امتقع لونه وارتسمت على محياه ملامح ارتباك لافت، حين تقدمت إليه عناصر دورية من الدرك الملكي. عملية نصب واحتيال كان ضحيتها تجار من مدينتي البيضاءوفاس. إخبارية تفيد وقوع حادثة سير بانقلاب سيارة بطريق “إمي مقورن” الواصلة إلى “أيت باها” بوابة المنطقة الجبلية. السائق، الذي أصيب بجروح خفيفة لم يستطع إخفاء اضطرابه حين طالبته العناصر المكلفة بالمعاينة بالإدلاء ببطاقته الوطنية، استلها من أحد جيوبه، كانت تحمل صورته بالفعل غير أن المحققين استشعروا بحدسهم أن الأمر يدعو لبعض الارتياب الذي يملي مزيدا من التدقيق. استدعى الوضع اقتياد السائق إلى المركز لفتح بحث حول النازلة، وتبديد الشكوك التي تحوم حوله، فقد تبين أن السيارة كانت مستأجرة، وبعد أخذ ورد، ونتيجة عملية تفتيش بملابسه تم العثور كذلك على دفتر شيكات لتنساب التفاصيل الصادمة وتكشف ما وراء الأكمة. لم يستطع هذا السائق، الذي كان يشتغل لفائدة تاجر للمواد الغدائية أن يخفي التفاصيل التي كشفت معرفة السوء التي قادته إلى أحد الأشخاص الذي مكنه من بطاقة تعريف وطنية ألصق بها صورته بيد أنها تحمل بيانات مخالفة لهويته الحقيقية، ستكشف عن عمليات نصب واحتيال متقنة.. الأبحاث قادت إلى التوصل بمعلومات عن وجود “تاجر” يشتغل لفائدته هذا السائق، يعتبر “العقل المدبر” لمختلف عمليات تم تنفيذها راح ضحيتها تجار آخرون بمدن مختلفة. فالملقب ب “الحاج” والمتحدر من “تيزنيت” سيميط اللثام عن كثير من الملابسات الخفية لقضية حولت حادثة انقلاب سيارة عادية إلى فك لغز نازلة شائكة تعرض لشظاياها تجار يتوزعون بأهم المراكز الاقتصادية للبلاد وفي فترات متقاربة. لم يتحمل هذا “التاجر” جسامة الخسائر التي تكبدها نتيجة كساد تجارته وإفلاسه، وبعد عطالة مؤقتة اهتدى للفكرة التي لم يدر في خلده أن تداعياتها ستظل أشد فداحة مما أصابه وسترهن فترة ليست باليسيرة من حياته تجاه النفق المسدود. قاد بحث أجري معه إلى كونه “أخرج” سيارات جديدة من إحدى الشركات المختصة بأكادير، مستعينا بشيكات مزيفة وهوية غير حقيقية، فكان بصدد البحث عن مقتن لتلك السيارات. انتقلت دورية إلى مدينة فاس، هناك حيث تم الاستماع إلى صاحب متجر مفروشات بالجملة، كان ضحية نصب طالته بواسطة الشيكات بمبلغ تجاوز ثلاثمائة ألف درهم، وآخر بمكناس يتاجر في مواد التنظيف واحد بالدارالبيضاء يتوفر على محل لأواني الألمنيوم خاصة بجمع الحليب، كانا ضحيتين بمبالغ مالية متفاوتة، فضلا عن شركات لبيع السيارات. مرت نحو ستة أشهر، ليسقط شريك ثالث في قبضة العدالة، يملك مرآبا حجزت داخله السيارات بينما قام بتصريف السلع في أسواق مختلفة. الأبحاث التي تم إجراؤها، كشفت أن “العقل المدبر” حصل على بطاقة تعريف وطنية من أحد الأشخاص ليزيل منها الصورة ويلصق بها تلك التي تخصه، حيث بدأ يستعين بها في فتح حسابات واختار ذوي سوابق ل “الاشتغال معه”. كان يتظاهر برزانة وثبات، أمام التجار،وهو ما يجعله موضع صدق، لا يتورع في التعامل بسخاء وطيبوبة مع الحمالين والعمال المشتغلين بالمتاجر التي يقتني منها السلع، الأمر الذي زكى الثقة التي وضعت فيه وفتحت له المجال لكسب ودهم وعدم استنكافهم عن تقديم الخدمات إليه، واستقباله بحفاوة خاصة، ونتيجة للتعاملات الأولية التي باشرها مع هؤلاء و”حظوته” الفريدة لديهم، لم يكن منه إلا أن انتهز الفرصة بالاستعانة بالشيكات المزيفة حيث يسلمها إليهم، كان لا يلبس عباءة “الشطارة” ولا يناقش الأسعار، وهو ما كان يزيد من تحمس الباعة في التعامل معه، بيد أنه، حينما يتحقق له مراده، يتوارى عن الأنظار. تواصلت عملياته التي راح ضحيتها تجار من مدن مختلفة، وكان يستعين بأشخاص من ذوي السوابق تفاديا للإيقاع به، غير أن الرياح كانت تجري بما لا تشتهيه سفنه فحادث انقلاب سيارة كشفت كل المستور!. أحيل الأظناء الموقوفون على العدالة من أجل تهم من بينها النصب والاحتيال والمشاركة وحيازة شيكات مزيفة. فيما حررت مذكرة بحث في حق مزور البطاقة الوطنية الذي كانت دورية قد انتقلت إلى الدارالبيضاء لتوقيفه لتجد المحل الذي يستغله مغلقا وقد هاجر صوب وجهة مجهولة.