أخنوش يجتمع مع رئيس "هيئة النزاهة"    استقبال ملكي وشعبي لأشبال الأطلس غدًا الأربعاء بعد تتويجهم بكأس العالم لأقل من 20 سنة    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    "اللبؤات" يسقطن في ثاني مواجهة أمام إيطاليا في "مونديال الناشئات"    الملك يستقبل غدا "منتخب الأشبال"    مشاركة منتدى الصحراء للحوار والثقافات في المؤتمر الدولي بمدينة الصويرة    مشروع قانون مالية 2026 .. إحداث أزيد من 36 ألف منصب شغل بالادارات    الممثل عبد القادر مطاع يودع الدنيا عن 85 سنة    تقرير برلماني: ربع المغاربة ما زالوا أميين رغم تعدد البرامج الحكومية لمحاربة الأمية    المغرب: عجز ميزانية متوقع في حدود 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2026 (تقرير)    رحيل قامة فنية مغربية: عبد القادر مطاع في ذمة الله    المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة يتعادل ودّيا مع نظيره الاسباني (3-3 )    الصحراء المغربية.. بولونيا تعتبر مخطط الحكم الذاتي بمثابة "الأساس الجاد والواقعي والبراغماتي من أجل تسوية دائمة"    35 قتيلا و3444 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع الماضي    الملحمة الأوروبية تعود من جديد : ريال مدريد ويوفنتوس يشعلان المنافسة الأسطورية لعشّاق الكرة في المغرب    ريال مدريد "منبهر" بعثمان معما.. ويواصل متابعة موسمه مع واتفورد    ارتفاع ليالي المبيت السياحي بالصويرة    ارتفاع حرارة الأرض يعيد تشكيل خريطة الأمطار في إفريقيا خلال العقود القادمة    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    أكد أنه سيواصل الكشف عن التحامل ضده .. نيكولا ساركوزي يدخل السجن في سابقة بفرنسا    أشادت بولونيا ب"الإصلاحات العديدة، الطموحة"، التي يتم تنفيذها في المغرب تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله    عبد اللطيف لوديي ومحمد بريظ يستقبلان قائد القيادة الأمريكية لإفريقيا «أفريكوم»    أي اتحاد نريد…. وأي اتحاد يريدون؟    بعد تسجيل مستويات قياسية.. الذهب يشهد أسرع تراجع منذ سنوات    الأخضر يغلق تداولات بورصة البيضاء    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    ترويج الكوكايين يطيح بشخصين في تطوان    بين الأعلام والمطالب.. الجيل الذي انتصر في الملعب واتُّهم في الشارع    رابطة ترفض "إقصاء الفيلم الأمازيغي"    بين "أوتيستو" و"طريق السلامة" .. المهرجان الوطني للفيلم يستقبل الهامش    أبطال الجاليات العربية يخوضون نهائيات الدورة التاسعة من "تحدي القراءة"    رئيس المخابرات المصرية يلتقي نتانياهو في القدس وبرنامج الأغذية العالمي يدعو إلى فتح كل المعابر ل"إنقاذ أرواح"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    المغرب يرفع "ميزانية الدفاع" إلى 157 مليار درهم    الحكومة تمدد إعفاءات استيراد الأبقار وتضاعف الحصة إلى 300 ألف رأس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    "لارام" تدشن خطا مباشرا بين الدار البيضاء وميونيخ    بعد التتويج بكأس العالم.. هل خسر المغرب موهبة القرن أم ربح مشروعاً يصنع الأبطال؟    كنزة الغالي.. سفيرة بروح وطنية عالية تجسد الوجه المشرق للمغرب في الشيلي    إسرائيل تؤكد تسلم جثة ضابط صف    المغاربة يترقبون ممراً شرفياً لكأس العالم للشباب في الرباط...    رياضي سابق يفارق الحياة في مقر أمني بأمريكا    القصر الكبير : حجز أزيد من 30 كيلوغراما من مادة محظورة داخل مرايا معدة للتصدير    كيوسك الثلاثاء | مشروع قانون المالية لسنة 2026 يكشف عن خطة الحكومة للتشغيل    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة    السكوري: نظام التكوين بالتدرج المهني مكن من توفير 39 ألف منصب شغل خلال شهري غشت وشتنبر    تاكايشي أول رئيسة للوزراء باليابان    الصين تدعو الولايات المتحدة لحل الخلافات التجارية عبر الحوار    عن أي سلام يتحدثون؟    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية تأصيلية لمشروعية المظاهرات

لقد كثر التساؤل من كثير من الإخوة المهتمين بشؤون المستضعفين و المقهورين ، بموضوع المظاهرات السلمية التي تقوم بغرض نصرة أهل الحق في شتى بقاع العالم، أو للتصدي للظلم والظالمين.
