«الجريمة» سلوك يهدف إلى إشباع غريزة إنسانية، وتأتي كنتاج لصراعات انفعالية لاشعورية يمكن أن تتطور ماديا لجرائم تنتهي أطوارها على وقع مشاهد بشعة مروعة موسومة بالفظاعة، تختلف مسبباتها : مابين انتقام وصدفة قاتلة، وتتعدد مسارحها من البيت إلى الشارع، وغالبا ما تعرف هذه الجرائم سقوط نساء كضحايا لمجرمين جنحت بهم نوازع الشر وغريزة القتل إلى نهايات سوداء. كانت الصرخات القوية تشق طريقها نحو الشقق المجاورة بإحدى العمارات السكنية بحي درب السلطان بمدينة الدارالبيضاء. تتبع مصدر الصوت، انتهى أمام جثة هامدة، لسيدة في أواخر عقدها السادس فاجأ منظر رأسها المهمش وبطنها المبقورة، رجال الأمن ومعهم الأقارب الذين حلوا باكرا للاطمئنان على قريبتهم ليصدموا بجثتها ممدة على الأرض سابحة في بقعة حمراء قانية، لكن حدود المفاجأة لم تقف عند هذا الحد بعد أن وجدوا في طريقهم زوجة ابن الضحية ممددة فوق سرير غرفة النوم، وأنفاسها خامدة. هشم رأس أمه بقنينة غاز «أربعيني .. ويعيش حالة من الانطواء والانعزال عن محيطه الاجتماعي»، كان الوصف الغالب عليه من طرف معارفه، قبل أن تنسج حول شخصه خيوط اتهامات مباشرة بقتل أمه وزوجته بطريقة بشعة. بداية اكتشاف الجريمة كانت مع زيارة بريئة لبعض قريبات الضحية .. «عفاك آولدي شوف واش كاينة الحاجة في دارها». طلب لم يتأخر أحد شباب الحي في التطوع له عن طيب خاطر، بعد أن استعطفنه الزائرات المسنات للاستفسار عن قريبتهن. لم يستغرق الأمر إلا لحظات عاد معها الشاب وهو يحمل لهن خيبة أمل بعد أن كلت يده من طرق باب شقة الحاجة .. «راه يمكن ماكاين حد في الدار». غياب المرأة المسنة عن بيتها وهي التي ضربت موعدا معهم زوال اليوم نفسه، جعل النسوة يشرعن في طرق باب الشقة، وبعد مكالمات هاتفية لم تأتي بجديد، اضطرن في الأخير إلى إخبار عناصر الشرطة بعد أن ساورتهن الشكوك. كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية والنصف زوالا، حينما دلفت سيارة الشرطة إلى الزقاق التي تقطن به الأسرة المذكورة. ترجل منها ضابط الشرطة ومرافقيه وتوجهوا نحو باب الشقة الذي تم كسره بعد عدم الاستجابة لطرقات رجال الأمن. ليقف الجميع مذعورين أمام المشاهد المروعة، ويتعالى بعدها صراخ وعويل النسوة بعد العثور على جثة قريبتهم هامدة وسط بركة من الدماء مهشمة الوجه، إلى جانب جثة زوجة ابنها التي كانت ملقاة على سريرالنوم ووسادة فوق رأسها. تناسلت بعدها الكثير من الشائعات التي سارت في اتجاه تحميل ابن القتيلة مسؤولية الحادث المأساوي، خاصة وأنه كان آخر شخص غادر شقة والدته إلى وجهة غير معلومة، بعد أن أحكم إغلاق الشقة بالمفاتيح، وأقفل هاتفه المحمول. ذبح زوجته بسكين المطبخ ذليل محسور وعلت وجهه كآبة وحزن، بهذا الشكل مثل «عبدالنبي» المتهم بقتل زوجته، أمام أنظار رجال أمن الحي المحمدي، وهو يعترف تلقائيا بجريمته الوحشية التي كانت بسبب نار الغيرة العشواء التي استشرت ببواطنه، ولم يجد مايطفئها غير دماء زوجته. القاتل المذكور وبعدما اقترف جريمته الدموية، لم يجد بدا من تسليم نفسه إلى مصلحة الشرطة القضائية لمنطقة الحي المحمدي، وشرح للمحققين، أن أسباب الجريمة تكمن في