محمد أمزيان - إذاعة هولندا الدولية يحتفل الأمازيغ عبر العالم اليوم ببدء السنة الأمازيغية الجديدة، الذي يصادف الثالث عشر من شهر يناير/كانون الثاني. ويعول أمازيغ المغرب كثيرا على أن توافق الدولة المغربية على جعل بدء السنة الأمازيغية عيدا وطنيا لكل المغاربة. البداية : تعود بداية التأريخ الأمازيغي إلى أصول تطبعها أحيانا كثيرة الأسطورة الممزوجة بأحداث تاريخية جرت قبل ميلاد السيد المسيح بحوالى ألف سنة. غير أن أكثرية الأمازيغ يحتفظون برواية يتداولونها وكأنها البداية الحقيقية والوحيدة. مفاد الرواية أن الملك الأمازيغي شيشنق أو شيشونغ تمكن من هزيمة الفراعنة، مؤسسا بذلك الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين التي تداولت الحكم في مصر. كان ذلك قبل 950 سنة من ميلاد المسيح. ينتمي شيشنق إلى قبائل المشواش الواقعة في المنطقة الشرقية من ليبيا الحالية. هاجرت مجموعات منها إلى مصر عبر فترات تاريخية متعاقبة واندمجت في مجالها الجديد وأصبحت جزءا منه. قبل أن يصبح زعيما وقائدا، انخرط شيشنق في شبابه في الجندية كما انخرط فيه غيره من المصريين. ترقى في الجيش إلى أن أصبح له باع. وحدث أن وقع فراغ في السلطة، فتزعم شيشنق انقلابا عسكريا ليستولي على السلطة ويصبح فرعونا يجمع السلطتين الزمنية والدينية. وبهذا الاعتبار فالملك شيشنق مصري من أصول أمازيغية ليبية. كما أن أحمد أبو طالب، عمدة روتردام اليوم، هولندي من أصل أمازيغي مغربي. ومع ذلك، هل وصول شيشنق إلى سدة الحكم في مصر، بأية وسيلة كانت، يمكن أن تكون بداية للتأريخ الأمازيغي؟ ارتباط بالأرض : يعارض الباحث الأمازيغي الصافي مومن علي في كتاب له تحت عنوان: خطابات إلى الشعب الأمازيغي"، فكرة بدء التأريخ الأمازيغي بهزيمة المصريين على يد الأمازيغ، ويراه زعما باطلا لا يقوم على أساس علمي موثوق. كما أنه يتنافى وقيم الأمازيغ ولا يخدم بالنتيجة قضيتهم. ويقدم تفسيرا آخر له ارتباط بالأرض وما تجود بها من خيرات لأهلها. فهو إذن عيد لتكريم الأرض وعطائها: "وإدراكا من الأجداد بوجود ارتباط عضوي بين حياتهم وأرضهم، فقد جعلوا فاتح كل سنة من سنواتهم يوم عيد وطني تكريما لأرضهم التي تمدهم بعناصر الحياة .. اقتناعا منهم أن تكريم الأرض هو في حد ذاته تكريم للحياة في صورتها المتجددة". ولذلك يدعو أحفاد أولئك الفلاحين المحترمين لأرضهم، إلى التخلي عن أسطورة شيشنق، والعودة إلى المغزى الحقيقي لاحتفالات ''أسُكّاس‘ أو السنة الجديدة. طقوس : كان الاحتفال بمقدم السنة الزراعية الجديدة مناسبة للأمازيغ للتعبير عن مظاهر اعتزازهم بأرضهم. تقوم النساء بإعداد حساء يتكون من مختلف أنواع الحبوب والقطاني المتوفرة، تتناوله كل الأسر في ليلة رأس السنة؛ وكأنها تودع السنة بتذوق خيراتها. ويؤكد الباحث مومن على أن هذه العادة انقرضت الآن عند أمازيغ المغرب، باستثناء سكان الأطلس الصغير والكبير. ولعل ''الحريرة‘ التي يقبل عليها المغاربة في شهر رمضان المبارك في زمننا هذا، تجد مكانها في ذلك الموروث القديم. أما فاتح السنة الجديدة، فكان يستقبل أيضا بطقوس لها ارتباط بالأرض وعطائها. إذ تقوم النسوة بإعداد وجبة أكل تجمع كل أنواع الخضر المتوفرة؛ وهي وجبة ''الكسكس‘ المعروفة في المغرب وحتى في العالم أجمع مقرونة بشهرة المطبخ المغربي. ويظهر من هذه الطقوس أن احتفالات الأمازيغ بليلة رأس السنة واستقبال العام الجديد، لم تكن لها صبغة دينية أو تعبدية أو تقديسية أو عسكرية. وقد درجت الجمعيات الثقافية الأمازيغية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على الاحتفال بهذا الحدث. إلا أن أحداث غزة الحالية دفعت الكثيرين إلى إلغاء مظاهر الاحتفال، واكتفى البعض الآخر بالحد الأدنى. يقول الدكتور حمو أزداي، الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية إن الاحتفال هذه السنة يقتصر على تناول الوجبات التي يعدها الأمازيغ من كل المناطق المغربية مثل كسكس الأطلس "بوسبعة خضاري" (سبع أنواع الخضر) وأنواع أخرى تجتمع حولها أسر العاملين في المعهد، دون موسيقى ولا غناء. مطلب وطني : خلال السنوات الماضية، نشطت جمعيات أمازيغية على مستوى المغرب تنادي بحقوق ثقافية للأمازيغ، مثل تدريس الأمازيغية ودسترتها، السماح بإطلاق الأسماء الأمازيغية على المولودين الجدد، الحق في الإعلام الأمازيغي وغيرها من المطالب. كما يطالبون بجعل فاتح السنة الأمازيغية عيدا وطنيا على غرار ما كان أجدادهم يفعلون. ومع ''المكاسب‘ التي حققتها الحركة الأمازيغية على الصعيد الثقافي، أهمها إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وقرب انطلاق قناة تلفزيونية أمازيغية تدعمها الدولة، فإن الفعاليات الأمازيغية تأمل أن تستجيب السلطات لتحقيق مطلب إقرار بدء السنة الأمازيغية عيدا وطنيا. وأكد الدكتور أزداي في تصريح لإذاعتنا أن المعهد وجه رسالة إلى الملك بخصوص السنة الأمازيغية، لكنها بقيت دون جواب: "كنا ننتظر أن يعلن أن يكون هذا اليوم عيدا وطنيا" إلا أنه لم يصدر أي بلاغ رسمي. "ونتمنى أن يكون العام المقبل بدء الاعتراف الرسمي بالعام الأمازيغي". وتقدمت جمعية ذاكرة الريف بطلب لدى أكاديمية التعليم الجهوية التي يحق لها البت في شأن العطل، أن تأخذ بعين الاعتبار مطلب الأمازيغيين، غير أن الطلب قوبل بالتجاهل. ويؤكد السيد عمر لمعلم رئيس الجمعية في لقاء مع إذاعة هولندا العالمية، أن ألدولة يجب أن تعترف بهذا الحق "لأن الأمازيغ يشكلون الأغلبية داخل بلادنا".