اقتحم بعض "الاسلامويون" الكاتدرائية القديمة بالكاف بتونس، حيث ارتفعت تكبيراتهم لتملأ هذه المعلمة التاريخية التي تعود إلى القرن السادس الميلادي، قبل دخول الإسلام إلى المنطقة. وهدد الملتحون بتدمير الكاتدرائية التي يعتبرونها كفرا وتجديفا في حق الإسلام. وقالوا أنهم سيؤدون صلاة الجمعة بالموقع قبل تفجيره. وقد اعتصم المتأسلمون بالكنيسة ورفضوا مغادرتها قبل أن يحل محافظ المنطقة بعين المكان حيث استطاع أن يخلي الكاتدرائية من المقتحمين، واعدا إياهم بأنه سيسمح لهم بأداء صلاة الجمعة بها. وتعتبر كنيسة الكاف معلمة اركيولوجية تعود للعهد البيزنطي والتي حظيت باحترام وتعايش في ظل الإسلام في فترة "الفتوحات"، قبل أن تحول إلى مسجد في عهد "المراديين" في القرن 17 عشر. وفي سنة 1966، ونظرا للأهمية العلمية للموقع، تم استرداده، وتم بناء المسجد الكبير سيدي علي ابن صالح الذي تفوق مساحته مساحة الكنيسة بأكثر من عشرة مرات. وتذكرنا هذه الواقعة بحادث تدمير وتفجير تمثال بوذا من طرف طالبان في إقليم باميان الأفغاني. ويذكر أن حركة طالبان قامت، في مارس 2001، بتدمير تماثيل بوذية في جميع أنحاء أفغانستان رغم موجة الاستنكار العالمية. وتشمل التماثيل روائع لا تقدر بثمن من الفن البوذي لعهد ما قبل الإسلام في أفغانستان ومنها تماثيل بوذا العملاقة المنحوتة في الصخر بالقرب من إقليم باميان، ويبلغ ارتفاع أحدها -وهو الأكبر في العالم- 55 مترا. واعتبر المجتمع الدولي آنذاك أن تدميره خسارة للبشرية وجناية لا تغتفر؛ وصورة للهمجية المعاصرة. وحماية للمواقع التاريخية التي تعتبر إرثا للإنسانية جمعاء، فإن البشرية اتفقت لتحقيق مصلحتها العامة على قوانين وقواعد دولية ومدنية قديمة ومعاصرة تؤكد من خلالها على احترام مقدسات الدول والشعوب في حالات السلم والحرب. ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى: اتفاقية «لاهاي» لعام 1954؛ والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، الملحقان الإضافيان لاتفاقية «جنيف» الرابعة الموقعان العام 1977، اتفاقية «فيينا» لعام 1983 بشأن خلافات الدول حول الممتلكات؛ المعاهدات التاريخية المعنية بحماية المدن المقدسة واحترام دور العبادة كمعاهدة باريس 1856 ومعاهدة برلين 1878 والفرمان العثماني 1852... إلخ وبناءً على ذلك فإن جميع مقدسات الأديان والشعوب على امتداد الأرض تحظى بالرعاية والحماية وتجد جميع المنظمات الحقوقية والعلمية تستنفر كل طاقاتها القانونية والعلمية لحمايتها ومعاقبة من يتعرض لها. إلا أن هناك بعض الأشخاص يعتبرون أنفسهم أوصياء على البشر وحماة للدين ومن تم يرون أنهم قيّمين على أرواح الناس وممتلكاتهم وبالتالي فهم يحكمون "بما أنزل الله"، ولا يعيرون لهذه القوانين والاتفاقيات الدولية أي اهتمام. وهم بذلك يجهلون حجم الحروب والتضحيات التي قدمتها الإنسانية للوصول إلى هذا المستوى الحضاري من حوار واتفاق يحتكم إلى العقل وفلسفة الاختلاف.