في حديث رئيس الحكومة بالبرلمان حول قضية تشغيل المعطلين قال عبارة تشبه ما يكتبه عادة بعض أصحاب الحوانيت على فترينة المحل، وهي ممنوع الطلق والرزق على الله. الفارق الوحيد أن بنكيران قال الجزء الأخير فقط وهو الرزق على الله، وهو أمر لا يجادل فيه أحد، ولكن الله عز وجل جعل للرزق أسبابا، ودور الحكومة هي المساعدة في توفير وتمكين المعطلين وعموم المواطنين من هذه الأسباب، أما القول فقط بأن الرزق على الله، ورفع اليد. فهو أسلوب المتواكلين والذين يعجزون عن فعل أي شيء، لأن هذا المنطق يمكن أن يحل كل مشاكل البلد دون القيام بأي شيء. فالرزق على الله، والصحة على الله، والسكن على الله، والفلاحة على الله، وهلم جرا. صحيح أن رئيس الحكومة أدخل شيئا جديدا لقبة البرلمان، وهو القدرة على شد انتباه المواطنين لخطاب السياسي، لكن قول الصراحة للشعب شيء والتخلص من الالتزامات والوعود شيء آخر. فالقول بأن الدولة لا يمكن أن توظف جميع المعطلين أمر منطقي حتى لدى المعطلين أنفسهم وإن لم يصرحوا به، ولكن توفير وسائل بديلة لمواكبة هذا الجيل الذي كان ضحية للتعليم العمومي أمر ملح، والتفكير في إصلاح حقيقي لمنظومة التعليم وفق النماذج العالمية الرائدة التي أثبتت نجاعتها في تسجيل أقل النسب من المتخرجين المعطلين أمر حيوي هو الآخر كذلك، وهو ما يجب أن يشكل الورش الحقيقي لأية حكومة تحمل هم الأجيال القادمة. فقد نجحت العديد من الدول في بناء أنظمة ناجحة للتربية والتكوين، تحقق أعلى نسب المردودية والنجاح في محيطها الدولي، حيث توفر للتلميذ والطالب تكوينا مزدوجا أكاديميا ومهنيا. صحيح أن تكلفة مثل هذا النموذج باهضة، لكن من قال أن تكلفة النموذج الحالي في وطننا، حيث يتم الاقتصار على حشو أذهان التلاميذ بمواد نظرية لا علاقة لها بالميدان العملي، منخفضة. إذا أخذنا بعين الاعتبار المشاكل الناجمة عن مثل هذا التعليم. ففي دولة مثل ألمانيا يرجع تميز نظامها التعليمي إلى مزاوجتها بين الدراسة الأكاديمية والتدريب العملي في الشركات خلال الدارسة، حيث يتخرج الشباب بشهادة أكاديمية وخبرة عملية ومهنية في نفس الوقت، بدلاً من قضاء الوقت كله خلال سنوات التعليم العالي في حضور المحاضرات النظرية في القاعات. وتتيح فترة التدريب هذه الفرصة أمام الشركات للتعرف على المتدربين وتقدير كفاءاتهم وقدراتهم على العمل والإبداع، وبفضل ذلك يُمكن لأرباب العمل الحد من مخاطر توفير أماكن العمل لأشخاص غير مناسبين. لقد أتبث هذا النموذج فعاليته الكبيرة في كل الدول التي تعتمده مثل ألمانيا وأستراليا، لأنه يمنح للمتعلم القدرة على معرفة أكاديمية ضرورية، ويمكنه في نفس الوقت من اكتساب ملكات مهنية، ويربي فيه قيم العمل المهني والحرفي، بحيث لا يقف هذا الطالب المتخرج عاجزا عن كسب رزقه لأنه لم يتوفق في الولوج إلى مناصب حكومية أو وظائف في الشركات الخاصة. إنه يمكنه من الاعتماد على نفسه، بمرافقة من الدولة طبعا، حتى يتمكن من بناء حياته الخاصة. وهو الأمر الذي لا يتوفر عليه الطالب المغربي حاليا، ولا يمكن لومه في هذا الجانب، لأن النموذج التعليمي المغربي بُني في أساسه على تلبية حاجيات الإدارات الحكومية، ولم يؤسس على تلبية حاجيات بناء شخصية الفرد المتعلم. ومؤخرا فقط أصبحت الجامعات تفتح بعض المسالك المهنية التي لم تستطع لحد الآن ربط الصلة بين تلك الشواهد التي تقدمها وبين حاجيات السوق والشركات. فعندما تحدث وزير ماليزي، في سياق الحديث حول التعليم الجامعي ببلاده، عن التعليم العالي في المغرب. وأورده كنموذج منتج للبطالة، فهو للأسف لم يكن يتحدث من فراغ، لأن ماليزيا البلد المجاور للنمور الأسيوية، والتي نجحت في إيجاد مكانتها الخاصة تحت الشمس، بين دول متقدمة ومنافسة، لم تفعل ذلك إلا عبر قنطرة التعليم الجيد، الذي يحمل قيم العمل الجاد لأطفال البلد، ويمكنهم من تعلم أهمية الكفاح والتشمير عن الأيدي في الحياة، لتحقيق المستقبل الكريم للمواطن وللوطن.