القاهرة- عين المجلس العسكري الحاكم في مصر المفكر الكبير المستشار طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة السابق رئيساً للجنة أنشأها لاقتراح تعديلات دستورية طالبت بها القوى الشعبية والشباب خلال تظاهرهم على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية والذي أدى إلى إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك بعد أن قضى 30 عاما في الحكم. والبشري هو قاض متقاعد يحظى باحترام في الأوساط القانونية لآرائه المستقلة والمؤيدة لاستقلال القضاء في مصر الذي تعرض لتدخل سياسي متزايد أثناء حكم مبارك، كما يتمتع المفكر والفقيه الدستوري بقبول في أوساط سياسية وشبابية كثيرة. وطارق البشري هو أحد كبار مؤسسي الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي وله كتابات مهمة في مجال المواطنة والدولة المدنية. وجاء اختيار الجيش للبشري ليثير ارتياحا كبيرا في صفوف كافة القوى السياسية بأن ما سيطرحه البشري من تعديلات سيكفل الحريات العامة والسياسية ويمهدد الطريق لانتخابات تشريعية ورئاسية حرة. وقال البشري لرويترز في وقت مبكر من يوم الثلاثاء 15-2-2011 “المجلس الأعلى للقوات المسلحة اختارني لرئاسة لجنة التعديلات الدستورية”. وكانت شبكة «أون إسلام» قد ذكرت الإثنين أن المستشار البشري يتردد اسمه لرئاسة هذه اللجنة لما له من مصداقية لدى الأوساط السياسية والشبابية، واحترام لدى الأوساط القانونية والحقوقية وكشخصية مشهود لها بالباع الطويل في مجال صياغة الدستور وكمؤرخ مشهود له بالنزاهة. وفي تصريح خاص لشبكة “أون إسلام” صباح الثلاثاء، كشف مصدر إخواني مسؤول أن الجيش اختار لعضوية لجنة التعديلات عددا من الشخصياتت القانونية الممثلة لكافة التيارات من بينها نائب الإخوان السابق في البرلمان صبحي صالح المحامي. وأعربت جماعة الإخوان التي كانت تتعرض لقمع ولا يعترف بها رسميا في عهد حسني مبارك عن تأييدها التام وترحيبها بما يقوم به الجيش من خطوات ويتخذه من قرارات من أجل بناء دولة ديمقراطية مدنية. كما ضمت في عضويتها الدكتور عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري، ومستشارين من المحكمة الدستورية العليا، وعددًا آخر من القضاة والمستشارين في مختلف المحاكم إضافة إلى عدد من أساتذة القانون. وفي بيان يوم الأحد الماضي قال المجلس -الذي تولى إدارة شئون مصر عندما تنحى مبارك- إنه قرر تشكيل لجنة لتعديل بعض بنود الدستور وتحديد القواعد لاستفتاء شعبي على التعديلات، ما ترتب عليه عمليا إلغاء النتائج التي توصلت إليها لجنة سابقة كلفها مبارك في أواخر أيام حكمه بتعديل الدستور. وقال نشطاء شبان أمس الإثنين 15-2-2011: إن المجلس العسكري أبلغهم أنه يأمل بالانتهاء من التعديلات الدستورية خلال 10 أيام ثم عرضها في استفتاء في غضون شهرين، وقال مصدر بالجيش إن موعد الشهرين هو إطار زمني عمومي. دستور خانق للحريات ورسخ الدستور الحالي -الذي قرر المجلس العسكري تعطيله- ضمانات لإبقاء مبارك وحلفائه في السلطة، وعززت تعديلات أدخلت عليه أثناء حكمه قبضة المؤسسة الحاكمة على السلطة، بل وأكدت قوى المعارضة ومنظمات حقوقية أن تلك التعديلات كانت تهدف لتمهيد الطريق لتولي جمال مبارك، نجل الرئيس المخلوع، الرئاسة خلفا لوالده دون ان يواجه منافسة تذكر من مرشحين آخرين. وطالب المحتجون ببضعة تعديلات دستورية بما في ذلك ضمان انتخابات رئاسية نزيهة ووضع قيود على فترات ولاية رئيس الجمهورية، وبقي مبارك حوالي خمس فترات متتالية مدة كل منها ست سنوات وكان من المتوقع أن يسعى إلى فترة سادسة. وبعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2000 أبلغ البشري رويترز أنه يجب يكون للهيئة القضائية سلطة أكبر في الإشراف على الانتخابات. وبدلا من هذا جرى تهميش دور القضاة بشكل متزايد في العملية الانتخابية في ظل حكم مبارك، وفي الانتخابات التي جرت في نوفمبر تشرين الثاني 2010 لم يعد هناك وجود للقضاة داخل مراكز الاقتراع. ومن بين التعديلات الدستورية الأخرى التي طالب بها المحتجون السماح بمراقبة مستقلة للانتخابات. والمستشار طارق عبد الفتاح سليم البشري مفكر ومؤرخ وفيلسوف المصري، وهو أحد أبرز القانونين المصريين المعاصرين، شغل منصب النائب الأول لرئيس مجلس الدولة المصري ورئيسا للجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع عدة سنوات، وترك ذخيرة من الفتاوى والآراء الاستشارية التي تميزت بالعمق والتحليل والتأصيل القانوني الشديد، كما تميزت بإحكام الصياغة القانونية، ولا زالت تلك الفتاوى إلى الآن تعين كلا من الإدارة والقضاة والمشتغلين بالقانون بشكل عام على تفهم الموضوعات المعروضة عليهم.