ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب يتحدث حول ملف الغازات السامة بالريف
نشر في شبكة دليل الريف يوم 10 - 05 - 2009

أجرت صحيفة الديار المغربية مع الدكتور عبد الوهاب تدمري المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب حول ملف الغازات السامة بالريف :
واليكم نص الحوار الذي أجراه الزميل محمد علي الطبجي :
س :
بصدد ملف الحرب الكيماوية بالريف خلال فترة العشرينات من القرن الماضي،كانت جمعية الدفاع عن ضحايا حرب الغازات السامة أول جمعية مغربية تثير الموضوع علنا. أين وصلت أشغال هذه الجمعية اليوم؟
د.التدموري:
هذا صحيح، فجمعية الدفاع عن ضحايا حرب الغازات السامة بالريف جمعية هادفة أسست بهدف واضح هو إماطة اللثام عن مرحلة تاريخية حساسة من تاريخ الشعب المغربي بالريف الكبير خلال العشرينات من القرن الماضي.كما يمكن اعتبارها من التنظيمات الأولى التي اهتمت بقضايا الذاكرة والتاريخ و رد الإعتبار لأهالي الريف.غير أنه ولاعتبارات متعددة لم يكتب لها الإستمرار خاصة بعد استقالة ثلاثة أعضاء مكتبها المسير من أصل ستة و عدم تجديد هياكلها منذ تأسيسها لما يناهز عشر سنوات بشكل يمكن معه القول أن لا وجود اليوم لجمعية بهذا الإسم قانونيا.
س :
باعتباركم أحد مؤسسي هذه الجمعية ألا تعتبرون أن هذا المآل أثر بشكل كبير على مستقبل النقاش حول الموضوع؟
د. التدموري:
هذا مما لاشك فيه غير أن ذلك لم يضع نقطة نهاية للموضوع وهو اليوم نقطة ضمن نقاط جدول أعمال منتدى حقوق الإنسان بشمال المغرب و دائما في إطار مقاربة أكثر شمولية للموضوع و أكثر تفصيلا.
س :
كيف تقيمون التصريحات الرسمية لرئيس مجلس النواب المغربي السيد مصطفى المنصوري حول الموضوع؟
د. التدموري:
كثر الحديث مؤخرا عن موضوع الغازات السامة علاقة بإستعمالها من طرف القوات الإستعمارية الإسبانية في العشرينات من القرن الماضي ضد المقاومة التي كان يقودها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي بالريف الكبير من أجل ما سمي أن ذاك بالحسم السريع للحرب. لكن ما أثار انتباهي هو اهتمام بعض المسؤولين المغاربة إما بصفتهم رجال دولة أو مسؤولين سياسيين أو جمعويين متحيزين بهذا الملف بعد أن كان تداوله مقتصرا على جمعيات لا تتعدى رؤوس الأصابع التي كانت تعاني الأمرين من أجل القيام بأنشطتها التي كانت تقابل إما بالمنع أو العرقلة أو الحصار الإعلامي رغم إمكانيتها المادية المتواضعة ، و هو ما دفعني فعلا و الكثير من أبناء المنطقة الشمالية / الريف إلى التساؤل عن أسباب هذا الإهتمام غير المسبوق و لو أن هذا الملف الشائك هو إرث جماعي لكل المغاربة وحق الإهتمام به مضمون للجميع.
فهل يمكن اعتبار هذا الإهتمام صحوة بقضايا الذاكرة و التاريخ التي تم تغيبها من مقرراتنا الدراسية رغم حضورها في التركيبة الشخصية لكل ممن عانوا من آثارها بشكل مباشر أو غير مباشر من أهالي شمال المغرب / الريف، بكل ما تعني هذه الصحوة من فهم عميق لأسبابها و الحقائق «المرة» التي يمكن أن تكشف عنها؟! أم هي صحوة ظرفية ومنفعلة بالسياسات الخارجية لكلى البلدين، تروم إلى قطع الطريق عن أي متابعة جدية لهذا الملف من أجل الكشف عن أغواره و حقائقه الغائبة وحسمه بسرعة بالشكل الذي حسمت به القوى الاستعمارية الحرب ضد المقاومة؟
إن ملفات من هذا القبيل، وهي كثيرة بالمنطقة الشمالية، تسمو فوق أي تعامل انتهازي أو ظرفي تحدده مصالح سياسيوية ضيقة لهذا الفاعل أو ذاك. وإن أي متعامل معها دون استحضار الكشف عن الحقيقة كمفهوم وهدف ملازم لها سيصاب بلعنتها لكونها لا تقبل أقل من الحقيقة كاملة.
