المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية تأصيلية لمشروعية المظاهرات

لقد كثر التساؤل من كثير من الإخوة المهتمين بشؤون المستضعفين و المقهورين ، بموضوع المظاهرات السلمية التي تقوم بغرض نصرة أهل الحق في شتى بقاع العالم، أو للتصدي للظلم والظالمين.
ومع أن الموضوع بديهي وفطري وشرعي من أول وهلة، إلا أن هناك من حرمها وجرمها ووصف من يقومون بها بالخوارج، وهؤلاء لما كان الإعلام يضيفهم إلى العلم، وجعل لهم جمهورا من عامة الناس يتلقون عنهم ويثقون فيهم دون بحث أو تمحيص، جعلهم ذلك يتمادون في إصدار الفتاوى دون ضابط أو تمييز، مما وسمهم غالبا بقلة العلم وضعف الفهم معا، وهؤلاء المتعالمون لا يقلون خطرا على الأمة من أعدائها الظاهرين؛ لأنهم يسيرون في خط تجريم كل ما فيه حركة أو عمل أو كلمة تتصدى لأعداء الأمة، أو تفضح الأنظمة الفاسدة العميلة، بل يبررون لها أفعالها ومواقفها المخذلة .
أما عن مشروعية المظاهرات السلمية فهي وسيلة واجبة على من استطاع من المسلمين في التصدي للظلم والعدوان والمطالبة بالحقوق، إن لم توجد وسيلة أخرى أقوى وأشد تأثيرا.
وتفصيل ذلك في أمور:
الأمر الأول:
حرية التعبير عن الرأي:
فالإسلام كفل لأهله حرية التعبير عن الرأي، والمطالبة بالحقوق، الدينية والدنيوية، مما يحقق مصالح المسلمين، ويلبي احتياجاتهم؛ بل التعبير عن الرأي يعد من فروض الكفاية التي إن قام بها البعض سقطت عن الباقين، وهذا داخل لا محالة في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما تحمله من ضوابط وقيود شرعية تؤدي إلى أفضل النتائج دون إحداث ضرر بمصالح المجتمع، أو تَعَدِّ على حدود الشرع، أو تساهل وتفريط فيها.
كما أن هذا من النصيحة الواجبة لحديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة " قلنا: لمن؟ قال: " لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم " .
الأمر الثاني:
نصرة المظلومين:
فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى برفع الظلم وإحقاق الحق وسمى ذلك نصرا " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " .
وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بنصرة إخواننا المظلومين – يشمل ذلك المسلمين في كل بقاع الأرض – فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " قيل: يا رسول الله! هذا ننصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما!؟ قال: " تكفه عن الظلم " .
الأمر الثالث:
التغيير إلى الأفضل:
نحن مأمورون شرعا بالتغيير إلى الأفضل، وعدم الرضا أو السكوت على الفساد والمعاصي والظلم، وإلا أصابنا الله بالخذلان في الدنيا، والنيران في الآخرة؛ فقد جاء في التنزيل: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " وقال تعالى: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب " .
لذا قال صلى الله عليه وسلم: " إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه، يوشك أن يعمهم الله بعقابه " ، وفي رواية لأبي داود: " إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يُغَيِّروا عليهم ولا يغيروا، إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا " .
وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم لتدعنَّه ولا يستجاب لكم " .
الأمر الرابع:
التغيير الجماعي:
لا شك أن الأصل في الدعوة والتغيير إنما يكون بالعمل الجماعي لا بالمجهود الفردي، وهذا معنى قوله تعالى: " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " ، وفي حديث السفينة قال صلى الله عليه وسلم: " فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجُّوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " .
الأمر الخامس:
المصالح المرسلة:
إذا اعتبرنا جدلا أن المظاهرات لم يشهد لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين؛ فهي داخلة في المصالح المرسلة؛ حيث تجلب النفع، وتدفع الضر عن المسلمين؛ فالأصل في تكاليف الشريعة أنها ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق؛ ضرورية كانت أم حاجية، أم تحسينية.
