لم يكن لتمر علينا أحداث الحي المحمدي المؤسفة دون أن ندلو فيها بدلونا ونحن الذين نمثل الحزب في أقصى نقطة في جنوب المغرب، فكم كانت صدمتنا كبيرة حين نرى أفرادا كنا نحسبهم أعضاءا في جسمنا الحزبي إذا تداعى منه عضو تداعى له سائر الحزب بالسهر والحمى، قبل أن ينكشف الغطاء وتلتف النوايا بالأطماع ويسقط القناع عن فتية آمنوا بالجشع وحب النفس ليعلنوا الجهاد في سبيل قنبلة مشروع حزبي واعد لمَّ شتات الصامتين من المغاربة ومن لا يرى في السياسة مطمحاً أو نصيب. تلقينا في الداخلة كباقي مدن المغرب ما جاوز حد البلطجة في حق الحزب ورمز قيادته الدكتور محمد ضريف، والحق أن ما يملي علينا اليوم سرد رأينا في تلك المطالب المخمرة في برادات النوايا السيئة، هو قول كلمة حق وجب الإعتراف بها للسيد رئيس الحزب الذي كان مبعوث السلام الذي عقد أتفاق المصالحة بين المغاربة والسياسة بعد جفاء طويل عقده نظامه الأعيان وفساد نخبة "الشكارة" في الأحزاب التقليدية بالمغرب. الدكتور محمد ضريف الذي مثل بالنسبة لي الأستاذ والملهم والرمز السياسي الأكاديمي، لم أكن أعتقد أنه بذلك التواضع والبساطة المنقطعة النظير حين هاتفته لأول وهلة طالبا مشاركتنا في صناعة قاعدة الحزب في البدايات، فما راعني إلا والرجل ليس كما عرفت أقرانه من مشاهير التحليل السياسي ونجوم الإعلام المعروفين في المغرب والذين قهروا المغاربة تعاليا وتكبراً حتى على الرد على هواتفهم المخمورة. ولأني لست بصدد الدفاع عن الدكتور محمد ضريف بقدر ما أخترت الإصطفاف في صف الحقيقة كما عرفتها بطيبتها وتواضعها وإنسانيتها وتفضيلها لأبناء الشعب على أبناء الترف وأصحاب الأرصدة البنكية المتخمة، لذا فإنه بقدر صدمتي في تلك الشخصيات الحربائية المتلونة التي أختارت لونها الحقيقي في أحداث الحي المحمدي، بقدر ما زاد أعتقادي أن السيد رئيس الحزب الأكثر صدقا في ذلك المشهد الغوغائي الذي يعصف بالديمقراطية في فوهة المصالح. لقد إعتصرتنا السياسة سنوات داخل مقاولات حزبية يحرث فيها المناضل ولا يقرر، حتى حولتنا لأجراء داخل هياكلها يسخرها الأعيان لمصالحهم الضيقة ثم يقذفونها بعد أنتهاء الصلاحية، ليمن الله علينا بالدكتور ومبادرته الحزبية التي أشعرتنا بالمسؤولية على قلة الإمكانيات وأعطتنا مشعل القيادة على كثرة المطبات، فلم نشعر معه للأمانة أننا معزولون عن صنع القرار داخل الحزب على بعد المسافات بيننا والمركز، لا لشئ سوى أننا نؤمن بأن المعرفة والسياسة حين يجتمعا في جوف رجل فالأكيد أن النجاح سيكون طريقنا السيار نحو تحقيق أهدافنا، فما بالك حين يكون الرجل المقصود بحجم خبرة وكفاءة ووعي الدكتور محمد ضريف. لقد بات حزبنا اليوم رقماً صعبا في خارطة الأحزاب المغربية والجميع ينصب له حبائل كيده خوفا من صدمة التميز التي تطبع يد شعاره، وما تلك الأحداث في الحي المحمدي إلا إحداها، لكن "ما عسى المقص أن يأخذ من الضس" كما يقول المثل الشعبي، ولتذكير من حار ودار في الدليل فإن الداخلة لم تتمكن من حضور المؤتمر التأسيسي للحزب ببوزنيقة قبل سنة مما يعني جزماً إقصائها من مقاعد المجلس الوطني والمكتب السياسي الذي تحير هؤلاء في الحرب على كراسية وأسهمه المنفعية، ولو كان لأحد الحق في أن يحتج فهو لجهة وادي الذهب ومناضليها، لكن حين تكون المصلحة العامة أرجح في ميزان القتاعة من المصالح الخاصة الضيقة وحين يخاطبك السيد الرئيس الحزب بتبريرات الغياب وحين تثق أن لا أحد أجدر بالثقة من رجل ألهمنا أهمية المعرفة في طريق السياسة المتلون والمخادع، فالأكيد أن نقطة الوصول أهم من محطات النظر عند مقدم الأرجل. لازلت أتذكر قول أحد الحقوقيين المغاربة المعروفين حين قال لي بعد أن علم بإنتمائي الحزبي "إلزم ضريف فإنه دوماً ظريف". لذا فإن من يريدون النيل من مكتسباتنا الحزبية والإجهاز على حلم أبناء الشعب وشبابه من أجل مطامعهم المستوردة من رواسب الفكر الأعياني للأحزاب الاخرى فإن مصيرهم سيكون قارعة الطريق ، ليرفعوا شعار الحزب من جديد مضطرين، لكن هذه المرة بحثاً عن "أوطوسطوب" حزبي جديد. ختاماً لست من مناصري رؤساء الأحزاب الدائمين والرموز، لكن الدكتور محمد ضريف يفرض رمزيته في تواضعه وأخلاقه وفي وعيه السياسي الكبير، وفي كونه ظل ولايزال ظريفاً الى أن تثبت الأيام العاكس، عندها لكل حادث حديث.