يُعرّف اضطراب الاكتناز القهري (Compulsive Hoarding) بالإفراط في تكديس الأشياء والصعوبة الكبيرة في اتخاذ قرار، بشأن التخلص من الممتلكات الشخصية غير الضرورية، ويعود ذلك إلى الشعور المستمر بالحاجة لاستخدام هذه الأشياء فيما بعد. يُواجه الأشخاص المصابون بهذا النوع من الاضطراب غالبا ظروف معيشية صعبة، حيث تتراكم الأشياء غير الضرورية في منازلهم بشكل مزعج، ما يجعلها غير مريحة ومليئة بالفوضى.
كما أنّ بعض المصابين بهذا الاضطراب يميلون للاحتفاظ بالعشرات، بل وأحيانا المئات من الحيوانات الأليفة في منازلهم، بالرغم من عدم قدرتهم على العناية بها بالشكل الصحيح.
تتراوح نسبة اضطراب التكديس لدى المصابين به بين المتوسطة والحادة، ففي بعض الحالات قد لا يظهر تأثيره على المصاب بشكل مباشر، وفي حالات أُخرى قد يؤثر المرض على أداء المُصاب به في حياته اليومية، وتتلخص أعراضه فيما يلي:
- العجز عن التخلي عن الأشياء بغض النظر عن قيمتها، ودواعي استخدامها من قبل المريض أو أحد أفراد عائلته.
- التعلق المُفرط بالممتلكات لدرجة عدم السماح للآخرين باستخدامها أو استعارتها لبعض الوقت، أو عدم تَقبّل المريض فكرة مغادرة المنزل أي شيء من الأشياء الموجودة فيه.
- انتشار الفوضى في جميع أرجاء منزل المصاب بالاضطراب، ما يجعل بعض الأماكن فيه غير صالحة لإنجاز بعض المهام، كطهي الطعام في المطبخ أو استعمال الحمام للاستحمام.
- الاحتفاظ بأكوام من الصحف والمجلات ورسائل البريد.
- ترك الطعام والقمامة يتراكمان بشكل مفرط وغير اعتيادي.
- الاستحواذ على أشياء عديمة الجدوى، مثل المناديل الورقية الموجودة في المطعم أو الشعر المتساقط أو العملة البالية.
- صعوبة تنظيم الأنشطة اليومية واتخاذ القرارات، بسبب المماطلة والتسويف.
- الشعور الدائم بالإحراج أمام الآخرين.
- انعدام التفاعل الاجتماعي مع أفراد المجتمع.
وقد بينت بعض الدراسات أنه عادةً ما يحتفظ الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب وتكديس الأشياء عديمة الفائدة للأسباب التالية: - يعتقد هؤلاء أنهم سيحتاجون إلى استعمال هذه الأشياء في المستقبل.
- هم يمنحون أشيائهم أهمية عاطفية كبيرة، حيث تُذكرهم هذه المواد بأوقات سعيدة مرّوا بها، أو حيوانات أليفة ربوها في الماضي وكانت محببة لهم.
- يتسلل إليهم الشعور بالأمان، عندما تحيط بهم كل هذه الأغراض البالية.
يُمكننا تمييز مرض اضطراب التكديس عن هواية جمع الطوابع مثلا، أو جمع طراز معين من السيارات، فمحبو الجمع يعمدون إلى البحث عن أصناف محددة من الأشياء وترتيبها وتصنيفها، ومن ثم عرضها بشكل مُنسّق.
ورغم زيادة حجم الأشياء التي تم تجميعها مسبقا، فإن ذلك لا يُسبب أي نوع من الفوضى في المكان، ولا يؤدي إلى شعور الشخص بالضيق، والذي يُعتبر أحد أعراض اضطراب الاكتناز.
يُمكن لأي شخص أن يصاب باضطراب تكديس الأشياء، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الوضع الاقتصادي للفرد، وبما أنّ هناك كثير من المصابين بهذا المرض لا يلتمسون العلاج، فإنه لا يمكن التكهن بمدى شيوع هذا المرض.
لا يعلم الباحثون بالضبط سبب هذا الاضطراب، إلا أن العديد من المراقبات والدراسات تشير إلى عوامل خطر الإصابة التالية: - العمر: عادة ما تبدأ أعراض هذا الاضطراب بالظهور عند المراهقين، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و 15 عاما، علما بأن هذه الأعراض تزداد سوءا مع التقدم بالعمر، وقد يبدأ الأطفال الأصغر سنا بالاحتفاظ ببعض الأشياء مثل لعبهم المحطمة وأقلام الرصاص المكسورة والأوراق المدرسية القديمة، إلا أن هذا المرض أكثر شيوعا بين البالغين بشكل عام.
