تعيشُ مدينة "فكيك" منذُ نحو أسبوع على إيقاعِ أحداثٍ متسارعة، خاصةً بمنطقةِ "العرجة أولاد سليمان" الحدودية، الواقعة جنوب شرق المغرب وجنوب غرب الجزائر. ومنطقةُ "العرجة" الحدودية يوجد فيها عشرات الضيعات الفلاحية لمزارعين مغاربة غير بعيدة عن خيامِ الجنودِ الجزائريين الذين أمهلوهم -في خطوة مفاجئة- حتى يوم غدٍ الخميس 18 مارس، كحدٍ أقصى لمغادرةِ أراضيهم وما فيها من نخيلٍ و محصولِ تمر دون تعويض. تصرفُ السلطاتِ الجزائرية أثارَ غضبَ وحنقَ سكان منطقة "العرجة"، الذين خرجوا للتظاهرِ دفاعاً عن ممتلكاتهم وضدَ ما أسموه ب"سلبِ" الجزائر لضيعاتِهم الفلاحية، بذريعةِ أنها أراضي تابعة للجمهوريةِ الجزائرية. التصرفُ "الاستفزازي" الجزائري، أحدث أيضاً موجة غضبٍ عارمة في وسائلِ التواصل الاجتماعي بالمغرب، خصوصاً حول ملكيةِ هذهِ الأراضي. "العرجة" واتفاقية ترسيم الحدود جغرافياً، تقعُ منطقة "العرجة"، على بعدِ حوالي7 كيلومترات شمال مدينة "فكيك"، وهي تابعة للترابِ الجزائري، بناءً على اتفاقية ترسيم الحدود التي وقعت بين المغرب الجزائر سنة 1972، والتي نُشرت في الجريدة الرسمية للمملكةِ المغربية في يونيو 1992. لكن هناك من يرى أنَّ الاتفاقية لم توضح بالاسم وضع منطقة "العرجة" عكسَ باقي المناطق الحدودية الأخرى التي ذُكرت في نفسِ الاتفاقية. ويرى هؤلاء أيضاً، أن المنطقة وإن كانت تابعة للترابِ الجزائري، إلا أنها في ملكيةِ مواطنين مغاربة منذ سنوات، وظلت متوارثة من جيلٍ إلى جيل. غموضُ الاتفاقية.. عن غموضُ اتفاقية ترسيم الحدود، اعتبر حزبُ "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" عبر فرعهِ ب"فكيك"، أنَّ "الدولةَ المغربية لم تكن واضحة مع ساكنةِ أهلِ فكيك والمغاربة ككل، بخصوصِ ترسيم الحدود بين المغرب والجزائر، حيث بقيت خاضعة للتقلباتِ السياسيةِ بينَ البلدين". وأضافَ الحزبُ في بيانٍ له أنَّ، "القرار المبرم بينَ السلطتينِ المغربية والجزائرية، لا ندري على أي اتفاقيةٍ يستند، علماً أنَّ اتفاقية 1972 إن كانت المعتمدة في أصلها، فهيَ غير واضحة المعالم الحدودية بتاتا"، معتبراً أنَّ، "الدولة المغربية غررت بسكانِ وفلاحي واحة فكيك وورطتهم، إذ تركتهم يستثمرونَ لسنين في أراضٍ قد تنتزع منهم في أية لحظة كما هو الحالُ الآن". ماذا عن الموقف الرسمي المغربي؟ إلى غايةِ يومِ أمس، لم يصدر أي ردٍ رسمي من طرفِ السلطاتِ المغربية حول أزمةِ منطقة "العرجة". ومَعَ هذا الصمتِ الرسمي، استمر المغاربةُ في التساؤلِ والبحثِ عن تفسيرٍ للحادث الذي يتزامنُ مع تردي العلاقاتِ الثنائية بينَ البلدين، إلى أن خرجت عمالة إقليم "فكيك" مساءَ أمسِ ببلاغٍ أعلنت من خلاله أن عامل الإقليم عقد لقاءً بعددٍ من مستغلي الأراضي الفلاحية المتواجدةِ بالمنطقة، "خُصص لتدارسِ الحلول الممكنة للتخفيفِ من تداعياتِ القرار الجزائري على مستغلي هذه الأراضي الفلاحية". منطقة العرجة.. ومخلفات الاستعمار الجزائري عن ملكيةِ أراضي منطقةِ "العرجة"، يرى المؤرخُ والباحثُ بمعهدِ الدراساتِ الإفريقية، المتخصص في تاريخِ الصحراء المغربية، نور الدين بلحداد، أنَّ الجزائريين حاولوا الركوبَ على مخلفاتِ الاستعمار الفرنسي، الذي تدخلَ في هذهِ المناطق المغربية واقتطعها عنوةً من المغرب، وألحقها بمستعمراتِه في الجزائر. واعتبر بلحداد في تصريحهِ لموقع قناة "كاب24تيفي" أن، "اتفاقية 1972 واضحة، ولا يمكن للمغربِ أن يتنازلَ عن شبرٍ من ترابهِ للغير". مضيفاً، أنَّ هناكَ العديد من الوثائقِ التاريخية والحججِ القانونية تثبتُ أن هذه المناطق مغربية. وأشارَ الباحثُ بمعهدِ الدراساتِ الإفريقية، إلى أنَّ المتضررَ من هذهِ الأزمة، هم سكان المنطقة وخاصةً المزارعين. وتابع، " إذا كان الجيش الجزائري قد حدد موعداً لطرد هؤلاءِ الفلاحين، فالمغرب أيضاً سيحددُ تاريخاً للردِ عليه، إن حاول التطاول على حدودِ المغرب". توتر "العرجة".. رد فعل للانتصار المغربي من جهةٍ أخرى، يرى المؤرخُ نور الدين بلحداد أن ما يحدث الآن في منطقةِ "العرجة"، "ما هو إلا عويل ذئاب ضلت الطريق، تحاولُ الركوب على أحداثٍ خلقتها من خيالها، لتمويهِ الحقيقة المرة التي تعيشها الجزائر". معتبراً أنَّ الجارة الشرقية، "تبحث لها عن مخرجٍ من أزمتها السياسية والاقتصادية التي تتخبطُ فيها. ما تفعله الجزائر اليوم سببهُ النتائج المبهرة التي حققتها المملكة المغربية، في العديدِ من المحافلِ الدولية والقارية، حتى أصبح صوت شعبها يدعوها للاقتداءِ بالمغرب ونسيان حقدها الدفين اتجاهه". واسترسلَ الباحث بمعهد الدراسات الإفريقية في تصريح لموقعه قناة "كاب24تيفي"، أن هذا الصداع، "أو الدوخة التي أصابت رؤوس الحكام بالجزائر، ما هيَ إلا ما جنوه من فشلٍ تلوَ الآخر ابتداءً من نكستهم وفشلهم في إقناعِ الحكومة الأمريكية بالتراجعِ عن قرارها التاريخي حول اعترافها بالسيادةِ الكاملةِ للمغرب على كافةِ أجزاء صحرائه، ثم فشلها الذريع في المحافلِ الدوليةِ، سواء في مجلسِ الأمن أو الأممِالمتحدة أو في الاتحادِ الإفريقي وأخيرا حتى في ردهات "الفيفا". وختمَ بلحداد تصريحه لموقعنا بالقول، "يتضحُ للعيان أن هؤلاء الحكام لا شغل لهم إلا معاكسة المغرب. ولا يتقنونَ إلاّ لغة الكذبِ والبهتان. وآخر نكبة سقطوا فيها كانت محاولتهم جر ألمانيا إلى صفهم، لكن المغرب تصدى لهم جميعاً وأفسد مخططاتهم، وجعلهم يضربون أخماساً في أسداس، ولسان حالهم يقول لن نتوقف عن ذلك -ولو طارت معزة-".