ماذا جرى حتى أقدمت الادارة الامريكية التي توصف بانها حليف استراتيجي للمغرب على الانحياز الى جبهة البوليساريو والجزائر وتبني توصية توسيع صلاحيات بعثة المينرسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان في الصحراء وفي تيندوف. ؟ لنوجل الجواب على هذا السؤال الى غاية فحص ملابسات هذه النازلة. ماهو المشكل في توسيع صلاحيات بعثة وقف اطلاق النار حتى يصبح من مهامها مراقبة مدى احترام حقوق الانسان من قبل كل أطراف النزاع؟ ظاهريا لا يبدو ان هناك مشكلا، ما دامت كل الأطراف تقر ان عملية حقوق الانسان قابلة للصرف في الصحراء وفي تيندوف وفي كل مناطق العالم. المشكل ليس هنا، المشكل في اماكن اخرى اكثر تعقيدا واكثر تسيسا. اولا. المغرب صدم من الموقف الامريكي لانه جاء أحاديا ودون تشاور مع الرباط كما كانت العادة دائماً ،و لى اعتبار ان ملف نزاع الصحراء الى اليوم يتحرك في مجلس الأمن تحت البند السادس وليس السابع من ميثاق الاممالمتحدة. باعتبار ان النزاع لا يهدد الأمن والاستقرار الدولي والأمم المتحدة الى الان وسيط بالخيط الابيض يساعد الأطراف على التوصل للحل ولا يفرض شيء . ثانيا. الذي صدم المغرب والرأي العام- حتى الذي يختلف مع السلطة في تدبير هذا الملف- هو انحياز وزير الخارجية الامريكي الجديد جون كيري الى طرف ضد طرف. فمطلب توسيع صلاحيات المينرسو لتصبح شرطيا يراقب مدى احترام حقوق الانسان في الصحراء كان وما يزال مطلبا للبوليساريو والجزائر، والغرض من هذا المطلب هو ضرب الهدوء والاستقرار في المناطق الجنوبية عن طريق استفزاز السلطات المغربية بواسطة عناصر بوليساريو الداخل التي ترفع اعلام الجمهورية الصحراوية في العيون والداخلة ومدن الصحراء والتي تدخل في مواجهات استفزازية مع الأمن المغربي من اجل جره الى استعمال القوة والعنف. وهنا يصبح الفخ جاهزا وتصبح المينورسو مطالبة بحماية حقوق الانسان في الصحراء ومن ثم تدخل في مواجهات مع السلطات المغربية، وهذا ما يهدد دورها الاصلي في مراقبة وقف اطلاق النار الى غاية التوصل الى حل نهائي للنزاع . أما حكاية مراقبة حقوق الانسان في تيندوف فهذا امر غير مهم مادام المغرب لا يتوفر على جناح وحدوي في صفوف كتائب الانفصال، ومادامت المخيمات تحت مراقبة المخابرات العسكرية الجزائرية، وهذه الاخيرة لا تسمح لاحد بالحركة او التعبير عن مواقف معارضة لرأي قيادة محمد عبد العزيز ستصبح مهمة المينرسو الجديدة جزء من المشكل وليست جزء من الحل . وهذا لا يمنع من تذكير المغرب بالتزاماته الحقوقية ومن وجود آليات اخرى لمراقبة حقوق الانسان في للصحراء وغير الصحراء وهذا ما تقوم به مؤسسات اخرى تابعة لأمم المتحدة . ثالثا. الموقف الامريكي الجديد والذي صدم النخبة السياسية والرأي العام المغربي الذي يعتبر امريكا حليفا استراتيجيا للمملكة ويرى ان المغرب دفع ويدفع أثمانا مكلفة نتيجة انحيازه الى الصف الغربي بقيادة واشنطن زمن الحرب الباردة، والى جانب امريكا في زمن الحرب على الإرهاب. هذا الرأي العام يعتبر التغير في المواقف الجديدةلامريكا وانحيازها لطرف ضد طرف مسالة ستعقد مسار الوصول الى تسوية مقبولة من الطرفين. فإذا شعرت الجزائر ومعها البوليساريو ان أكبر قوة عظمى في العالم يمكن للوبي صغير او وزير خارجية له توجهات معينة ان يأخذ الادارة بكاملها الى لعب دور منحاز ،فهذا لن يدفع الطرفان الى البحث الجدي عن تسوية نهائية لهذا النزاع الذي طال أمده. نعود للسؤال الاول ما الذي دفع امريكا الى هذا الموقف الخطير والحساس. الاخبار القادمة من واشنطن تقول ان منظمة كندي لعبت لعبتها وان علاقاتها الوطيدة مع وزير الخارجية الجديد جون كيري ساعدها على إقناعه بضرورة تبني مطلب البوليساريو بتوسع صلاحية المينرسو. لكن هذا غير كافي لتفسير التحول الكبير في موقف الادارة الامريكية من نزاع له حساسية كبرى في المنطقة. تبقى فرضية اخرى وهي ان الوسيط الأممي الامريكي روس هو نفسه دفع في هذا الاتجاه مستغلا علاقته الطيبة مع كيري على عكس علاقته مع هيلاري والتي لم تكن جيدة جداً وكل هذا من اجل الضغط على المغرب ودفعه الى تليين مواقفه خاصة وان روس لن ينسى للمغرب انه سحب منه الثقة وهاجمه متهما إياه بالانحياز قبل ان يرجع ويقبل لاستمراره في مهامه بعد ان رفض بان كيمون والإدارة الامريكية استبداله. وهذا أيضاً غير كاف لتفسير هذا الانقلاب في الموقف الامريكي ، ولهذا وجب على الدبلوماسية المغربية ان تراجع أوراقها في علاقتها بأمريكا التي تمر هي نفسها بتحولات عميقة اتجاه المنطقة. مازال هناك وقت لإقناع واشنطن بسحب توصيتها من مجلس الأمن ،هذا افضل الف مرة من طلب الفيتو الفرنسي، فالحكومة الاشتراكية ستجد صعوبة أمام امريكا وأمام الرأي العام الفرنسي في معارضة توسيع صلاحية المينرسو في مجال حقوق الانسان. حتى وان كانت حقوق الانسان هنا مناورة سياسية لقتل مشروع جدي للتسوية اسمه الحكم الذاتي هذا هو المستهدف في نهاية المطاف.