مشادة كلامية، استشاط بعدها غضبا، ليقرر تصفية زوجته بواسطة سكين مطبخ، حيث أجهز عليها بطعنات قاتلة على مستوى العنق متسببا لها في نزيف حاد، ليجهز عليها بطعنة قاتلة على مستوى القلب، فر بعدها مباشرة من مسرح الجريمة، وسلم نفسه بعيدا عن مصالح أمن مولاي رشيد حيث ارتكب جريمته النكراء وأشار الزوج القاتل وهو من ذوي السوابق القضائية، أن معارفه أخبروه أن زوجته قد سبق لها ربط علاقات غير شرعية خلال مدة سجنه، وأنها كانت تستغل بيت الزوجية وكرا لأعمالها المنافية للآخلاق، الشيء الذي اعتبره مسا برجولته حسب أقواله. وحسب معارف القاتل الذين أدلوا بشهادتهم أمام الشرطة القضائية فقد أشاروا إلى أن قريبهم كان يعاني بشكل كبير من تسلط زوجته القتيلة التي كانت تكيل للزوج أقذع السباب والشتائم أمام مرأي ومسمع أصدقائه .. «ولكن ماكانش كنتظروا أنه القضية غاديا تتطور لجريمة قتل بشعة في حق الزوجة» يصرح أحد أقرباء الأسرة في محاضر الضابطة القضائية. ذبح أمه من الوريد إلى الوريد مشاهد جرائم القتل تكاد تتكرر يوميا لتجعل شبح الجرائم المروعة يخيم بظلاله على بعض الوقائع والحوادث الدموية التي تتعدد أسبابها، وتتسبب في تبعات اجتماعية يكتوي بنارها أقارب الضحايا. ومن بين أكثر الحالات إيلاما، الجريمة التي شهدتها مدنة برشيد، وعرفت ذبح أم من طرف ابنها بطريقة شنيعة. لم تكن الأم «عائشة» تظن أن ابنها البكر الذي لم تبخل عنه بحبها الشديد، سيتحول إلى وحش كاسر، سينهي حياتها بطعنة غادرة. في صبيحة ذلك اليوم المشؤوم كما يروي أحد معارف الأسرة، خرج الشاب الذي كان يميل بطبيعته للعزلة إلى أحد المساحات الخضراء، وظل طوال ساعات النهار غائبا عن منزل أسرته. في حدود الساعة الخامسة رجع إلى البيت لتناول وجبة الغذاء .. «حنا كنا كنعرفوا على أنه كيكون ماشي لاباس مره مره .. ولكن عمرنا ماكنا كنظنوا أنه غادي يذبح الأم ديالو، ويحاول حتى يقتل باه» يصرح المصدر السابق. مباشرة بعد رجوعه للبيت دخل الابن في مشادة ونقاش مستعر مع أمه حول أمر بسيط، أفقده صوابه وجعله يدخل في حالة هستيرية، فقد معها السيطرة على سلوكاته وتصرفاته، ليندفع في لحظة خاطفة ويغرس السكين في عنق أمه التي ظلت تسارع الموت قبل أن تستسلم لقدرها المحتوم. لم يكتف الابن القاتل بالإجهاز على والدته، بل حاول أيضا أن يضع حدا لحياة والده، لولا ألطاف القدر وتدخل الجيران الذين استجابوا لاستغاثة الأب. بعد تنفيذ جريمته حاول الهرب، لكن الجيران تمكنوا من القبض عليه، واحتجزوه حتى وصول رجال الأمن، في الوقت التي تم فيه نقل الأم إلى مستودع الأموات جثة هامدة، وتبين بعد مباشرة اجراءات البحث مع المتهم أنه كان نزيل سابق بمستشفى للأمراض النفسية والعقلية. ينهي حياة والدته بمطرقة حديدية إذا كانت الجريمة من منظور علم النفس، هي إشباع لغريزة إنسانية بطريقة شاذة لا يقوم بها الفرد العادي، فبطل الجريمة التي اهتزت لها مدينة الصويرة قبل سنوات. كان شخصا سويا مشهودا له بسلامة قواه النفسية. داخل غرفة سفلية بأحد أحياء مدينة الصويرة، كان محمد يعيش رفقة والدته المسنة، البالغة من العمر حوالي 60 سنة، والتي قدر لها أن تذوق مرارة الفقر والمعاناة