والمطالبة بحقوق المسلمين المغتصبة، ورفع الأذى الواقع عليهم، ورد العدوان عنهم، وتذكيرهم بحقوقهم، وتنبيه الحكام إلى حقوق المواطنين، ودعوتهم للإصلاح، ومحاربة مظاهر الفساد؛ لا شك أن ذلك كله جلب للمنافع ودفع للمضرات، فهو داخل في المصالح المرسلة التي اعتمدها الإمام مالك كثيرا في مذهبه.
وبدون هذه المظاهرات يتأكد عبث الحكومات الظالمة بمقدرات الشعوب، وعدم مبالاتها بتوفير حاجاتهم وضرورياتهم.
كما يتأكد استبداد أعداء الإسلام المحتلين لبلادنا، إذا استنامت الشعوب ولم تنتفض لتحرير بلادها، ومن لا يملك السلاح لقتال المحتلين المغتصبين، فإنه لا يعدم التظاهر وشحذ همم المسلمين في كل مكان حتى تظل قضاياهم حيَّة لا تموت، وحتى تتوفر لهم أسباب النصر والتمكين بإذن الله تعالى.
الأمر السادس:
الوسائل متجددة غير جامدة:
لا تتحقق النصيحة أو النصرة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغيير إلى الأفضل إلا بوسائل، والوسائل من قبيل العادات، تختلف من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، وللوسائل حكم المقاصد، ولم ينص الشرع على وسائل بعينها في كل الأمور، ولا حرم سواها من الوسائل المستحدثة.
كما أن الوسائل المستحدثة وإن كانت بدعا بالمعنى اللغوي العام، إلا أنها ليست بدعا شرعا ما دامت فرضتها الحاجة ولم تخرج عن مقاصد الشريعة؛ بل هي الوعاء الذي به يُظهر الناسُ التزامهم بأوامر الشرع ونواهيه.
كما سيأتي كيف اعتمد السلف الصالح التواعد على التجمع ضد الخلفاء الفاسدين الظالمين، دون إنكار من أئمة الأمة، بل استحسنوا فعلهم وسردوه في مناقبهم.
وعليه فليست المظاهرات تقليدا أعمى للغرب، فهي ليست في حد ذاتها عبادة، ولكنها أصبحت واجبة لأنها الوسيلة الأقوى لتغيير المنكر ونصرة المظلومين، وقد أعلن الشهيد عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله تعالى: أن مظاهرة واحدة تخرج في الإسكندرية لتأييدنا تبث الأمل والفرحة فينا أكثر من عملية استشهادية في قلب تل أبيب.
الأمر السابع:
ضوابط الوسائل:
لا بد في الوسائل من ضوابط تجعلها متفقة مع الشريعة ومقيدة بها غير متضاربة معها أو خارجة عليها، ومن هذه الضوابط:
1- عدم مخالفة الشرع بأدلته وقواعده الكلية.
2- أن يكون الهدف الذي قامت من أجله الوسيلة مشروعا غير ممنوع.
3- ألا يترتب عليها مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
4- إذا اتصفت الوسيلة بهذه المواصفات فإنها تنزل منزلتها من حيث الوجوب أو الاستحباب أو الندب حسب قيمة الهدف الموصلة إليه، والظرف المؤدي إليها، فرب وسيلة تكون واجبة في موقف، لكنها محرمة في غيره.
الأمر الثامن:
فاعلية المظاهرات:
قد يرى البعض أن المظاهرات وسيلة غير فاعلة، فالأولى تركها.
هذه نظرة غير صائبة، بدليل سقوط عدد من الأنظمة المستبدة في العالم عن طريقها، كما أنها أقلقت العيد من النظم الفاسدة؛ لذا تصر على محاربتها وقمعها.
وإنما آتت المظاهرات أكلها ونجحت في العالم الغربي اليوم دون العالم الإسلامي؛ لأنها أصبحت هناك وسيلة مكتسبة بمرور الزمن، والنضال المستمر، والتضحية، وتكاتف فئات المجتمع من علماء وساسة ومهنيين وعمال.
