ما دفعني للكتابة في هذا الأمر ما صدر عن البلاغ الملكي يومه 10شتنبر2013 بالقصر الملكي بالدار البيضاء في جلسة عمل التي ترأسها صاحب الجلالة لغرض تدارس إشكالية الهجرة والمساهمة في تدبير ملفها، وخلق سياسة واضحة ترتكز على النقاش والحوار من أجل رفع إقتراحات حقيقية وتفعيل مخططات إستراتيجية في مجال الهجرة بالمغرب. ... كذلك ماسبق أن قلته ووضحته في مقال سابق لي تحت عنوان '' خطاب 20غشت2012 خارطة الطريق للجالية '' حيث كتبت: " لأنه مهما بلغت العقبات ومهما كان حجمها ومهما وصلت المماطلات والنكسات ومهما بلغ مرادها، فإنكم (أي صاحب الجلالة) دائما في مستوى التحديات تكتبون التاريخ بأحرف من ذهب وتزرعون فينا بصيص الأمل وترفعون رؤوسنا بين الدول والأمم" فالمتتبع للوضع السياسي في البلد لايخفى عليه أصوات بعض من 5ملايين مواطن مغربي في الخارج، المنادية بضرورة وضع سياسة شاملة وواضحة المعالي للهجرة. هو ما حدا بمجموعة من الفاعلين السياسيين منهم والمهتمين بقضايا الهجرة إلى تقديم قائمة من المطالب والإقتراحات في هذا الصدد، فهم مواطنون مغاربة من أفراد الجالية يهتمون بهذا المجال وتدفعهم أساسا الرغبة في فتح نقاش وتشجيع تبادل الأفكار والمبادرات التي يمكن أن تأدي إلى وضع مقاربة جديدة في مجال التدبير الإستراتيجي لملف الهجرة. لقد أبدى جلالته خلال هذه الجلسة، أكثر من أي وقت مضى، إهتماما بالمشهد السياسي الوطني للهجرة؛ حيث رفض جلالتة رفضا قاطعا للإدعاءات التي تحاول ربط تدبير مشاكل المهاجرين غير الشرعيين بالعنف وخرق حقوق الإنسان المهاجر في محاولة بائسة تمس بصمعة المغرب. لذا فإنه لمن دواعي السرور المتجدد أن يرحب المواطنون المغاربة وخاصة المقيمين بالخارج منهم بالإهتمام الذي يوليه صاحب الجلالة بشكل عام للهجرة، ذلك أن عزمه على تنفيذ سياسة عمومية مندمجة ومنسجمة تهدف إلى تحقيق التكامل في العمل بين مختلف الجهات المعنية بملف الهجرة؛ وتمكين المهاجرين بشكل خاص من التمتع بالحقوق السياسية والإجتماعية بالمغرب، سيجد صدى طيبا في صفوف جالية المواطنين المغاربة في الخارج لأن الأمر ينكب في مبدأ المعاملة بالمثل الذي تقترحه هيئات عديدة من الإتحاد الأوروبي.أعني الإستفادة من حق التصويت والحق في الترشح داخل فضاء الإتحاد، خلالها تنموا مجموعات الضغط لتعنى بشؤون وقضايا البلد وترعى مصالحه. وعلى أية حال، فالبلاغ الصادر عن جلالته يصب في مصلحة البلد أولا والمواطنين وخاصة المواطنين بالخارج أكثر من غيرهم، لأنه حسب إعتقادي، هذا الأمر سيكون له وقع إيجابي على سياسة الهجرة بدول الإقامة حيث تتضح من خلاله دينامية جديدة عندهم تنتج من خلالها خطابات رسمية غير معادية لقضية الهجرة بالمغرب والمغاربة بالمهجر. ليس لأنني مهاجر، إنما نظرا لنطاقها الواسع وطابعها المعقد، تعتبر الهجرة اليوم ظاهرة عالمية تستدعي نهج مقاربة متجددة وشاملة ومتوازنة، قائمة على الحوار والتشاور والتعاون بين جميع الهيئات والمؤسسات المعنية بإحتياجات المهاجرين أنفسهم. لقد أظهرت الأزمة الإقتصادية العالمية الأخيرة بشكل عام والأوضاع السياسية بسبب الفوضى، وإختلال الأمن، وعدم الإسقرار، وتعاقب الحروب والفتن، بشكل خاص قوة ظاهرة الهجرة، وأكدت أن التنقل البشري جزء لايتجزأ من عالمنا المعولم. فالهجرة في الواقع رغم أنها لاتزال قضية حساسة من الناحية السياسية تعتبر فرصة لتبادل المواهب والخدمات والمهرات والخيرات. فالمغرب تعتبر الهجرة فيه إشكالية يصعب السيطرة عليها والتحكم فيها وخاصة الغير الشرعية منها. ذلك لأته ليس بالسهل السيطرة على تنوع الوافدين من جنوب الصحراء، والطابع الأفقي لأحوالهم وقضاياهم العالقة وهو ما يستلزم فهم واقع هؤلاء المهاجرين وتحولاتهم وإنتظاراتهم من أجل وضع سياسة مناسبة لهجرتهم. في هذا السياق، وكما أكد جلالته من خلال البلاغ، أن المغرب أصبح أرضا لإستقبال المهاجرين. وبسبب الموقع الإستراتيجي والمسار السلمي والإصلاحي وكذا التطور الإقتصادي والإجتماعي والتحول التنموي والمعاشي الذي يعرفه المغرب، لايمكن لأي طرف الجزم أو التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأمور من توافد أعداد أخرى من المهاجرين سواء من جنوب الصحراء أو من دول أخرى. لذلك، إن تدبير الملف يبقى رهينا، هذه المرة، بنجاح الحكومة في إتباع تعاليم وتوجيهات البلاغ الملكي وإسراع في وضع إستراتيجية وتفعيل مخطط عمل جاد لقضايا الهجرة بالغرب، والتنسيق مع مختلف الفاعلين والمختصين والمقيمين بقضايا الهجرة. لهذا، يبدوا لنا من الضروري والمستعجل فتح نقاش وطني حول مقاربة جديدة في مجال الهجرة، نقاش يشرك جميع الأطراف المتداخلة في الملف ويجنب أي إقصاء محتمل، نقاش يتفادى الخوض في تداخل الصلاحيات والإختصاصات بين المؤسسات والجهات المشرفة على تدبير الملف، نقاش يكون هدفه الأساسي وضع رؤية شاملة وإستراتيجية جديدة تحط قضية الهجرة في سياقها الوطني والإقليمي والدولي الصحيح. مما من شأنه أن يجعل المغرب قوة إقتراحية حقيقية في مجال الهجرة ويصبح دوره فعالا على الصعيد العالمي. ولما لا... العمل على وضع قانون مغربي للهجرة ؟؟؟.