س :
كغيره من المواضيع الحساسة يقابل موضوع استعمال الغازات السامة بالريف بالإنكار و بكثير من التشكيك، هل من توضيحات حول حجم الكارثة؟
د.التدموري:
إن الإستعمال المكثف للغازات السامة بالمنطقة الشمالية / الريف من طرف القوى الاستعمارية في العشرينات من القرن الماضي لا يمكن وضعه موضع الشك و التساؤل كما وضعته جريدة العلم في أحد أعدادها الأخيرة، بحكم أن هذه القضية أصبحت في حكم الحقيقة التاريخية التي لا زالت تحفظها « و لحسن الحظ» الأرشيفات العسكرية لكل من اسبانيا و فرنسا و ألمانيا و انجلترا التي توثق بشكل دقيق لهذه الكارثة الإنسانية الناتجة عن استعمال هذه الأسلحة المحظورة دوليا. وهوما تناولته كذلك الكثير من الكتابات التاريخية لمؤرخين وباحثين وكتاب أجانب أمثال المؤرخ سباستيان بلفور و الإسبانية ماريا روزا دي مادارياغا وقبلهما الباحثين الألمانيين روديبرث كونز و رولف مولر....هذا إضافة إلى مدكرات بعض العسكريين الذين شاركوا في الحرب والتي أضحت تشكل مرجعا أساسيا للباحثين و المهتمين بهذا المجال. بل إن هذا الأرشيف وهذه الكتابات تطرقت بدقة كبيرة لأماكن إنتاجها و تخزينها وطريقة وحجم استعمالها إذ تجمع كلها على استعمالها ولأول مرة عن طريق القصف الجوي إضافة إلى القصف المدفعي. كما تحدثت بدقة عن أنواعها و كمياتها والمناطق التي استهدفتها كالتجمعات السكنية و الأسواق الأسبوعية الآهلة بالمدنيين و حجم الدماراالذي لحق بها.فيأقل من دقيقة سقطت ما يناهز 800 ضحية في أحد الأسواق الأسبوعية ببني زروال حسب تصريحات قائد سلاح الجو الفرنسي أرمنكو في مذكراته. إنها أول حرب كيماوية في التاريخ تم وصفها بشكل دقيق. بل هناك من الوثائق ما يدون حتى لشهادات وتسجيلات لطيارين وهم يتسائلون عن شرعية استهداف التجمعات المدنية وكل ما هو حي على الأرض، إضافة إلى تصريحات لكبار المسؤولين العسكريين يأمرون من خلالها ضباطهم وجنودهم على ضرورة قتل أكبر عدد من المدنيين و إفناء المواشي والممتلكات وتسميم المياه من أجل حسم المعركة و القضاء على معنويات المقاومة.
كما أن تصريح الملك الفونسوا الثالث عشر، بعد هزيمة أنوال، الذي إعتبر فيه سكان الريف « بالحشرات الضارة » التي يجب القضاء عليها بأي شكل من الأشكال يعتبر شهادة وأمرا بالجريمة التي ارتكبتها القوات الإستعمارية الإسبانية بمساعدة من ألمانيا و فرنسا في حق أهالي الريف الكبير.
إن استعمال الغازات السامة بالمنطقة الشمالية بالمغرب التي بدأت مع سنة 1921 إلى حدود 1927 وبما هو مدون في الأرشيفات العسكرية للقوى الإستعمارية وشهادات الذين شاركوا أو عايشوها وحجم الدمار و المآسي الإنسانية و البيئية التي ترتبت عنها، يدفع بأخصائيي القانون الدولي الإنساني و القانون الجنائي الدولي إلى الإجماع على اعتبار الدولة الإسبانية قد ارتكبت جريمة متعددة الأبعاد في حق أهالي الريف الكبير تتوفر فيها كل مواصفات الجريمة ضد الإنسانية و الإبادة الجماعية إلخ...
الديار: هل من مسؤولية يمكن الحديث عنها علاقة بالموضوع رغم مرور ما يناهز تسعون سنة على هذا الحدث؟
د.التدموري:
إن مسؤولية الدولة الإسبانية عن هذه الجرائم ر غم قدمها تبقى قائمة و لو في مستواها المدني.
س :
في رأيكم لماذا تتهرب إسبانيا من الإعتراف بجرائمها بالريف المغربي و تأبى تقديم اعتذار للدولة المغربية رغم وجود سوابق حول الموضوع مثل اعتذار إيطاليا لأثيوبيا؟
د.التدموري:
الأوساط الإسبانية الرسمية تعتبر أن المسؤولية مشتركة بينها وبين سلطان المغرب آنذاك الذي وافق على استعمال تلك الأسلحة من أجل القضاء على "الفتنة" و"الخارجين عن الطاعة".لذلك فإن أي حديث بالنسبة لهم عن الإعتذار ينبغي أن يكون مقرونا باعتذار الدولة المغربية في شخص رئيسها.