ومع أن الموضوع بديهي وفطري وشرعي من أول وهلة، إلا أن هناك من حرمها وجرمها ووصف من يقومون بها بالخوارج، وهؤلاء لما كان الإعلام يضيفهم إلى العلم، وجعل لهم جمهورا من عامة الناس يتلقون عنهم ويثقون فيهم دون بحث أو تمحيص، جعلهم ذلك يتمادون في إصدار الفتاوى دون ضابط أو تمييز، مما وسمهم غالبا بقلة العلم وضعف الفهم معا، وهؤلاء المتعالمون لا يقلون خطرا على الأمة من أعدائها الظاهرين؛ لأنهم يسيرون في خط تجريم كل ما فيه حركة أو عمل أو كلمة تتصدى لأعداء الأمة، أو تفضح الأنظمة الفاسدة العميلة، بل يبررون لها أفعالها ومواقفها المخذلة .
أما عن مشروعية المظاهرات السلمية فهي وسيلة واجبة على من استطاع من المسلمين في التصدي للظلم والعدوان والمطالبة بالحقوق، إن لم توجد وسيلة أخرى أقوى وأشد تأثيرا.
وتفصيل ذلك في أمور:
الأمر الأول:
حرية التعبير عن الرأي:
فالإسلام كفل لأهله حرية التعبير عن الرأي، والمطالبة بالحقوق، الدينية والدنيوية، مما يحقق مصالح المسلمين، ويلبي احتياجاتهم؛ بل التعبير عن الرأي يعد من فروض الكفاية التي إن قام بها البعض سقطت عن الباقين، وهذا داخل لا محالة في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما تحمله من ضوابط وقيود شرعية تؤدي إلى أفضل النتائج دون إحداث ضرر بمصالح المجتمع، أو تَعَدِّ على حدود الشرع، أو تساهل وتفريط فيها.
كما أن هذا من النصيحة الواجبة لحديث تميم بن أوس الداري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة " قلنا: لمن؟ قال: " لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم " .
الأمر الثاني:
نصرة المظلومين:
فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى برفع الظلم وإحقاق الحق وسمى ذلك نصرا " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم " .
وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بنصرة إخواننا المظلومين – يشمل ذلك المسلمين في كل بقاع الأرض – فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " قيل: يا رسول الله! هذا ننصره مظلوما، فكيف أنصره ظالما!؟ قال: " تكفه عن الظلم " .
الأمر الثالث:
التغيير إلى الأفضل:
نحن مأمورون شرعا بالتغيير إلى الأفضل، وعدم الرضا أو السكوت على الفساد والمعاصي والظلم، وإلا أصابنا الله بالخذلان في الدنيا، والنيران في الآخرة؛ فقد جاء في التنزيل: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " وقال تعالى: " واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب " .
لذا قال صلى الله عليه وسلم: " إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه، يوشك أن يعمهم الله بعقابه " ، وفي رواية لأبي داود: " إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يُغَيِّروا عليهم ولا يغيروا، إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا " .
وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم لتدعنَّه ولا يستجاب لكم " .
الأمر الرابع:
التغيير الجماعي:
لا شك أن الأصل في الدعوة والتغيير إنما يكون بالعمل الجماعي لا بالمجهود الفردي، وهذا معنى قوله تعالى: " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " ، وفي حديث السفينة قال صلى الله عليه وسلم: " فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجُّوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " .
الأمر الخامس:
المصالح المرسلة:
إذا اعتبرنا جدلا أن المظاهرات لم يشهد لها الشرع بإبطال ولا باعتبار معين؛ فهي داخلة في المصالح المرسلة؛ حيث تجلب النفع، وتدفع الضر عن المسلمين؛ فالأصل في تكاليف الشريعة أنها ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق؛ ضرورية كانت أم حاجية، أم تحسينية.