مع ابن عاق وعاطل، طلق زوجته واعتمد على والدته في تأمين كل مصاريف الحياة، من خلال إرغامها على مده بالنقود عنوة. لم تكن الأم تظن أن نهاية حياتها ستكون على يدي أقرب الأشخاص إليها، والذي لم يكن إلا ابنها الذي شب وترعرع أمام عينيها، قبل أن تسوسه دروب الدنيا القاسية بعيدا عن هدوئه وطيبوبته المعتادة. كانت حياته الأسرية والتي تعهدها بالرعاية اللازمة تمضي في أحسن الظروف قبل أن تتغير طباع الابن ويعمد إلى تطليق زوجته، والعيش منعزلا غير آبه بدوره كرجل مسؤول عن إعالة نفسه وكسب قوت عيشه، وتأمين حياة كريمة لأمه المسنة. غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى مسلسل من الاعتداءات المتوالية عليها بالضرب والجرح المبرحين، وانتهى بجريمة مروعة صنفت من بين أبرز الجرائم البشعة ضد الأصول في ذاكرة مدينة صغيرة كالصويرة، حيث فاجأ الابن والدته بعد رفضها منحه النقود، باعتداء جسدي عنيف أنهاه بمأساة دموية، بعدما أجهز عليها بضربات مسترسلة بمطرقة حديدية على مستوى الرأس. بستاني يذبح مشغلته تكشف محاضر الأبحاث التمهيدية في بعض الأحيان عن ملامح مغايرة لمجرمين تورطوا في جرائم قتل بشعة، منهم من كان سجله العدلي خال من أي سابقة قضائية. من بين هؤلاء قاتل طبيبة الأسنان بمدينة طنجة، والتي تبقى من بين أكثر القصص إيلاما، ولم تبرح مخيلة ساكنة المدينة رغم مرور شهور على وقوعها. جريمة كان دافعها الطمع والجشع والرغبة المقيتة في الاستحواذ على مال الغير. كعادتها كانت الضحية تستعد لمغادرة منزلها من أجل الالتحاق بعيادتها الطبية وسط المدينة قبل أن تتفاجأ بالشخص الذي سبق وأن مدت له يد المساعدة، وشغلته كبستاني بالسكن الرئيسي للأسرة، يترصد خطواتها بحذر في حديقة منزلها الذي تسلل إليه بطريقة غامضة. تملك الطبيبة إحساس بالخوف والقلق ترجمته في شكل صرخة مدوية قبل أن تدخل في عراك مع المهاجم حيث غرزت أظافرها في عنقه، وهو ما دفع بالمجرم الشاب إلى توجيه طعنات غادرة في ظهرها بواسطة سكين كان يحمله معه، فخارت قواها وسط بركة من الدماء الغزيرة. لكن المجرم لم يكن ليتوقف عند هذا الحد. بل قرر أن يخمد روح مشغلته للأبد والقضاء على أية فرصة لها للنجاة حيث عمد إلى خنقها بواسطة حبل وعلقها بمزلاج الباب. ومباشرة بعد التيقن من أن ضحيته قد فارقت الحياة، غادر المنزل عبر باب موجود في السطح، وابتعد عن مسرح الجريمة، قبل أن يعود إليه بعد لحظات حينما لمح بعض الجيران متحلقين حول المنزل. بعد ذلك توجه بنفسه نحو مقر الدائرة الأمنية ليبلغ بكل برودة عن وقوع الجريمة التي قام بارتكابها. في مقر مفوضية الأمن قرر رجال الشرطة الاحتفاظ بالقاتل بعدما ارتابوا في أمره حينما أثارت انتباههم تلك الجروح الظاهرة والناتجة عن عراكه المستميت مع ضحيته، حيث أخضعوه لتحقيق أولي لم يسفر عن أي نتيجة نظرا لدهاء القاتل وذكاءه. لكن مناوراته المتوالية لم تنفعه، فبعد أسبوع من وقوع الجريمة ظهرت نتائج تحليلات الحمض النووي، التي حسمت في كل الشكوك حول المتسبب في الحادث المروع، ليتم توجيه اتهام رسمي له بالتورط في قتل امرأة محبوبة ومشهورة بأياديها البيضاء مع المعدمين والفقراء بمدينة طنجة.