كما أنهم لم يجدوا من رجال الدين الموظفين لدي الحكومات من يُؤْثِرُ لهم الدَّعَةَ والخُمُول، والبعد عن إقلاق النظام، بخاصة من يفسرون المظاهرات على أنها خروج على الحاكم، وكأن الحاكم عندهم نبي مرسل تجب طاعته وإن أمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وجند كل وسائله لتبديل شرع الله، وحارب الدعاة، واعتقل العلماء، وباع الوطن، وحالف الأعداء المعلنين الحرب على الإسلام، وخذل إخواننا المستضعفين في كل مكان، ونسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف " .
كما أن المظاهرات السلمية ليست الوسيلة الوحيدة للتغيير والإصلاح، فهناك وسائل عديدة تربوية، وحركية، معلنة، أوخفية مستحدثة، أو تقليدية، إذا تضافرت جميعا يمكن أن يكون لها التأثير الفعال في زمن قياسي.
والوقت والعمل جزء من العلاج بعدما استغل الأعداء شتى الوسائل الممكنة لتربية الشعوب على السكون والدعة، وإيثار راحة النفس على البذل والتعب لأجل الآخرين، فقد يحتاجون زمنا ليتفاعلوا مع الوسائل العملية الحركية القوية التي تقلق الأنظمة المستبدة؛ بل كانت سببا في سقوطها في عدد من دول العالم.
الأمر التاسع:
المظاهرة في اللغة:
المعاونة. والتظاهر: التعاون. واستظهر به: استعان به. والظهير: العون. وظاهر عليه: أعان. وظهر عليه: قوي عليه وغلبه. وظاهره: عاونه. والمظاهرة من الظهر لأن الظهر موضع قوة الشيء في ذاته.
الأمر العاشر:
المظاهرة اصطلاحا:
معاونة من استنصر بإخوانه من المسلمين لرفع ظلم أو ضرر واقع عليه.
الأمر الحادي عشر:
الأدلة من القرآن الكريم على أن المظاهرة وسيلة مشروعة:
1- قوله تعالى: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير " .
فقوله تعالى: " والملائكة بعد ذلك ظهير " يعني : متظاهرون وأعوان له. وهو بمعنى المظاهرة والنصرة والتأييد.
2- قوله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: " قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين " .
يعني: لن أكون معينا لمن أدت معاونته إلى جُرْم. وقيل معناه: بما أنعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك .
3- قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " .
واختلف أهل التأويل في (العقود) التي أمر الله جل ثناؤه بالوفاء بها بهذه الآية، بعد إجماع جميعهم على أن معنى (العقود): العهود؛ فقال بعضهم : هي العقود التي كان أهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضاً على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمه أو بغاه سوءاً، وذلك هو معنى (الحلف) الذي كانوا يتعاقدونه بينهم .
4- قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " .
قال عبد الله بن عبيد: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزل قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر " فخرج هو وأصحابه .
الأمر الثاني عشر:
الأدلة من السنة المشرفة:
1- جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جارا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات – " اصبر " ثم قال له في الرابعة أو الثالثة: " اطرح متاعك في الطريق " ففعل؛ قال: فجعل الناس يمرون به ويقولون: ما لك؟ فيقول: آذاه جاره فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاءه جاره فقال: رد متاعك، لا والله لا أوذيك أبدا .
وفي رواية فجاء – الذي آذى جاره - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما لقيت من الناس؟ فقال: " وما لقيت منهم؟ " قال: يلعنونني، فقال: " لقد لعنك الله قبل الناس " قال: إني لا أعود، فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ارفع متاعك فقد كُفْيت " .
وفي رواية صحيحة قال: فاجتمع الناس عليه .
ففي هذه الرواية الصحيحة اجتمع الصحابة في الطريق لنصرة أخيهم المظلوم، ولعنة الظالم؛ حيث جعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم اخزه.
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " .
والحديث استوعب جميع الوسائل الشرعية المتاحة، والمظاهرة من وسائل الإنكار باللسان، كما أنها تضامن بين المسلمين لنصرة المظلوم، فهي بذلك وسيلة قوية جمعت بين الحديثين السابقين؛ حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري.
3- الهجرة كانت مظاهرة لنصرة الحق، وكذلك استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: " وأيدكم بنصره " على الكفار، أو بمظاهرة الأنصار، أو بإمداد الملائكة يوم بدر .