س :
هل هناك ما يفيد هذا المعطى؟
د.التدموري:
السلطان المغربي مولاي يوسف شارك شخصيا في احتفالات الإنتصار على المقاومة وذلك بقصر فرساي بباريس سنة 1927 بحضور الجنرال ميغيل بريمو دي ريفيرا أحد مهندسي حرب الغازات السامة بالريف.
س :
ألا يعتبر الإستعمال المكثف لهذه الأسلحة القدرة مبالغ فيه للقضاء على مقاومة ذات أسلحة تقليدية إن لم نقل بدائية أم أن الأمر يتجاوز المقاومة إلى مستويات أخرى؟
د. التدموري:
إن الإستعمار الإسباني لم يعمد إلى القضاء على المقاومة المسلحة فقط باستعماله لأسلحة الدمار الشامل . بل عمد إلى الإجهاز على مشروع إصلاحي نهضوي و تحديثي للمجتمع و الإدارة على كل تراب المنطقة الشمالية التي كانت قد حررتها المقاومة من قبضة الإحتلال. والتي عمدت من خلاله حكومة الريف إلى شق الطرقات و توسيع شبكات الإتصالات السلكية و البريد وبناء المدارس و المستوصفات وتدريب طيارين و فنيين إلخ...هذا رغم قصر المدة التي عمرتها هذه الحكومة التي كان يتزعمها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي و استمرار القتال على الجبهات و الثغور.
إن ملف الغازات السامة لا يمكن اعتباره منفصل عن ملف آخر لا يقل أهمية وهو الإجهاز على الحق في التنمية لأهالي شمال المغرب من طرف الاستعمار الإسباني الذي أقر مؤرخوه وبعض الباحثين المغاربة بأهمية هذا المشروع الإصلاحي و التحديثي الذي كان قد بدأه المجاهد بن عبد الكريم الخطابي.وإن أي محاولة لفصل هذه الملفات وتجزئتها أو حصرها في المطالبة ببعض التعويضات سوف لن يوفي المنطقة الشمالية / الريف حقوقها التاريخية و الاقتصادية و الاجتماعية
وسيكون جاحدا في حق أهالي الريف الكبير الذين ناضلوا دوما من أجل الحق في تقرير مصيرهم وتسيير شؤونهم بأنفسهم.
إن حجم الكارثة الإنسانية و البيئية بالمنطقة الشمالية التي سببته الغازات السامة يعني بلغة التنمية استهداف الموارد البشرية و الإقتصادية الضرورية لأي إقلاع تنموي حقيقي بالجهة الشمالية . كما أن تداعياتها الصحية لازالت مستمرة في الزمن إلى حد الآن علاقة بالإنتشار الكبير لأمراض السرطان بهذه المنطقة وما تستلزمه من تكلفة اقتصادية لعلاجها التي غالبا ما تكون على حساب المدخرات الشخصية للمواطنين و المواطنات.
الديار: على ذكر مرض السرطان و باعتباركم طبيب هل من علاقة واضحة بين حرب الغازات السامة والمعدل المرتفع لنسبة الإصابة بهذا المرض بالريف الكبير؟
د. التدموري:
إن ارتفاع نسبة الإصابات بمرض السرطان لدى أهالي شمال المغرب الذي يقارب 60%بالمقارنة مع باقي جهات الوطن وعلاقته بالغازات السامة أصبح يشكل جدلا بين المشككين و المؤيدين لهذه العلاقة السببية في الوقت الذي لم تقم به الدولة المغربية في شخص وزارة الصحة بأي مجهود أو بحث علمي في أسباب الإنتشار الكبير لهذا المرض لدى أهالي المنطقة الشمالية، بل إن السلطات المغربية تمنع أي بحث علمي ميداني من أجل البحث في هذا المجال كما فعلت مع طلب البحث الذي كانت قد تقدمت به جمعية الدفاع عن ضحايا الغازات السامة سنة 2001 و الذي كان سيشمل أكثر من 40000 نسمة موزعة على مجموع تراب الريف الكبير، وكان لنا كامل اليقين عندها أن نسبة الإصابات سيكون أكبر بكثير مما هو مصرح به، ويتم تداوله لحد الآن.
لكن في غياب هذا البحث الميداني، و المخبري على المستوى الوطني لابد من الإستئناس و استحضار ما راكمته العلوم الطبية و البيولوجية في هذا المجال من أجل الكشف عن هذه العلاقات السببية..
الديار
ماريا روزا دي مادارياغا شككت في إمكانية وجود علاقة سببية بين هذا المرض و الغازات المستعملة إبان الحرب؟
د.التدموري :
ماريا روزا باحثة و مؤرخة و هي تشكك لأنها لا تستطيع إثبات ذلك وأعتقد أن الأمر أكبر و أعقد مما قد يعتقده البعض.
