قد نعرف أين تبدأ هوليوود، ولكن من الصعوبة بمكان ان نتكهن أين ستنتهي، خصوصاً أنها سبقت العولمة، حين سعى مؤسسوها المتصهينون حتى النخاع الى ان تكون رسالتها كونية عبر الانتاج الصناعي للأفلام التي تتقاطع وتتكامل مع خطط المخابرات الامريكية والاسرائيلية، وتوظف النجوم الساطعة في ‘مدينة الملائكة' من اجل تمرير بروباغاندا شرسة حاربت في المرحلة الاولى المد الشيوعي والأنظمة التي اختارت النهج الاشتراكي او القومي، ووظفت في مرحلة ثانية كل آلياتها ضد ‘العدو الأخضر' بعد انهيار قلاع ‘العدو الأحمر'، فبات المسلم الهدف الذي ترشقه هوليوود ونجومها بالنبال المسمومة، الى درجة كاد ان يتحول معها الاسلام الى مرادف للارهاب. واليوم تضع هوليوود ترسانة نجومها في خدمة قضية انفصال جنوب السودان عن شماله، وفي خدمة عرّابي التجزئة والتقسيم وإعمال مبضع الجراح الامريكي الاسرائيلي في الجسد العربي المريض بحكامه المتسلطين، على ان يبدأ هذا الشريط التشرذمي بقص أجنحة السودان، وسلخ جنوبه، وبتر أعضائه لتتواصل فصوله واحداثه الدرامية لتشمل عرب المحيط والخليج في غفلة عن ‘جامعتهم' العربية، هذه الجامعة التي فرّقت وقسّمت اكثر مما جمعت منذ ان أسستها الامبراطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس، من دون ان تغيب عنها الأطماع وشهية ابادة الشعوب والولاء للامبراطورية الامريكية واسرائيل. لقد أوحوا مؤخرا لمجموعة من نجوم هوليوود وعلى رأسهم جورج كلوني وبراد بيت ومات ديمون وغيرهم، بتأسيس منظمة تحمل اسما موحيا: ‘ليس تحت أنظارنا'، تكون مهمتها مراقبة انفصال جنوب السودان عن شماله تحسبا لوقوع ما سمّاه نجوم هوليوود، بإيحاء من ادارة الرئيس اوباما ومخابراته، ب'الهولوكوست السوداني'، حيث قررت لجنة اليقظة هاته ان تتابع عملية الانفصال عبر الأقمار الصناعية بدعم من جامعة هارفارد ومحرك البحث ‘غوغل' وبدعم كذلك من الحياد السلبي للجامعة العربية، ما دام الصمت علامة الرضا. ويؤسس الممثل والمخرج الطموح جورج كلوني لهذه المبادرة انطلاقا من فرضية تقول، انه لو توفرت الأقمار الصناعية خلال أربعينيات القرن الماضي لما أقدم النازيون على ارتكاب الجرائم واشعال الحرائق ضد اليهود، بعيدا عن انظار ‘الضمائر الحية'، ولعل الأقمار الصناعية الموضوعة رهن اشارة جورج كلوني لها عيون انتقائية، حيث لا ترى الا ما تؤمر ان تراه، اذ لو قامت بتمشيط بصري للمنطقة التي يُعدّ السودان بمثابة عمقها الاستراتيجي، لراقبت محارق يومية وجرائم ضد الانسانية، بل وحرب ابادة ممنهجة وطويلة الأمد تنفّذ على أيدي الاسرائيليين والامريكيين والانكليز وحلفائهم الذيليين على أرض فلسطين ولبنان والعراق، وهي أراض يسكنها بشر أيضا وتمّ تحويلهم الى فئران تجارب بعد ان اسقطوا فوق رؤوسهم اسلحة فتاكة يتم اختبارها لأول مرة، من كيماوية وجرثومية وغيرهما. لكن بيت القصيد لدى أقمار كلوني ومن معه في الظاهر والباطن الا تفتح اعينها النافذة سوى على ‘الحالة السودانية' المتخيلة، تمهيداً للتعاطي الامريكي الاسرائيلي مع مرحلة ما بعد انفصال جنوب السودان، على اساس ان اسقاط الحلقة الأضعف في الرقعة العربية سيكون له مفعول كرة الثلج التي ستعصف بالحلقات العربية الأخرى، ما دام انّ أغلب الدول العربية تحمل في أحشائها بذور الانقسام والانفصال والتشرذم بدواعي سلالية وعرقية ولغوية ودينية، وما دامت أغلب أراضي العرب يسرى في عروقها وبواطنها البترول، ذلك ‘الدم الأسود للشيطان' الذي يغري أساطيل المارينز بالإبحار من دون تأخير، خصوصاً أنّ هذا الدم الأسود يتوفر في جنوب السودان وصنع به خميرة الانفصال، وعبد الطريق امام اسرائيل لتحقيق حلمها الأسطوري بالتوسع والهيمنة، وبذلك اليوم الذي ستعيّن فيه الحكام العرب ممثلين لها في عواصم العروبة الجريحة. لا يتعلق الأمر بهوس نظرية المؤامرة، او بسيناريو من انتاج مصانع الخيال الهوليوودي الجامح، ما دام ان تنزيل هذا المخطط على الارض، اصبح واقعا لا يرتفع، سواء بأقمار كلوني أو بدونها.