- الشخصية: إن طبع هؤلاء المصابين بهذا الاضطراب غالبا ما يتميز بالتردد والحيرة في اتخاذ القرارات، كما أنه لوحظ وجود أعراض اضطرابات نفسية أو إدمان في المكتنزين كالقلق المرضي والاكتئاب وإدمان الكحول.
- العامل الوراثي: حيث يُعتقد أن عامل الوراثة مهم في الإصابة بهذا الاضطراب.
- الأحداث المؤلمة: تُساهم بعض الأحداث الصعبة التي عاشها المريض في تطور أعراض هذا المرض لديه، فالأشخاص الذين مرّوا بأحداث مؤلمة في حياتهم كوفاة أحد أفراد الأسرة أو الطلاق أو الطرد من العمل أو فقدان بعض الممتلكات، قد يكونون عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.
- العزلة الاجتماعية: في كثير من الحالات، يواجه المصابون بهذا المرض عزلة اجتماعية حادة غير أنّ بعضهم يشعرون بالراحة لدى الاحتفاظ بأشيائهم، بسبب إحساسهم المفرط بالوحدة والعزلة.
التشخيص يحتاج أخصائيو الصحة النفسية في تشخيص اضطراب التكديس لدى المريض إلى إجراء تقييم نفسي شامل، حيث يطرحون العديد من الأسئلة على المريض، حول حيازته بعض الأشياء والتخلّص من بعضها الآخر، كما قد يستفسرون عن بعض الأمور العاطفية.
وفي بعض الأحيان، يلزم الأمر إلى إجراء بعض المحادثات مع عائلته وأقاربه. وبحسب الدراسات، يُعتبر اضطراب الاكتناز الأكثر انتشارا بين الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، مثل الوسواس القهري (OCD)، والاكتئاب واضطراب القلق، وبالتالي يتطلب التشخيص الدقيق من قِبل أخصائي الصحة النفسية، طرح بعض الأسئلة لمعرفة ما إذا كان المريض يُعاني من أعراض اضطرابات الصحة العقلية والنفسية الأخرى.
يتعين تشخيص اضطراب الاكتناز لدى المصابين به إلى استيفاء المعايير الواردة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، والتي اعتمدتها الجمعية الأمريكية للطب النفسي، حيث يُستخدم هذا الدليل من قبل أخصائيي الصحة النفسية لتشخيص الأمراض النفسية، ويعتبر المرجع الأول والأساسي في ذلك.
العلاج يُعتبر علاج اضطراب الاكتناز لدى المصابين به تحديا قويا بالنسبة لهم، لأنّ كثيرين منهم لا يُدركون الأثر السلبي لتكديس الأشياء المبالغ فيه على حياتهم، فهم لا يعتقدون أصلا أنهم بحاجة إلى علاج.
إذ أنّ الاحتفاظ بممتلكاتهم أو بالحيوانات الأليفة الخاصة بهم، يُوفر لهم الشعور بالراحة، وحين قيام بعض المقربين منهم بالتخلص منها، تظهر لدى المصابين ردة فعل عكسية تتجلّى في جمع أشياء أُخرى من نفس النوع بسرعة كبيرة، لتلبية الاحتياجات العاطفية المرتبطة بحيازة مثل هذه الأغراض.
ويمكن حصر عملية العلاج في نوعين رئيسيين علاج نفسي وعلاج دوائي، إلى جانب إدراج العلاج السلوكي المعرفي ضمن طرق العلاج الأساسية والأكثر شيوعا لهذا الاضطراب، حيث يقوم المُعالج بالاستفسار من المريض عن السبب الرئيسي الذي يُجبره على تكديس كل هذه الأشياء.
بالإضافة إلى مساعدته في تعلّم أساليب ترتيب وتصنيف الأشياء، لتجنب شغلها مساحات كبيرة، وكيفية اتخاذ القرارات ومهارات التعامل مع الآخرين، ومن مهام المعالج أيضا، زيارة منزل المريض بشكل دوري والمساعدة في إزالة الفوضى منه، وضمان تعلّم المريض أساليب الحفاظ على العادات الصحية المعروفة وتوجيهه لممارسة مهارات الاسترخاء.
ورغم أن العلاج الرئيسي لاضطراب تكديس الأشياء، هو العلاج النفسي، يستمر البحث عن أكثر الطرق فعالية لاستخدام الأدوية في عملية العلاج، فالأدوية الأكثر شيوعا في علاجه هي نوع من مضادات الاكتئاب المسماة، بمثبطات امتصاص السيروتونين الاختيارية (SSRIs).