بادئ ذي بدء، لابد من استنكار وشجب الجريمة الوحشية التي تعرضت لها الطفلة البريئة دعاء وجميع الجرائم التي ارتكبت وترتكب ضد أي انسان كان. إن جميع المجتمعات الإنسانية مهما كانت نحلها وقوانينها وأعرافها تعاقب وتردع جميع الجرائم وخصوصا الجرائم التي يدخل العنف في ارتكابها. ليس لأن العنف غير مقنن ولا تحكمه قوانين وتشريعات ولا يخضع للمسائلة. العنف منبوذ ومرفوض وتحرمه الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في كل المجتمعات البشرية منذ بدأ تجمع الجماعات الإنسانية على التشارك والتعاون في جميع أحوالهم المعاشية. ومنذ تلك العهود الغابرة والإنسانية تحارب العدوانية والعنف بين أفرادها وقادت التجارب الإنسانية إلى الهداية بالقيام بتنظيم الحيات الاجتماعية وتقنين العنف والاستمرار في محاربة العدوانية في أفرادها بشتى الوسائل بما فيها البرامج التربوية المتقدمة والأساسية. اهتدت البشرية إلى نظام فريد في تقنين العنف وتنظيمه. وتدرجيا في مسار تقدمها وتطورها توصلت جميع المجتمعات البشرية إلى مبدإ تعيين وإنشاء أجهزة أمنية تحتكر جميع وسائل العنف وقوانين استعماله. إن جميع الدول والمجتمعات الإنسانية اليوم تحتكر فيها السلطة الرسمية وسائل العنف وتخويل وتفويض استخدامه، حتى في تلك الحالات التي تسمح فيها القوانين بوجود اجهزة أمنية يسمح لها بحمل السلاح واستخدامه للدفاع عن النفس ولإلقاء القبض على المجرمين والمخلين بالامن. العنف لدى الجميع يعتبر من خاصية وامتياز واحتكار الأجهزة الرسمية في كل المجتمعات البشرية، هكذا شاءت الظروف وإلى هذا توصلت العبقرية البشرية في قضايا تنظيم شئونها المعاشية والتعاون والتعامل بين أفرادها وجماعاتها. ولا نتسرع لاستغراب من هذا الوضع في جميع المجتمعات لأن التمدن والتقدم في المعرفة وتطور البشرية منذ وعيها بروعة الحياة وأسرارها كلها قادت إلى نبذ العنف وتخصيصه إلى جهة واحدة تستخدمه فقط عند الضرورة للدفاع عن مصالح الجميع. وهذا الاحتكار مقنن ويخضع لقوانين وأعراف وطنية ومواثيق دولية.وتكون رسمية بحيث تتخذ قرارات رسمية بأن العنف سيستخدم من قبل جهة ما ضد جهة ما كما حصل ويحصل في الساحة العالمية. وقد تستصدر قرارات من المؤسسات الدولية باستخدام العنف والقوة لتحقيق هدف معين. الحروب الأخيرة القائمة والمتواصلة في كثير من أنحاء العالم كمثال، هل هي عادلة أو مبررة ليس المقصود لأن كل الناس مهما كانت عقائدهم واتجاهاتهم السياسية والثقافية ينشدون السلام ويودون أن تكون علاقاتهم خالية من العنف الذي يعتبره كل واحد منهم عدوانا وحشيا لا يقوم به حسب ما توصلت إليه معارفهم إلا الحيوانات وأن ما يميزهم عنها هي عقلانيتهم في السلوك والأفعال. فلنبعد عن مجتمعاتنا من لا يستطيع التخلي عن عدوانيته وعدوانيتها. زد على هذا أن مشروع الاممالمتحدة قائم على مناهضة العنف وإحلال السلام بين الشعوب السؤال ليس حول نجاحها بالرغم من أهميته، المهم أن مشروع السلام والقضاء علي العنف في التعامل بين البشر مشروع قائم نظرا لأهميته في الحياة البشرية. فالعنف إذن لا محل له في المجتمعات الإنسانية إلا عند محتكره المتمثل في الاجهزة الامنية المحكومة بقوانين وتشريعات وأعراف وطنية ودولية. هذا على الصعيد الرسمي المنظم والمتعارف عليه فيما يتعلق بالعنف الرسمي المادي الفيزيقي الجسدي كالقتل مثلا، كما نظمته المجتمعات البشرية. علاوة على هذا فإن العنف يتجسد أيضا في العنف المعنوي وهذا النوع من العنف منبوذ أيضا في المجتمعات الإنسانية ووضعت له ضوابط وقوانين