والمطالبة بحقوق المسلمين المغتصبة، ورفع الأذى الواقع عليهم، ورد العدوان عنهم، وتذكيرهم بحقوقهم، وتنبيه الحكام إلى حقوق المواطنين، ودعوتهم للإصلاح، ومحاربة مظاهر الفساد؛ لا شك أن ذلك كله جلب للمنافع ودفع للمضرات، فهو داخل في المصالح المرسلة التي اعتمدها الإمام مالك كثيرا في مذهبه.
وبدون هذه المظاهرات يتأكد عبث الحكومات الظالمة بمقدرات الشعوب، وعدم مبالاتها بتوفير حاجاتهم وضرورياتهم.
كما يتأكد استبداد أعداء الإسلام المحتلين لبلادنا، إذا استنامت الشعوب ولم تنتفض لتحرير بلادها، ومن لا يملك السلاح لقتال المحتلين المغتصبين، فإنه لا يعدم التظاهر وشحذ همم المسلمين في كل مكان حتى تظل قضاياهم حيَّة لا تموت، وحتى تتوفر لهم أسباب النصر والتمكين بإذن الله تعالى.
الأمر السادس:
الوسائل متجددة غير جامدة:
لا تتحقق النصيحة أو النصرة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتغيير إلى الأفضل إلا بوسائل، والوسائل من قبيل العادات، تختلف من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، وللوسائل حكم المقاصد، ولم ينص الشرع على وسائل بعينها في كل الأمور، ولا حرم سواها من الوسائل المستحدثة.
كما أن الوسائل المستحدثة وإن كانت بدعا بالمعنى اللغوي العام، إلا أنها ليست بدعا شرعا ما دامت فرضتها الحاجة ولم تخرج عن مقاصد الشريعة؛ بل هي الوعاء الذي به يُظهر الناسُ التزامهم بأوامر الشرع ونواهيه.
كما سيأتي كيف اعتمد السلف الصالح التواعد على التجمع ضد الخلفاء الفاسدين الظالمين، دون إنكار من أئمة الأمة، بل استحسنوا فعلهم وسردوه في مناقبهم.
وعليه فليست المظاهرات تقليدا أعمى للغرب، فهي ليست في حد ذاتها عبادة، ولكنها أصبحت واجبة لأنها الوسيلة الأقوى لتغيير المنكر ونصرة المظلومين، وقد أعلن الشهيد عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله تعالى: أن مظاهرة واحدة تخرج في الإسكندرية لتأييدنا تبث الأمل والفرحة فينا أكثر من عملية استشهادية في قلب تل أبيب.
الأمر السابع:
ضوابط الوسائل:
لا بد في الوسائل من ضوابط تجعلها متفقة مع الشريعة ومقيدة بها غير متضاربة معها أو خارجة عليها، ومن هذه الضوابط:
1- عدم مخالفة الشرع بأدلته وقواعده الكلية.
2- أن يكون الهدف الذي قامت من أجله الوسيلة مشروعا غير ممنوع.
3- ألا يترتب عليها مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
4- إذا اتصفت الوسيلة بهذه المواصفات فإنها تنزل منزلتها من حيث الوجوب أو الاستحباب أو الندب حسب قيمة الهدف الموصلة إليه، والظرف المؤدي إليها، فرب وسيلة تكون واجبة في موقف، لكنها محرمة في غيره.
الأمر الثامن:
فاعلية المظاهرات:
قد يرى البعض أن المظاهرات وسيلة غير فاعلة، فالأولى تركها.
هذه نظرة غير صائبة، بدليل سقوط عدد من الأنظمة المستبدة في العالم عن طريقها، كما أنها أقلقت العيد من النظم الفاسدة؛ لذا تصر على محاربتها وقمعها.
وإنما آتت المظاهرات أكلها ونجحت في العالم الغربي اليوم دون العالم الإسلامي؛ لأنها أصبحت هناك وسيلة مكتسبة بمرور الزمن، والنضال المستمر، والتضحية، وتكاتف فئات المجتمع من علماء وساسة ومهنيين وعمال.
