شهدت جوهرة الشمال "أصيلة"، مساء يوم أمس الخميس 11 نونبر من الشهر الجاري، الاحتفاء بالصحافي "محمد البريني" ضمن فعاليات مهرجان أصيلة الدولي في دولته 42، والممتد ما بين 29 أكتوبر من الشهر الماضي و18 نونبر الجاري. محمد بن عيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، أكد خلال كلمته:" أن تخليد ذكرى هذا اليوم يعتبر أكبر حدث وقع في موسم أصيلة الثقافي الدولي منذ نشأته"، إذ سيتم تسمية القاعة التي احتضنت اللقاء في مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية باسم "محمد البريني"، وهو المركز الذي دشنه الملك محمد السادس عندما كان وليا للعهد. وزير الخارجية السابق "محمد بن عيسى"، أكد أن اختيار البريني لتكريمه في هذه الدورة أملته "اعتبارات موضوعية تتعدى الشخص الذي يستحق وحده التنويه بصفاته الإنسانية، ليشمل التكريم أسرة ورموز الصحافة والإعلام بالمغرب، باعتبارها ركيزة لازمة لأي نهضة مجتمعية.". واعتبر رئيس المجلس الجماعي لأصيلة "ين عيسى"، أن تجربة لبريني في مجال الصحافة تعد تجربة "متفردة في سجل وتاريخ الصحافة المغربية، اعتمد فيها على إمكانياته الذاتية مستفيدا من نجاحات وإخفاقات الذين ساروا قبله في درب الصحافة الحزبية، وحيث تتعارض المواقف والانضباط الحزبي مع الضمير المهني، حيث يجد الصحفي نفسه حائرا بين إرضاء القارئ والحقيقة أو الدفاع بل التستر على موقف المؤسسة الحزبية". استرسل بن عيسى في تدخله، أن هذه الخيمة التكريمية للبريني تستحضر "جهاد إنسان مغربي آمن برسالة، وسبيل في العمل مستمر إلى اليوم. إنسان نزيه بكافة معاني الكلمة، مع النفس والأهل والأحباب والعمل والدولة". من جهته أكد خليل الهاشمي الإدريسي، المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المحتفى به "شخصية قوية مبنية على ثقافة الجنوب الشرقي للمغرب، متزن في مواقفه وفي تعامله مع الأحداث، معروف عنه الثبات في المواقف والالتزام بالمبادئ، متشبع بثقافة ديموقراطية وبحس الحوار وحسن تبادل الأفكار واختيار توقيت التعبير عنها". وأكد ذات المتدخل، أي -خليل الهاشمي الإدريسي-، إلى أن محمد البريني مناضل يساري اشتراكي له فكر تقدمي يعبر عنه بطريقة منفتحة وحداثية تراعي التطور الملحوظ الذي يعيشه المغرب في احترام تام للخصوصية المغربية.
محمد الأشعري،وزير الثقافة السابق، والصحفي الذي مر بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" ، إعتبر وفاء البريني "منقطع النظير" لأفكاره السياسية، و"وفائه الصوفي" لشغفه بالصحافة. وكشف الأشعري في معرض حديثه، أنه في فترة إدارة البريني ليومية "الاتحاد الاشتراكي ، "على نحو غير متوقع بين 1983 و1995 صارت الجريدة أكبر من الحزب"، قبل أعراض عودة الفقيه البصري إلى المغرب التي كانت تعبيرا عن "أزمة أعمق"، في الفترة التي سبقت التناوب التوافقي وكان يريد فيها كل من القادة "إحكام قبضته على هذا التحول؛ في إطار ديمقراطية الأنبياء المستمرة إلى اليوم: ساعات من النقاش، ليس قبل اتخاذ القرار، بل قبل التفويض جملة وتفصيلا للقيادة التي تتخذ القرار." وإعتبر الأشعري معلقا: "كل السنوات التي بذلها في بناء مؤسسة صحافية حديثة لم تصمد أمام البنية التقليدية للحزب (...) ثم لما أراد الانطلاق لتأسيس الجريدة المستقلة، طلبت منه عدم الاستشارة مع الكاتب الأول للحزب عبد الرحمن اليوسفي، لكنه فعل (...) ورفض القائد طبعا، لكنه أنشأها مع ذلك.". وقال رئيس المجلس الوطني للصحافة "يونس مجاهد"، "احتضنت من الجريدة والحزب (الاتحاد الاشتراكي)، وعلى رأس من احتضنوني محمد البريني مدير الجريدة ومحمد الأشعري مدير مكتب الرباط ومصطفى العراقي رئيس قسم القضايا الوطنية، دعموني بشكل كبير في مساري ولا يمكن أن أنسى دعمهم وسندهم وأخوتهم". وتحدث يونس مجاهد عن دفع البريني الجريدة ل"تجاوز الإكراهات الحزبية، ولو