إن البحث في العلاقة السببية بين الإستعمال المكثف و المستمر للغازات السامة و ارتفاع نسبة الإصابات بالسرطان بالريف يدفعنا إلى تناول هذه العلاقة السببية في محورين مفصليين:
_ المعطيات الوبائية:
إن منطقة جهة الريف تقع شمال المغرب وتطل في واجهتها على البحر الأبيض المتوسط. كما أن العلوم الطبية تعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط محالا جغرافيا يتسم بخصوصيات مرضية خاصة تصيب الشعوب التي تقطنه، وذلك بحكم الإنصهار الحضاري و التاريخي لشعوب هذه المنطقة تاريخيا. وهو ما يتجلى في التشابه البيئي و تشابه التقاليد والعادات الغذائية إلى حد كبير إضافة إلى الطقس.
لكن عندما نتحدث عن مرض كالسرطان تظهر الإحصائيات الوبائية أن النسبة يمكن أن تصل إلى حد 60% من مجموع الإحصائيات المتوفرة على المستوى الوطني أو بالمقارنة مع باقي جهات الوطن. كما أن نفس الإحصائيا ت إذا ما قارناها بإحصائيات وبائية خاصة بهذا المرض في بعض الدول الأخرى المطلة على حوض البحر المتوسط كإسبانيا و فرنسا و إيطاليا، فإن هذه النسبة تبقى في حدود ما هو متعارف عليه عالميا، كما أنه لا تختلف بين الجهات الجنوبية لهذه الدول وباقي جهاتها. مما يجعل من شمال المغرب الريف منطقة تحتضن أكبر نسبة لأمراض السرطان ويدفعنا بالتالي إلى التساؤل على ماهية العامل الخارجي الذي يجب استنتاجه علميا كمسبب رئيسي لإرتفاع هذه النسبة الوبائية بالمنطقة الشمالية للمغرب. إنها الغازات السامة « خاصة الإبريت » التي تم إستعمالها بكثافة و لمدة سبع سنوات من طرف الإحتلال الإسباني.
_المعطيات المخبرية:
إذا اعتبرنا الإحصائيات الوبائية لمرض السرطان بالمنطقة الشمالية للمغرب هي الأعلى بالمقارنة مع باقي جهات الدول المطلة على حوض البحر المتوسط علاقة بالاستعمال المكثف للغازات السامة، كعامل خارجي وحيد إبان الحقبة الإستعمارية بالريف الكبير. فإن الدراسات العلمية المخبيرية على الرغم من قلتها بحكم أن الدول المتقدمة علميا و القادرة على انجاز هذه الأبحاث لا تجد جدوى إجرائها بحكم أن استعمال هذه الغازات قد تم حضره في مرحلة متقدمة من التاريخ من خلال اتفاقية فرشاي 1919 وبرثوكول جنيف1925 ، تؤكد على الرغم من قلتها أن غاز الخردل مادة سرطانية وهو البحث الذي أجرته الوكالة الدولية للأبحاث السرطانية بليون وإن التعرض المتكرر و المستمر لهذا الغاز، الذي يتضمن مجموعة من الإشعاعات، يؤدي إلى سيرورة انتقالية للمرض عبر الأجيال(بحث الدكتور رولف مولر) . و أن هذا الإنتقاد إما أن يكون آنيا و وراثيا أو الإثنين معا أو انتقالا صبغيا حسب البحث الذي أجراه كل من :
في سنة 1961.Raymond Turpin,Jerame Le Jeune
إن ربط مسألة الإصابات المتكررة و المستمرة بهذه الغازات بالتأثيرات السرطانية الآنية و المنقولة وراثية أو جينيا عبر الأجيال ، لا يمكن أن تدفعنا إلى التشكيك في هذه العلاقة السببية بالنسبة لحالة الريف الكبير التي «لا يتوفر فيها هذا الشرط » حسب ماريا روسا مادرياكا، رغم أن القصف المدفعي و الجوي المكثف بهذه الغازات لمدة سبعة سنوات متتالية استهدفت فيها محادر المياه و الأشجار و الحيوانات و الإنسان و كل ماهو حي على تراب الريف الكبير يوفر جميع الشروط للإصابات المتكررة و المستمرة في الزمان و المكان ويجعل من العلاقة السببية بين استعمال الغازات السامة و ارتفاع إحصائيات أمراض السرطان بالمنطقة الشمالية بالمقارنة مع باقي جهات الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط ذات الخصوصيات الجيومناخية المشتركة حقيقة علمية ثابتة.
طنجة 29/04/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.