية. ولا نرى أن هذا الأمر سيؤثر بشكل من الأشكال على عمل اللجنة و سرية اشتغالها وحرية تداول أعضائها في ما بينهم لاختيار المرشح المناسب لنيل المنصب. ومن بين المسائل التي ستضفي المزيد من الدقة والشفافية على عمل اللجنة: - ضرورة تعليل قرار الاختيار نظرا لأن أعضاء اللجنة الواحدة قد يختلفون حول دواعي الانتقاء: هل هو الإنتاج العلمي أم التجربة البيداغوجية أم الحاجة لتخصص دقيق(spécialité pointue ) أم هذه الأسباب مجتمعة معا ؟ لدرجة أن الأمور قد تختلط أحيانا فلا ندري هل سنختار فقط الأستاذ الجاهز الذي ستسند له ساعات التدريس أم الباحث الشاب كمشروع للمستقبل. لذا فالتعليل سيجعل اللجنة تكون واضحة وموحدة في معايير اختيارها. التعليل الإداري يجب أن يكون كذلك واردا في حالة عدم التمكن من احترام ترتيب المرشحين الأوائل في التصنيف واللجوء للاختيار الثاني: هل هو نتيجة تخلف صاحب المرتبة الأولى عن الحضور أم لأسباب أخرى؟ - مراعاة عامل السن نظرا لأهميته بالنسبة للجامعة المغربية التي تعاني من معدل السن المتقدم بالنسبة للأساتذة الباحثين ويطرح ضرورة التشبيب وإيجاد أجيال جديدة من الأساتذة الباحثين كخلف لأسلافهم. كما أن الرهان على السمو بالبحث العلمي والرفع من قيمته بالبلاد يجعل من التشبيب أولوية الأولويات. لكن الملاحظ أن أكبر خلل يعتري مساطر انتقاء الأساتذة الباحثين يتعلق أساسا بطريقة تشكيل هذه اللجان المشرفة على الانتقاء واختيار أعضائها. ويمكن أن نعتبر مسطرة تشكيل اللجان هي نقطة الضعف الكبرى أو " وتر آشيل" الحساس (tendon d'achillle). فهذه اللجان غالبا ما تتشكل من نفس الأشخاص وكأنها لجان شبه قارة أو بالأحرى بأعضاء لا يتغيرون. وهذا مخالف لما ابتغاه المشرع من أن تتغير اللجان باستمرار لكي لا تتشكل أية عضويات شبه دائمة أو شبكات لتبادل المصالح وغير ذلك من الأمور ذات التأثير السلبي والمولدة في نفس الوقت لشتى أشكال الطعونات. فعمداء الكليات ومديرو المدارس العليا يعمدون أحيانا، في إطار الصلاحيات المخولة لهم قانونيا والتي تتعلق أساسا بتعيين أعضاء اللجنة ورئيسها، على اختيار نفس الأساتذة واقتراح نفس الأشخاص بشكل غريب ويطرح العديد من الأسئلة لدى الملاحظين. فتارة يبرر المسؤول هذا الاختيار بغياب الأستاذ المتخصص في المجال وطورا بعدم وجود إطار أستاذ التعليم العالي وغير ذلك من التبريرات التي لا تصمد أمام الواقع العنيد. هذا يظهر جزءا من التخبط الذي تعاني منه مسألة تشكيل لجان انتقاء الأساتذة نتيجة الصلاحيات، الواسعة والغير المقننة بشكل دقيق، للعمداء ومديري المدارس العليا. فالمادة الخامسة من قرار وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم 1125.97 الصادر بتاريخ 28 من صفر 1418 موافق (04 يوليو 1997 ) الخاص بتحديد إجراءات تنظيم مباريات توظيف الأساتذة المساعدين تنص على أن العميد أو مدير المؤسسة "يعين أعضاء اللجنة ورئيسها بناء على اقتراح من رئيس المؤسسة المعنية " وكذلك لا تفلت لجان مناقشة الأطروحات و الأبحاث الجامعية من نفس الظاهرة حيث تتكون، في بعض الأحيان، مجموعات شبه دائمة أوبالأحرى بأعضاء شبه دائمين وهذا موضوع آخر لا بد من التطرق إليه وإن كان موضوع شكايات قليلة أوشبه منعدمة إذا ما قارناه بلجان انتقاء الأساتذة الباحثين. ويكفي أن نستعرض طريقة تكوين اللجان في بعض المؤسسات للتأكد من أن نفس الأسماء تتردد باستمرار وكأنهم أضحوا أعضاء شبه دائمين لا يطالهم التغيير في تناقض تام مع روح النص القانوني والمذكرات الوزارية الخاصة بهذا الشأن وما توخاه المشرع من وراء تنزيلهم. كما يوجد أساتذة لا تتم المناداة عليهم بالمطلق في أية لجنة للانتقاء بشكل يثير علامات استفهام كبيرة. ولاستبعاد مثل هذه الممارسات التي