الفقر لعنة الواقع المعاصر، تستاء منه الشعوب والمنظمات الدولية، ويقض مضجع الأطفال والنساء. فهل الفقر قضاء وقدر ينبغي الاستسلام والخضوع له، وحمد الله على قضائه؟ أم هو نتيجة حتمية لتطاول أيدي المسرفين، وإفساد المستكبرين في الأرض؟. عندما يستولي المستكبرون على خيرات الأرض : الفقر وصمة عار على جبين الإنسانية التي ترتقي في سلم الحضارة والازدهار، وتنعم بالتكنولوجيا والعلم. فكلما تألقت دول، وحققت كل وسائل الرفاهية؛ إلا وانحدرت دول أخرى إلى حضيض الإنسان البدائي. وهذه التي انحدرت كانت تعيش في نعيم مقيم وفي رغد عيش، لو أنها حافظت على مبادئ دينها واتبعت تعاليم ربها. لكن فتنتها زهرة الحياة الدنيا فسلط الله عليها من يسومها سوء العذاب وينهب خيراتها. فأصبحت كالقصعة ،تكالبت عليها الأمم من كل حدب وصوب،فاستعمرت أرضها، ونهبت خيراتها، وفقرت شعوبها، وقسمتها إلى مستوطنات صغيرة، أشعلت بينها حروبا كثيرة. وبذلك أصبح الفقر عنوان معظم الدول وخاصة الإسلامية منها. فالاستعمار والحروب لم تخلف سوى حشودا من الفقراء تتزايد يوما بعد يوم، حتى أصبحت تمثل الأغلبية الساحقة في العالم. وأصبح المستكبرون يستحوذون على خيرات الأرض المقسمة قسمة ضيزى. فهم لا يشبعون أبدا من نفط الدول المستضعفة الذي يحقق لهم الرفاهية والترف. والأدهى والأمر أن شراهة المستكبرين، أصبحت تهدد الإنسانية جمعاء. فهاهو الانحباس الحراري كابوس يهدد العالم بأسره، ودعاة المحافظة على البيئة تتعالى أصواتهم منددة ومحذرة من الخطر الذي يحدق بالإنسان إن لم يتم معاقبة الجاني الذي يستعمل الطاقة بنهم شديد، ولاتهمه إلا مصالحه الشخصية. الجوع مآل الجميع لاقدر الله، إن لم تعد البشرية إلى رشدها، وتتبع تعاليم خالقها، فهو سبحانه وحده العليم بما يصلح حالها، وينمي اقتصادها. إنه جلت قدرته لما حرم الربا فلعلمه المسبق بالمآل«إن الله يمحق الربا ويربي الصدقات » وآية الله جلية فيما يعيشه النظام الربوي اليوم، أزمة اقتصادية خانقة يتخبط فيها دهاقنة السوق وأسياد الاقتصاد. «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون.» سورة: الأعراف، الآية: 96 . فما هي نظرة الإسلام للفقر يا ترى ؟ كاد الفقر أن يكون كفرا : قولة مأثورة عن سيدنا علي كرم الله وجهه تبين موقف الإسلام من الفقر. فهذا الأخير حليف الكفر وصديقه الحميم، وإذا ذهب الفقر إلى مكان قال له الكفر خذني معك. وذلك لأن الفقر يحمل على حسد الأغنياء والحقد عليهم، ويؤدي بصاحبه إلى التمرد والسخط على كل شيء. كما أن الفقر يعيق التقرب من الله وعبادته عبادة سليمة، فمن يضل يفكر في رغيف خبز يسد به رمقه ورمق عياله، ويشتغل اليوم كله، ويحرم من الصلاة في وقتها، أنى له أن يفكر في الخالق وبالأحرى أن يتقرب منه. حقا لقد قسم الله عز وجل الأرزاق بين العباد، وجعل منهم غنيا وفقيرا، قال تعالى׃«وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم.» التفضيل في الرزق ابتلاء من المولى عز وجل واختبار في الدنيا لكل من الغني والفقير لينظر الله سبحانه كيف يتعامل كل مع مسألته. وإلا فمال الفقير عند الغني أوجبه الله له بوسائل عدة، ذكرها في كتابه العزيز وبينها رسوله الكريم، من زكاة وصدقة ووقف و…فالله سبحانه سخر الغني للفقير والفقير للغني، ولا يستطيع أحد أن يحقق مصالحه دون مساعدة الآخر. قال تعالى ׃ «أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون.» سورة: الزخرف ،الآية: 32. و مع هذا فالإسلام ينبذ الفقر ويعتبره خطر على العقيدة والأخلاق وسلامة التفكير، بل وحتى على الأسرة والمجتمع. والأمة التي تتبع مبادئ دينها، لن تجد فيها فقرا مدقعا، إذ لايكون الفقر المدقع إلا إذا كان هناك غنى فاحشا. لذا قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه׃«عجبت لمن لايجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه.» وما كان له أن يقول ذلك لولا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول׃ « ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع.». فالإسلام دين التكافل الاجتماعي، ولا مجال للفوارق الطبقية في المجتمع المسلم.وما أصاب الأمة الإسلامية اليوم من فقر وتخلف وجوع، إلا بسبب تخليها عن أسس عزتها وقوتها التي رسمها الله لها في دستورها، ورمز نصرها وقوتها القرآن الكريم. قال تعالى׃«وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.» سورة: النحل ، الآية :112 . أعاد الله الأمة إلى نهج دينها القويم، وقيض الله لها من ينشر العدل والسلام في أرجائها، ويخلصها من براثن الذل و الانكسار آمين آمين والحمد لله رب العالمين.