أنه من الحزب"، وقدم مثالا ب"الملف الصعب لمجزرة 1977′′ التي كانت "محاكمة صورية بكل المعاني" لمعتقلي "إلى الأمام"، وهو ما خلق نشره "مشكلا مع الحزب"، إضافة إلى عدد من التحقيقات والقضايا التي "عولجت بجرأة". وإعتبر ذات المتدخل، أن البريني قد سعى مع من عملوا معه إلى الدفع نحو "الحقيقة والموضوعية والتواصل مع قضايا المجتمع"، ب"صحافة حداثية ديمقراطية"، حتى صارت "الجريدة أكبر من الحزب. عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية مدير نشر "العلم"، عن إشراف البريني على "انتقال أجيال" في الوسط الإعلامي عندما أسس "الأحداث المغربية"، وتطرق إلى ما أثارته من "طابوهات الجنس والدين وغيرها" التي "فتحت النقاش المجتمعي، وأعطتنا في جريدة العلم الحزبية نفسا للكتابة". وأضاف البقالي، فيما يخص القضايا الكبرى التي كان يواجهها الإعلام بعد الاستقلال من رقابة قبلية، واستمرار للصحافة الاستعمارية... قال البقالي إن هذه مهمة لم يكن ليقدر الصحافيون المنعزلون عن الأحزاب على القيام بها، فقد كانت "تحتاج رجالا ونساء لهم سند، فهم يواجهون مخاطر سياسية وليست مهنية أما ما نور الدين مفتاح، رئيس فيدرالية الناشرين ، فتطرق إلى "الاختلافات" في الميدان، التي "لم يستطع إلا البريني جمعها" في لقائه التكريمي بدعوة من مؤسسة منتدى أصيلة، ودعا إلى استثمار هذه اللحظة من أجل "رأب الصدع". وفي حديث عن جريدة "الاتحاد الاشتراكي" التي اشتغل بها، ذكر مفتاح أنها كانت "صحافة مناضلين همومهم أكبر من المهنة، والفكرة كانت أكبر، وكان الحديث عن المهنية عيبا". عبد اللطيف بن صفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، تحدث عن محمد البريني الذي كان حاضرا في مخيلته، لما كان طالبا صحافيا، ثم باحثا في الإعلام، وكان من "الرموز التي تسكننا" حول "الصحافة الوطنية، ونضالاتها، ومعاركها". واسترسل قائلا: "محمد البريني، فارس المعارك الصحافية بامتياز. تجلت مشاركته في ملاحم عديدة، كممثل للصحافة الوطنية من جهة أولى، وكممثل لصحافة اليسار المعارض من جهة ثانية، وكممثل للصحافة اليومية المستقلة من جهة ثالثة"، كما تطرق إلى جانبه الروائي، الذي اختار فيه رواية "قصص معاناة الصحافيين وجحيم الصحافة خلال سنوات الرصاص بقالب فكاهي (الطاحونة – قصص من زمن الرقابة)"، ف"صرامته الظاهرة لا تضاهيها سوى خفة دمه الخفية" وتحدث منسق اليوم التكريمي، الصحفي والباحث جمال المحافظ، عن حضور البريني في "المحطات المفصلية لتاريخ الصحافة ببلادنا"، من تجربته في التدريس، وإسهاماته القصصية التي كانت أول ما نشره في الصحافة، إلى مساره الإعلامي الذي عين إثره مديرا لصحيفة "الاتحاد الاشتراكي" ليجعلها "تتصدر المشهد الصحافي لمدة عقدين"، علما أنه "مع التزامه السياسي الذي لم يكن يخفيه، لم يرد تحويلها إلى منشور سياسي يبيع صور الزعماء على حساب وظيفة الإعلام". من جهته، اعتبر السيد محمد برادة، الإعلامي والرئيس المدير العام لشركة سابريس سابقا، أن المحتفى به تميز على طول مساره المهني ب "رفع التحديات بجرأة الملتزم بقضايا الوطن"، منوها بخوض البريني مغامرة الانتقال من الصحافة الحزبية إلى الصحافة المهنية بقوة وجدية وإخلاص ومصداقية، وذلك بفضل ما يتميز به من مصداقية وخبرة وحكمة. أمام عريس الحفل التكريمي "محمد البريني"، عبر عن سعادته الكبيرة و"خجله الأكبر" الحديث عن مواطن ارتكب فيها أخطاء في تقديراته المهنية وطلب السماح والمغفرة. وبعد تسميته جميع من تدخلوا في تكريمه، توجه البريني إليهم بالحديث قائلا: "لكم علي الكثير من الأفضال، وتعلمت منكم الكثير، ولم يكن ما حدث ليحدث لو لم ألتق بكم، في مسيرة طويلة، ومن مواقع مهنية مختلفة (...) قضيت فيها مع كل واحد منكم زمنا مهنيا مفعما بالمودة والتعاضد والصدق في خدمة القضايا الكبرى لوطننا، وصحافتنا الوطنية".