كما أنهم لم يجدوا من رجال الدين الموظفين لدي الحكومات من يُؤْثِرُ لهم الدَّعَةَ والخُمُول، والبعد عن إقلاق النظام، بخاصة من يفسرون المظاهرات على أنها خروج على الحاكم، وكأن الحاكم عندهم نبي مرسل تجب طاعته وإن أمر بالمنكر ونهى عن المعروف، وجند كل وسائله لتبديل شرع الله، وحارب الدعاة، واعتقل العلماء، وباع الوطن، وحالف الأعداء المعلنين الحرب على الإسلام، وخذل إخواننا المستضعفين في كل مكان، ونسوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف " .
كما أن المظاهرات السلمية ليست الوسيلة الوحيدة للتغيير والإصلاح، فهناك وسائل عديدة تربوية، وحركية، معلنة، أوخفية مستحدثة، أو تقليدية، إذا تضافرت جميعا يمكن أن يكون لها التأثير الفعال في زمن قياسي.
والوقت والعمل جزء من العلاج بعدما استغل الأعداء شتى الوسائل الممكنة لتربية الشعوب على السكون والدعة، وإيثار راحة النفس على البذل والتعب لأجل الآخرين، فقد يحتاجون زمنا ليتفاعلوا مع الوسائل العملية الحركية القوية التي تقلق الأنظمة المستبدة؛ بل كانت سببا في سقوطها في عدد من دول العالم.
الأمر التاسع:
المظاهرة في اللغة:
المعاونة. والتظاهر: التعاون. واستظهر به: استعان به. والظهير: العون. وظاهر عليه: أعان. وظهر عليه: قوي عليه وغلبه. وظاهره: عاونه. والمظاهرة من الظهر لأن الظهر موضع قوة الشيء في ذاته.
الأمر العاشر:
المظاهرة اصطلاحا:
معاونة من استنصر بإخوانه من المسلمين لرفع ظلم أو ضرر واقع عليه.
الأمر الحادي عشر:
الأدلة من القرآن الكريم على أن المظاهرة وسيلة مشروعة:
1- قوله تعالى: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير " .
فقوله تعالى: " والملائكة بعد ذلك ظهير " يعني : متظاهرون وأعوان له. وهو بمعنى المظاهرة والنصرة والتأييد.
2- قوله تعالى عن نبيه موسى عليه السلام: " قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين " .
يعني: لن أكون معينا لمن أدت معاونته إلى جُرْم. وقيل معناه: بما أنعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك .
3- قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " .
واختلف أهل التأويل في (العقود) التي أمر الله جل ثناؤه بالوفاء بها بهذه الآية، بعد إجماع جميعهم على أن معنى (العقود): العهود؛ فقال بعضهم : هي العقود التي كان أهل الجاهلية عاقد بعضهم بعضاً على النصرة والمؤازرة والمظاهرة على من حاول ظلمه أو بغاه سوءاً، وذلك هو معنى (الحلف) الذي كانوا يتعاقدونه بينهم .
4- قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " .
قال عبد الله بن عبيد: ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزل قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر " فخرج هو وأصحابه .
الأمر الثاني عشر:
الأدلة من السنة المشرفة:
1- جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه جارا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم – ثلاث مرات – " اصبر " ثم قال له في الرابعة أو الثالثة: " اطرح متاعك في الطريق " ففعل؛ قال: فجعل الناس يمرون به ويقولون: ما لك؟ فيقول: آذاه جاره فجعلوا يقولون: لعنه الله، فجاءه جاره فقال: رد متاعك، لا والله لا أوذيك أبدا .
وفي رواية فجاء – الذي آذى جاره - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما لقيت من الناس؟ فقال: " وما لقيت منهم؟ " قال: يلعنونني، فقال: " لقد لعنك الله قبل الناس " قال: إني لا أعود، فجاء الذي شكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ارفع متاعك فقد كُفْيت " .
وفي رواية صحيحة قال: فاجتمع الناس عليه .
ففي هذه الرواية الصحيحة اجتمع الصحابة في الطريق لنصرة أخيهم المظلوم، ولعنة الظالم؛ حيث جعلوا يقولون: اللهم العنه، اللهم اخزه.
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان " .
والحديث استوعب جميع الوسائل الشرعية المتاحة، والمظاهرة من وسائل الإنكار باللسان، كما أنها تضامن بين المسلمين لنصرة المظلوم، فهي بذلك وسيلة قوية جمعت بين الحديثين السابقين؛ حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري.
3- الهجرة كانت مظاهرة لنصرة الحق، وكذلك استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: " وأيدكم بنصره " على الكفار، أو بمظاهرة الأنصار، أو بإمداد الملائكة يوم بدر .