تسيء للتعليم العالي وتثير الشبهات يجب التفكير في طريقة تشرك جميع الأساتذة، المؤهلين للقيام بعملية الانتقاء، في أن يكونوا أعضاء في اللجان بطريقة تناوبية. لن يتم ذلك سوى عن طريق تشكيل لائحة من الأساتذة مع مراعاة التخصصات، فتتم المناداة عليهم بالتناوب حسب ترتيب محكم يخضع لضوابط تجعل من إمكانية أو احتمال ورود نفس الأشخاص ونفس التشكيلات أمرا شبه مستحيل. ويجب الحسم في بعض الإشكاليات المطروحة مثل أولوية التخصص على الإطار. ونقصد التخصص هنا بمعناه الدقيق وليس الفج والعائم. فالمادة الخامسة من قرار وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم 1125.97 الصادر بتاريخ 28 من صفر 1418 موافق (04 يوليو 1997 ) الخاص بتحديد إجراءات تنظيم مباريات توظيف الأساتذة المساعدين تركز على ضرورة توفر أساتذة التعليم العالي أو من يقوم مقامهم في حالة تعذر الأمر، بينما لا تراعي إلى حد ما التخصص. نحن نرى أنه لا يجب أن يتم الواحد على حساب الآخر كما يقع في بعض الأحيان عندما نضحي بالتخصص لصالح الإطار " في حالة عدم التوفر على العدد الكافي من أساتذة التعليم العالي بالمؤسسة في ميدان المناصب المتبارى حولها، جاز لرئيس هذه الأخيرة أن يستدعي أساتذة مؤهلين حاصلين على التأهيل الجامعي أو دكتوراه الدولة أو أساتذة التعليم العالي خارجين عن المؤسسة أو أساتذة باحثين أجانب ممن يتوفرون على نفس المؤهلات" نعتقد أن التخصص في تكوين اللجنة هو أولى من إيجاد لجنة مكونة فقط من أساتذة التعليم العالي. أي بمعنى في حالة عدم توفر المتخصصين من أساتذة التعليم العالي نعطي الأولوية للتخصص. والدول الأنكلوساكسونية هي جد متقدمة في احترام التخصص الدقيق على حساب الإطار فتدمج في اللجان الأشخاص ذوي الخبرة وذوي الكفاءات من غير الجامعيين وغير المنتمين للجامعة. كما نرى ضرورة استبعاد العمداء ونوابهم المكلفين بالبحث العلمي من عضوية هذه اللجان التي تنتقي الأساتذة الباحثين. نعتقد أنه من الطبيعي أن العمداء ونوابهم (أثناء فترة مزاولة مهامهم الإدارية بالمؤسسات (هم الذين يسهرون على تشكيل اللجان وبالتالي يطرح ذلك نوعا من التنافي خصوصا عندما يتعلق الأمر بميدان اشتغالهم أو تخصصهم. نرى أن هذا الإكراه لا يجب أن يطرح فقط من الناحية المعنوية كوازع أخلاقي بل ضرورة أن تنصص عليه القوانين باستحالة الجمع بين المسؤولية الإدارية في تشكيل اللجان والحصول على العضوية في إحداها. وفي حالة استحالة وتعذر التحاق أحد الأساتذة في تخصص معين لسبب ما بلجنة للانتقاء يجب أن يخضع الأمر لتعليل إداري بمرجعية موثقة لتعويضه بمن يليه في اللائحة. التعليل قد يكون رد كتابي من الأستاذ على مراسلة رسمية باستحالة انضمامه إلى اللجنة نظرا لإكراهاته أو للالتزامات. بالتأكيد يجب أن تتطور الأمور باستمرار من خلال استقراء التجارب الواقعية والإنصات للمتضررين أو لمن يعتبرون نفسهم ضحايا هذه المنظومة. هذا لا يعني أن كل اللجان مطعون فيها أو مشكوك في أمرها ونزاهتها لكن يجب أن نبتغي درء الشبهات واستبعاد احتمال أي تلاعب يأتي من أي طرف كان. فتشكيل لجان انتقاء الأساتذة الجامعيين لا تخضع لنفس معايير تشكيل فريق كرة قدم أو تأسيس نادي ثقافي لأن إنشاء مجموعات من هذا القبيل ينبني على تفاهم الأفراد واتفاقهم المسبق والقبلي على عدة أمور لتحقيق نوع من التناغم في ما بينهم. أما اللجان الجامعية لانتقاء الأساتذة الباحثين فيجب أن تتشكل وتتفكك باستمرار بالاعتماد على جميع الطاقات بتنوعها واختلافها بدون استبعاد لأحد وبدون محاباة لأي طرف لأن رهاناتها كبيرة ولا تحتمل بتاتا أن تتم في انعدام للشفافية. عبد العزيز الماحي أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجديدة الجديدة في: 29/10/2019.