تثبت رفضها ومعاقبة مرتكبيها وما ذلك إلا ايمانا من بني البشر بقيمة الكرامة الإنسانية لكل مخلوق، السب والقذف والكلام البذيء كلها أفعال تعاقب عليها القوانين في جميع المجتمعات. فلنبعد عن مجتمعاتنا الوحوش التي تعكر صفو العيش والتعامل فيما بين أعضاء المجتمع سواء مارسوا العنف الجسدي أو العنف المعنوي. وإذا انتقلنا إلي القاء بعض الضوء على ما حدث للطفلة دعاء، فلا بد أن يوضع الحدث في إطاره الإنساني والتربوي- القانوني. فعلى الصعيد الإنساني نلاحظ أن انسانة انثى في مقبل العمر لا تتجاوز ثمان سنوات يمارس عليها العنف وتقع ضحيته مثلها في ذلك مثل ما يقع لكثير من الأطفال في العالم. وقبل الدخول في طبيعة العنف، فالحدث في حد ذاته مدان في جميع الانظمة البشرية وقد تقدم أعلاه ايضاح بعض أوجه هذا البعبوع المخوف. فلنبعد الوحوش التي تعيش بين أظهري بني البشر. فالعنف لا مكان له في العلاقات بين بني البشر وإن كان لا بد منه فإن الجهات المختصة هي الوحيد المخولة لممارسته تحت ظروف حددتها و تحددها القوانين والأعراف الإنسانية في الداخل وفي الخارج. اضافة إلى هذا الجانب يدخل عنصر الجنس ليعقد المشهد والحدث. ولا بد من ربط هذا العنصر المثير للجدل والمهم للحياة الاجتماعية بالقوانين والأعراف السائدة في المجتمعات. فقبل كل شيء لا بد من الاعتراف بالحقيقة اليقينية أنه لا يوجد مجتمع على الكرة الارضية يقبل بالعنف في العلاقات بين أفراد المجتمع بما في ذلك العلاقات الجنسية، بل ذهب إلى أبعد من هذا فنظمها كل حسب قوانينه وتقاليده وأعرافه وقيمه على أن الجميع يجرمون العنف في العلاقات الجنسية ويعاقبون الجنات حتى وإن وقع بين الزوجين داخل الرباط القانوني. فلنبعد الوحوش التي لا تستحق العيش بين بني البشر. إن جميع المجتمعات الإنسانية قد اعترفت بالغريزة الجنسية وبطبيعتها التي تتساوى فيها مع بقية المخلوقات إلا أنها نظمتها ووضعتها في قالب حضاري معقول في غالب الأحيان كما أنشأت قوانين لوضع حد للعنف في العلاقات بين الأفراد في المجتمع ووضعت أجهزة لتنفيذ تلك القوانين عند الضرورة، في الجنس وفيما يتعلق بالعنف وغيره من التصرفات المؤذية. العلاقات بين الافراد والتعامل فيما بينهم جنسيا واللجوء إلى العنف مهما كانت مبرراته عملية معقدة ومنظمة في غاية التنظيم في جميع المجتمعات. لنلقي نظرة موجزة علي هذه العلاقات وأقتصر هنا على العلاقات الحميمة بين بني البشر وخصوصا بين اثنين منهم وأستثني وحشية المجتمعين على فريسة وفرائس. على قمة العلاقة بين اثنين نجد سرها في علاقة الذكر بالأنثى وإن كانت في قديم الزمان مبنية على العنف وغلبت القوة على العقل واستبد الذكر والذكور بالإناث من بنات جنسه، فبالتدريج تطورت العقليات وتدرجت المنى لبناء النسيج الاجتماعي والعلاقات بين الافراد في جو الاطمئنان على سلامة شخص كل واحد منهم. وهكذا وضع كل مجتمع إطارا قانونيا لتنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة، فمنهم من اعتبره عقدا قانونيا بالواجبات والمسئوليات يتوج بشواهد إدارية رسمية ومنهم من لا يوجب التسجيل الرسمي إلا أنه يخضع لضوابط محسوبة العواقب بالنسبة للخلفة وبالنسبة للمعاملات بين الاثنين لا شيء يترك للصدفة. فالعملية كيفما حبكت مرهونة بسير الأعراف والقوانين السائدة في المجتمع. حتى الاعمار بين البالغين وغير البالغين تخضع لقوانين تنظيمية وذهبت بعض المجتمعات إلى سن قوانين تعترف وتنظم حتى العلاقات الحميمة بين الذكور فيما بينهم والعلاقات الحميمة بين الاناث بينهن انطلاقات من حرية التعامل بين الافراد البالغين بالتراضي فيما بينهم ورحم الله من قال 'القلوب بيد الله'. ولا يمكن تصور مجتمع انساني لم يقم بتنظيم العلاقات الحميمة بين البالغين وغير البالعين أيضا. الاختلافات في التعامل مع هذا النوع من العلاقات مرده اختلاف القيم في المجتمعات، لكن الشعور السائد والموقف الثابت عند الجميع هو رفض ومنع العلاقات الجنسية بين البالغ وغير البالغ بعنف وبغير عنف. فلنبعد عنا الوحوش التي لا تتحكم في غرائزها الوحشية.