وقد خرج الرجال والنساء والأطفال يوم الهجرة في مظاهرة حاشدة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم وهم يقولون:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
قال ابن كثير: وفي الصحيحين بسندهما عن أبي بكر في حديث الهجرة قال: وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطريق وعلى البيوت، والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد ... .
4- لما أشيع أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قد قتلته قريش يوم الحديبية، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة .
فكانت تلك البيعة تشبه التظاهرة لنصرة عثمان رضي الله عنه، مع أنهم لم يخرجوا للجهاد ولا مستعدين له، وإنما خرجوا للطواف بالبيت الحرام.
فإن قيل كانت تلك بيعة للجهاد ضد الكفار الذين أشيع أنهم غدروا بعثمان، قلنا وتلك لنصرة المسلمين في فلسطين أو العراق أو غيرهما ممن تحقق وتيقن أن العدو من الكفار قد غدر ونكل بهم.
5- في قصة إسلام عمر رضي الله عنه وفيها: فقلت: يا رسول الله ! ألسنا على الحق، إن متنا أو حيينا؟ قال: " بلى " فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن ، فخرجنا في صفين: حمزة في صف، وأنا في صف - له كديد ككديد الطحن - حتى دخلنا المسجد، فلما نظرت إلينا قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط. فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفاروق.
وقال صهيب: لما أسلم عمر رضي الله عنه جلسنا حول البيت حلقاً، فطفنا واستنصفنا ممن غلظ علينا.
وهو معنى قول ابن مسعود: " ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر " .
وهو قوله: " كان إسلام عمر عزا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة. والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر " .
وأثر إسلام عمر هذا قد رواه:
1- أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحاق بن أبي فروة عن ابن عباس كما في الإصابة لابن حجر ( 2 / 512 ) وفتح الباري ( 7 / 55 ) .
2- مسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحوا منه؛ كما في فتح الباري لابن حجر ( 7 / 56 ) و( 7 / 48 ) .
3- والبزار من طريق أسلم مولى عمر عن عمر مطولا، كما في الفتح ( 7 / 55 ).
4- وأبو نعيم في الدلائل ( 1 / 89 ، 80 ).
5- وأبو نعيم في حلية الأولياء ( 1 / 40 ).
6- وابن عساكر في تاريخه ( 52 / 25 ).
7- وأخرجه ابن الجوزي بسنده في كشف المشكل على صحيح البخاري (3 / 83 ) من طريق أبي نعيم الأصبهاني وفيه أيضا إسحاق بن أبي فروة.
8- كما أن هذا الأثر أورده مُسلِّما به كل من:
أ‌- ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب ( ص 13 ).
ب‌- وابن الجوزي أيضا في صفة الصفوة ( 1 / 272 ، 273 ).
ت‌- والسيوطي في تاريخ الخلفاء.
ث‌- وبدء سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد الوهاب.
ج‌- والمباركفوري في الرحيق المختوم ( ص 126 ) .
أما عن صحة هذا الأثر:
1- فقد ضعف الذهبي رواية ابن عباس كما في تاريخ الإسلام ( 2 / 45 ) دون أن يبين سبب ضعف، فلعل تضعيفه لوجود إسحاق ابن أبي فروة فقد قال فيه: ( لم أجد من مشاه ) .
2- وأما إسحاق بن أبي فروة الذي في رواية تاريخ ابن أبي شيبة:
فهو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المدني مولى عثمان ( ت: 144ه )؛ فقد قال فيه البخاري: تركوه، وقال أحمد: لا يكتب حديثه ولا تحل الرواية عنه ونفض يده وضعفه وأنكره.
ومع هذا فليس متفق على تركه؛ فقد روى له الإمام الترمذي وقال: تركه بعض أهل العلم. كما روى له أبو داود في سننه، وهو القائل في رسالته إلى أهل مكة: ( ليس في "كتاب السنن" الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينت أنه منكر) .
3- بينما قال ابن حجر عن رواية مسدد: وسنده صحيح، وهو شاهد جيد لحديث ابن عباس لكون مخرجه عن آل علي رضي الله عنهم .
وبتصحيح ابن حجر لهذا الأثر تكون المظاهرات سنة فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلاء الحق ومواجهة الباطل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.