وقد خرج الرجال والنساء والأطفال يوم الهجرة في مظاهرة حاشدة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم وهم يقولون:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
قال ابن كثير: وفي الصحيحين بسندهما عن أبي بكر في حديث الهجرة قال: وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطريق وعلى البيوت، والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد ... .
4- لما أشيع أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قد قتلته قريش يوم الحديبية، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة .
فكانت تلك البيعة تشبه التظاهرة لنصرة عثمان رضي الله عنه، مع أنهم لم يخرجوا للجهاد ولا مستعدين له، وإنما خرجوا للطواف بالبيت الحرام.
فإن قيل كانت تلك بيعة للجهاد ضد الكفار الذين أشيع أنهم غدروا بعثمان، قلنا وتلك لنصرة المسلمين في فلسطين أو العراق أو غيرهما ممن تحقق وتيقن أن العدو من الكفار قد غدر ونكل بهم.
5- في قصة إسلام عمر رضي الله عنه وفيها: فقلت: يا رسول الله ! ألسنا على الحق، إن متنا أو حيينا؟ قال: " بلى " فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن ، فخرجنا في صفين: حمزة في صف، وأنا في صف - له كديد ككديد الطحن - حتى دخلنا المسجد، فلما نظرت إلينا قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط. فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفاروق.
وقال صهيب: لما أسلم عمر رضي الله عنه جلسنا حول البيت حلقاً، فطفنا واستنصفنا ممن غلظ علينا.
وهو معنى قول ابن مسعود: " ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر " .
وهو قوله: " كان إسلام عمر عزا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة. والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر " .
وأثر إسلام عمر هذا قد رواه:
1- أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحاق بن أبي فروة عن ابن عباس كما في الإصابة لابن حجر ( 2 / 512 ) وفتح الباري ( 7 / 55 ) .
2- مسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحوا منه؛ كما في فتح الباري لابن حجر ( 7 / 56 ) و( 7 / 48 ) .
3- والبزار من طريق أسلم مولى عمر عن عمر مطولا، كما في الفتح ( 7 / 55 ).
4- وأبو نعيم في الدلائل ( 1 / 89 ، 80 ).
5- وأبو نعيم في حلية الأولياء ( 1 / 40 ).
6- وابن عساكر في تاريخه ( 52 / 25 ).
7- وأخرجه ابن الجوزي بسنده في كشف المشكل على صحيح البخاري (3 / 83 ) من طريق أبي نعيم الأصبهاني وفيه أيضا إسحاق بن أبي فروة.
8- كما أن هذا الأثر أورده مُسلِّما به كل من:
أ‌- ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب ( ص 13 ).
ب‌- وابن الجوزي أيضا في صفة الصفوة ( 1 / 272 ، 273 ).
ت‌- والسيوطي في تاريخ الخلفاء.
ث‌- وبدء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد الوهاب.
ج‌- والمباركفوري في الرحيق المختوم ( ص 126 ) .
أما عن صحة هذا الأثر:
1- فقد ضعف الذهبي رواية ابن عباس كما في تاريخ الإسلام ( 2 / 45 ) دون أن يبين سبب ضعف، فلعل تضعيفه لوجود إسحاق ابن أبي فروة فقد قال فيه: ( لم أجد من مشاه ) .
2- وأما إسحاق بن أبي فروة الذي في رواية تاريخ ابن أبي شيبة:
فهو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المدني مولى عثمان ( ت: 144ه )؛ فقد قال فيه البخاري: تركوه، وقال أحمد: لا يكتب حديثه ولا تحل الرواية عنه ونفض يده وضعفه وأنكره.
ومع هذا فليس متفق على تركه؛ فقد روى له الإمام الترمذي وقال: تركه بعض أهل العلم. كما روى له أبو داود في سننه، وهو القائل في رسالته إلى أهل مكة: ( ليس في "كتاب السنن" الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر) .
3- بينما قال ابن حجر عن رواية مسدد: وسنده صحيح، وهو شاهد جيد لحديث ابن عباس لكون مخرجه عن آل علي رضي الله عنهم .
وبتصحيح ابن حجر لهذا الأثر تكون المظاهرات سنة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلاء الحق ومواجهة الباطل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.