يلفت الانتباه إلى أن بعض من يدعي الدفاع عن مقاصد الشريعة الاسلامية في بعض البلدان يقف مرتبكا من الاختلاف حول ماهية البلوغ وحول ماهية الانثى بشكل عام ويذهب في التبريرات تتنافى كليا مع الواقع ومع منظومة حقوق الإنسان الكونية والمضمونة في الديانة الاسلامية نفسها ولا أدل على ذلك من التشريعات التي رسمت سنا معينة ومحددة لربط العلاقات الحميمة بين الذكور والإناث. وتستوجب من بين الشروط الأخرى لربط مثل هذه العلاقة الادلاء بما يثبت بلوغ السن القانونية للحصول على الشرعية والاستمرار في العلاقة. فخارج القانون يبقى خارج القانون وتحكمه قوانين رادعة وعواقب وخيمة. وتعاقب العلاقات الجنسية بين غير البالغين أيضا وتعتبرها غير مقبولة أبدا وذلك في جميع البلدان، وقصة القبلة في صورة على الفضاء الكوني الالكتروني ما زال لم يقنن وجوزوا فيه الاباحة بالرغم من المحاكمات التي قد يبررها ما يمكن اعتبارهم منافقين لأن الضرر من القبلة مفقود ولا يراه إلا من حرم من لذتها ويحسد الانسان على التمتع بإنسانيته، حتى الحيوانات تتبادل القبل وعلى المكشوف وقد يختار بعضهم نشرها في الفضاء الكوني الالكتروني لو استطاع إلى ذلك سبيلا. ومن سيتضرر من ذلك؟ قد يكون ذلك الفعل مشهدا للتبسم والقهقهة المنفسة. إن الأطفال والأشخاص غير البالغين ما زالوا في طور التكوين وما زالوا يروضون أنفسهم بمساعدة كل المجتمع ويتدربون ويتربون من أجل اكتساب المهارات وتعلم السلوك القويم الذي يتوقعه منهم المجتمع ليساهموا بدورهم في تحمل مسئوليات بناء مجتمع متمدن تسود فيه العقلانية والرزانة والأمن والسلام. فهذا الجانب أيضا محبوك ويخضع لأشد القوانين في المجتمعات الإنسانية. لكن القبلة؟ ومن مراهقين؟ أرجو المعذرة. على الصعيد القانوني- التربوي، فإن الردع يكون دائما مصاحبا لتنفيذ القوانين. وما حدث للطفلة البريئة دعوى ولمثيلاتها ومثيليها، ذو وجهين: فمن جهة القانون وقعت جريمة جنسية نكراء من قبل ذكر بالغ على أنثى لم تبلغ من العمر فوق ثمان سنوات، وفوق هذا، تمت الجريمة باستعمال العنف والوحشية وكل منها مرفوض وغير مقبول ويشجبه الجميع وكون زوجته مريضة، كما ورد في بعض التعليقات، أوغير موجودة لا يبرر ولا يشفع في هذه الحالة ولا في غيرها. ومن لم تكن عنده زوجة وما بال بقية البالغين بدون شريك وشريكة ؟ الاجتماع البشري يحتم التحكم في الغرائز والبالغ سن الرشد كيفما حددتها الأنظمة المختلفة القائمة يرتكب جريمة في حق المجتمع عند قيامه بانتهاك شرف أي انسان ذكرا كان ام أنثى ويقوم بذلك ضد طفلة في مقبل العمر بوحشية فإن التأثير بالتأكيد على حياتها سيصاحبها أبد الآبدين. وما تقوم به الجمعيات المدنية والسلطات المختصة حاليا يجب أن يشجع وأن يشمل رعاية الطفلة وأسرتها رعاية تليق بفظاعة الفاجعة. مع بالغ التقدير لشعور كل المتعاطفين والراغبين في المساعدة أقترح فتح حساب في مصرف معين تساهم فيه السلطات المختصة كل حسب ما تسمح به الأنظمة المرعية ويساهم فيه المحسنون قصد انقاذ دعاء من مصيبتها لعلها تسترجع بعض توازنها لتستمر في الدراسة والتحصيل والتعافي من الصدمة والجريمة التي وقعت ضحيتها بدون ذنب لها. هذا الحساب المصرفي يستحب أن يكون وقفا طيلة مشوارها الدراسي ويشرف عليه محاسب قانوني يعين من قبل القاضي. لعل دعاء تلتحق بركب شهيرات العالم في المستقبل. من لا يعرف 'ملالا' الباكستانية و'توكل' اليمنية و'إبا مامسة' المغربية وغيرهن كثيرات في التاريخ البشري بالرغم من التعتيم عليهن وعلى أعمالهن؟ قد تكون هذه الطفلة لو تكفل المحسنون بتربيتها وتشافيها ومتابعتها تربويا وزيرة أو طبيبة أو مهندسة أو شاعرة وتكون مواطنة صالحة تعتز بحياتها ووجودها بيننا يكفي من بلوغ المنشود. آ مل من ذوي الخبرة والقلوب الرحيمة وسعة الرزق أن يقفوا وراء هذا المشروع الإنساني إلى نهايته المنطقية كما آمل أن يستحضر من قد يلومني قول ألأعرابية: "بيتي يبخل لا أنا". ومن ينطبق عليه هذا فأظنه عند الغير معذور. ثم على صعيد أحوال الطفلة العامة قد اقترح الافاضل عرضها على ذوي الاختصاص الذين تحتاجهم الأسرة أيضا لأن هذا النوع من المصائب والجرائم يصعب التخلص من وقعها وآثارها على النفس فلا بد من تدخلات ذوي الاختصاص والمعالجة التدريجية. فالأسرة والطفلة بحاجة ماسة إلى التطبيب ما يمكن تضافر جهود من يستطيع من المحسنين وأنا على ثقة بان هذا النوع من السند والدعم سيعجل امتثال دعاء وأسرتها للشفاء ويعطيها الدافع القوي لتحدي ما وقع لها وتصبو وتتطلع للنجاح الذي ستعتبره بمثابة عربون انتقام سافر من الوحش الذي اغتصبها. وبالطبع سنكون كلنا قد انتقمنا بتطبيق العقوبات الرادعة وبنجاح دعاء في حياتها. وسوف لن يخيب ظننا فيها. آمين. وأخيرا على الصعيد التربوي أيضا يقترح البعض أن تغير دعاء مدرستها أو/و تنتقل أسرتها إلى مدينة أخرى ويفوت هؤلاء أن يضعوا احتمالات صعوبة ذلك وما يترتب عنه من ازعاج ونفقات مادية ناهيك عن التأثيرات النفسية، فليس من السهل الرحيل والاستقرار للأسر في الظروف الراهنة. ولم الهروب من الواقع؟ الواجب يملي تدخل الأختصاصيين والمهنيين والحكماء لتصفية الاجواء وشرح ما حدث لكل الاطفال الذين يتواجدون في مدرستها. العيب كل العيب أن لا يتفهم الجميع أن ما حدث لها لم تتسبب فيه بإرادتها بل إن ما وقغ، وقع غصبا عنها وقد يقع لأي واحد أو أي واحدة منهم. ولا بد أيضا ان تكون المدرسة كلها على علم بما وقع وتستنتج منه دروس وتوعية تفيد الجميع وتهيئهم للتصرف الذكي عندما يتعرضون لمثل تلك الجريمة المخزية. دروس في الاخلاق والتربية الجنسية المبنية على أسس علمية ضرورية لتسليح الشباب لمواجهة المواقف التي تهدد سلامتهم واطمئنانهم ومشوارهم التربوي.فلنبعد الوحوش من فضاءات البراءة ومن كل مكان في مجتمعاتنا. فدعوة دعاء مفتوحة للجميع من أجل التعقل ونبذ العنف والجهاد من أجل التخلص منه لبناء علاقات حميمة مبنية على التراضي بين البالغين داخل ضوابط قانونية تحمي الأطفال وتحمي الإنسان بشكل عام، من العنف ومن القيام بما لا تسمح به القوانين الإنسانية على وجه هذه البسيطة. وأتقدم من هذا المنبر إلى دعاء وأسرتها بمؤاساتي لهم في محنتهم مع بالغ الأسف وشديد امتعاضي وحزني لما وقع وكلي أمل ان يلقى المجرم ما يستحقه من عقاب وأن تنطلقوا إلى تضميد جراحكم وإكمال مشوار تربية أولادكم بمساعدة المحسنين والجهات المختصة المسئولة عن هذا النوع من النوازل وحد الله البأس علينا وعليكم. فلنبعد من بين أظهرينا الوحوش التي تفترس براءتنا وبعنف لا نستطيع تحمله. باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير