كثيرا ما نسمع عن تسجيل حالة فرار سجين من هذا السجن أو ذاك ببلادنا، وكثيرة هي الحالات التي يكون فيها الفرار جماعيا، دون أن نتمكن من معرفة تفاصيل الحادث. تختلف الأساليب وتتنوع الطرق التي يسلكها الهاربون من السجون، ويبقى الهدف واحدا، هو التخلص من القيود والأغلال ومعانقة الحرية، الهروب من الروتين والرتابة التي يعيشها السجناء في الزنازين، التخلص من الاكتظاظ ومن الاعتداء والاغتصاب أيضا، من «الحكرة» ومن الظلم، هكذا إذن هي الحياة بسجون بلادنا. «الأخبار» تقتحم عوالم السجن المحلي بوجدة لتروي لكم تفاصيل ووقائع غريبة تحصل وراء القضبان حينما يتعلق الأمر بفرار سجين، من نزلاء هذا الفضاء المليء بالمتناقضات، حالة استنفار تخيم على المكان، لجان تفتيش تحل بالفضاء، وعقوبات تطال المتورطين. الحكايات نرويها لكم على لسان أقرباء الهاربين، أو لسان سجناء عايشوا تلك اللحظات العصيبة والرهيبة التي تسبق عملية الفرار. منهم أيضا من ساهم فيها بطريقة أو أخرى، إذ ليس بالسهل على السجين بمفرده، أن يقتحم ويخترق ذلك الكم الهائل من الأبواب الحديدية الموصدة، والحراس الليليين والنهاريين، ويتسلق الأسوار العالية، ليجد نفسه خارجا، فالعملية تتطلب تخطيطا محكما، وعادة ما يستعين السجين الذي يعتزم الفرار بخدمات أحد رفاقه بالزنزانة، أو أحد أقاربه أو بمساعدة بعض الموظفين أيضا، وهو ما بينته الأبحاث التي باشرتها المصالح المختصة، وأثبتت تورط حراس ورؤساء معاقل وغيرهم من الموظفين في جملة من عمليات الفرار التي شهدتها سجون المغرب، بعدما مهد هؤلاء الطريق أمام الهاربين. تروي لكم "الأخبار" قصص سجناء هربوا من السجن المحلي لوجدة، وتحيطكم من خلال هذه السلسلة بتفاصيل المعبر الذي سلكوه حتى صاروا أحرارا، والأسباب والدوافع التي أججت بداخلهم نار الفرار من الجحيم. نقف أيضا عند الوسائل التي تم اعتمادها أثناء تنفيذ العملية، فمنهم من تسلق الجدران ومنهم من خرج من الباب الواسع للسجن، وهناك من عاد إليه بعد أيام حينما تم توقيفه من طرف الأجهزة الأمنية، لينطلق مسلسل آخر من حياة سجين هارب وما ينتظره من عقاب وعذاب شديدين لما خلقه من متاعب لإدارة السجن، بعدما زج ببعض موظفيها في براثن العقاب، وهناك هاربون تواروا واختفوا عن الأنظار دون العثور على أثر لهم من قبل المصالح الأمنية التي اكتفت بإصدار مذكرات بحث في حقهم. الهاربون الذين بين أيدينا، تتنوع جرائمهم وتختلف العقوبات الصادرة في حقهم، منهم أيضا من كان قيد التحقيق ولم يتعرف بعد على المدة التي سيقضيها وراء القضبان، وصنف آخر لم يتبق له من العقوبة سوى أشهر قليلة لمغادرة الأسوار، ويبقى القاسم المشترك في عمليات الفرار التي نتطرق إليها، أنها مرت بهدوء دون إراقة الدماء استعملت خلالها طرق ذكية مكنت أصحابها من الفرار دون إثارة الانتباه، وحده «لابيل» كشف عنها، ووحدها "الأخبار" ستكشف بعض تفاصيلها أيضا. من الفرار عبر الطائرة بسجن بروج ببلجيكا إلى الفرار داخل حقيبة سفر بسجن وجدة ولد «أشرف السكاكي» بمدينة «لينس» بشمال بلجيكا خلال سنة 1983، ينتمي إلى عائلة ريفية هاجرت نحو هذا البلد خلال منتصف سبعينيات القرن الماضي، شأنها شأن العديد من الأسر المغربية، وبصفة خاصة تلك المتحدرة من الريف التي غيرت الوجهة الكلاسيكية للهجرة من فرنسا إلى دول الأراضي المنخفضة كهولندا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى بحثا عن غد أفضل. لما بلغ «أشرف» سن التمدرس التحق بإحدى المدارس العمومية ببلجيكا، ولم يتفوق في دراسته. فشل في مسايرة ومواكبة المناهج التربوية للبلد المضيف، فتوقفت مسيرته التعليمية عند الطور الابتدائي، ليجد «أشرف» نفسه خارج أسوار المدرسة في سن مبكرة. حينها اصطدم بواقع مرير، شعر بفراغ قاتل، حيث قرر الاندماج في المجتمع البلجيكي بصيغة أخرى بعيدا عن الفصول الدراسية وبعيدا عن دروس المعاهد والجامعات. اختار «أشرف» طريق الإجرام لإبهار الآخرين واختص في مجال السرقة منذ نعومة أظافره، إلى أن أصبح من أشهر المجرمين المتخصصين في السطو على البنوك في أوروبا أو ما يسمى «البراكاج»، ولم تقف خطورته عند حد عمليات السرقة الخطيرة بل اشتهر «أشرف» بهروبه من السجون بطرق هوليودية وغريبة أيضا. سرقة الصغار دخل «أشرف» السجن ببلجيكا لأول مرة في حياته حينما كان عمره لا يتجاوز 13 سنة، بتهمة سرقة بسيطة كتلك التي يقدم عليها الأطفال في المحلات التجارية الكبرى والمتوسطة، وكان الطفل يهدف من عمله هذا إلى إثارة انتباه رفاقه من المغاربة والبلجيكيين، وقادته ظروفه في السجن إلى التعرف على أفراد عصابات تنشط في مجال السرقة، حيث اكتسب تجربة كبيرة منهم أهلته لخوض معارك قوية في مجال سرقة البنوك والاستيلاء على ما تحتويه صناديقها من أموال باستعمال السطو المسلح، وهذا ما أكده "للأخبار" في وقت سابق شقيقه الأكبر «نصر الدين» الذي قال بهذا الخصوص إن «أشرف» كان معروفا لدى محيطه بحيويته ونشاطه وميوله إلى الفكاهة والمرح وخفة الروح، حيث اعتقدت أسرته في بداية الأمر أنه سيكون له شأن كبير في فنون المسرح والتمثيل، نظرا لحبه الشديد لركوب المغامرات وكذا الجرأة الزائدة التي كانت تميزه عن باقي أقرانه في محيطه، قبل أن يوظف هذه الخاصية في عالم الإجرام الذي دخله من بابه الواسع، بعدما وجد أرضية خصبة في السجون التي كان يتردد عليها، وتحول من سارق هاوي لإثارة انتباه الآخرين، إلى مجرم خطير حير مختلف المصالح الأمنية بأوروبا والمغرب أيضا. تخصص «أشرف» في «البراكاج» وتخصص في الهرب من السجون وبطرق غريبة «دوخت» كل المهتمين والمختصين أيضا، ولم يفوت شقيق «أشرف» الفرصة ليتكلم لنا عن معاناته في السجن لما ألقي عليه القبض بمعبر «بني انصار» ساعات قليلة بعد فرار شقيقه من السجن المحلي بوجدة، ولم ينس كذلك أن يتحدث عن تلك الرحلة الأليمة التي ستبقى راسخة في ذهنه ولا يمكن محوها أبدا من ذاكرته. يتذكر «نصر الدين» حينما تم ترحيله رفقة «أشرف» من سجن سلا في ظروف قاسية مصفد اليدين ومغمض العينين بلا أكل ولا شراب. هكذا كان يحكي «نصر الدين» ل«لأخبار» والدموع تغالب جفونه وسط جمع من معارفه وأقربائه بمقهى تطل على مقبرة النصارى بشارع «الزلاقة» غير بعيد عن السجن المحلي بوجدة حيث كان يقبع قبل الإفراج عنه، لتنطلق سلسلة أخرى من المعاناة من نوع آخر بعدما صادرت السلطات وثائقه الإدارية من بطاقة تعريف وطنية وجواز سفر، وظل «نصر الدين» تائها بين الإدارات يبحث عنها، بعدما تيقن أن لا أمل لشقيقه «أشرف» للهرب من السجن مرة أخرى وأن أسطورة شقيقه تكسرت هذه المرة على جدار السجن المحلي بوجدة، بعدما تم اعتقال كل شركائه في الإجرام، وتوقيف وتوبيخ شركائه في الهرب من الموظفين بالسجن المحلي بوجدة، واعتقال خليلته البلجيكية «ليسلي» التي خططت لهروبه من السجن داخل حقيبة سفر، بعدما صار كرزمة من الملابس، وجرت «ليسلي» الحقيبة ثم خرجت من السجن وكأنها نزلت للتو في مطار أو بمحطة للقطار. الهروب إلى المغرب لما تمكن أشرف من الفرار من سجن «بروج» ببلجيكا، دخل التراب المغربي بوثائق مزورة، فتم اعتقاله وإيداعه السجن المحلي بوجدة خلال صيف سنة 2009، كما تم توقيف العديد من عناصر عصابته. بقيت وحدها الخليلة حرة طليقة، بعدما حررته في وقت سابق من سجن «بروج» ببلجيكا بطريقة أكثر من هوليودية حينما حطت «هيليكوبتر» بساحة السجن وطارت ب«أشرف» رفقة فردين من عصابته في السماء العلياء لدولة بلجيكا، وهي الطائرة التي قامت «ليسلي» باستئجارها من وكالة خاصة بهدف الاستمتاع برحلة جوية قبل أن ترغم الربان رفقة أحد أصدقائها على الهبوط وسط الساحة بعد تهديده بسلاح ناري. قضية استأثرت باهتمام واسع لدى الرأي العام الدولي بعدما ذاع صيت الخبر في كل بقاع العالم وصار الموضوع مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام على اختلاف مشاربها وتوجهاتها والمهتمين بشؤون الجرائم أيضا. هدأت العاصفة وانطلق مسلسل التخطيط لفرار آخر هذه المرة من السجن المحلي لمدينة وجدة، غادرت «ليسلي» الديار البلجيكية وحلت بالمغرب ليس من أجل السياحة والاستجمام، بل جاءت بغاية تخليص حبيبها مرة أخرى من براثن القضبان الحديدية، حصلت على بطاقة مزورة وصارت تدخل السجن وتزور «أشرف» فتصول وتجول بداخل المؤسسة وتغدق على الجميع المال والهدايا وعلب السجائر الشقراء، تجلس طويلا مع خليلها فينزويان في مكان بمقهى السجن يخططان للعملية، الطائرة وسيلة متجاوزة ولا يمكن الاعتماد عليها في وجدة، فكرت «ليسلي» في الحقيبة التي كان يسمع ضجيجها حينما كانت تدفع وتجر في السجن مثقلة بما لذ من أكل وهدايا بعضه لأشرف والبعض الآخر لأصدقائه كل حسب موقعه ومكانته. صار «أشرف» محبوبا لدى الجميع بفضل كرمه وسخاء عطائه إضافة إلى بطولته وشجاعته في مجال الجريمة المنظمة في أوروبا، جوانب جعلت أشرف يحظى باحترام من طرف الجميع. اقترحت «ليسلي» في بداية الأمر وصفة طبية قاسية حينما فرضت على خليلها حمية غذائية خاصة مقرونة بتمارين رياضية متعبة أكثر من تلك التي تتبعها عارضات الأزياء للحفاظ على قوامهن، حتى يتحول إلى جسم رشيق ونحيل في مستوى الحقيبة. لحظة الفرار داخل حقيبة سفر ذات زيارة من خريف سنة 2010 دخلت الحقيبة أبواب السجن منفوخة بما تشتهيه الأنفس من مأكولات، أفرغت «ليسلي» الحمولة، وتم شحن «أشرف» داخلها بمساعدة أحد السجناء الذي كان يتولى عملية دفعها كما يحصل في محطة القطار عادة حينما يستعين مسافر أو مسافرة بخدمة «حمال» لحمل الأمتعة، عجلات الحقيبة تحدث ضجيجا من فرط الحمل الثقيل الذي بداخلها في زحمة المكان، لا أحد شك في أمر الحقيبة، ولا سيما أنها ظلت ولعدة أشهر مصدر خير للعديد من نزلاء هذا المرفق من سجناء وموظفين أيضا. نهاية أسطورة أشرف السكاكي فتحت «ليسلي» الحقيبة فخرج أشرف، توجها نحو محطة سيارة الأجرة الكبيرة، وضعت الحقيبة في الصندوق الحديدي للطاكسي، ركب الخليلان في المقعد الخلفي للسيارة، فسارت العربة تطوي المسافات إلى أن وصلت إلى مدينة الناظور، حيث قضيا ليلة الزهو والانتصار هناك، ليتم توقيفها في اليوم الموالي من طرف عناصر أمنية بالناظور، بعدما كانت ذات المصالح قد أوقفت شقيق أشرف بمعبر «بني انصار» في الوقت الذي كان فيه بصدد دخول مدينة مليلية المحتلة لترتيب فرار عكسي لشقيقه من المغرب إلى بلجيكا. جاء وقت المناداة على السجناء «لابيل» فتبين غياب أشرف، سادت حالة من الاستنفار داخل المؤسسة وتم إخبار جميع المتدخلين في الأمر. عمم الخبر على جميع الأجهزة الأمنية، فتحت التحقيقات وحلت لجان تفتيش محلية ومركزية فاتخذت العقوبات في حق من ثبت تورطه في القضية وسلطت الأضواء من جديد على قضية «أشرف السكاكي» وعلى خليلته. اقتيد أشرف نحو سجن سلا وعاد إلى وجدة، بعدما أصدر القضاء في حقه عقوبة حبسية مدتها 12 سنة سجنا نافذا خلال ربيع سنة 2011، ليتم طي ملف أغرب طريقة فرار سجين من السجن المحلي لوجدة. هروب سيبقى راسخا أيضا في ذهن بعض عمال النظافة بوجدة، الذين كانوا لحظة الفرار يتولون مهمة جمع النفايات بالسجن، راجت فكرة فرار «أشرف» عبر شاحنة جمع النفايات، فتم إخبار دورية للدرك الملكي بالأمر والتي لاحقت الشاحنة حتى المطرح العمومي، حيث تابعت الدورية عملية الإفراغ لعلهم يعثرون على الهارب، لتنجلي الحقيقة ويتم تبرئة ساحة شاحنة جمع النفايات من التهمة المنسوبة إليها، بعدما ثبت تورط حقيبة السفر في عملية فرار «أشرف السكاكي».
خبزة وبراد شاي مهدا الطريق لفرار المدعو «السلاوي» من السجن فقد «جلول» والدته في سن مبكرة، تزوج والده بأخرى، لم تقبل بوجوده في البيت، رمته بالخارج كما لفظته أبواب المدرسة، حينها لم يبق له من خيار سوى اللجوء إلى الشارع للعيش هناك رفقة آخرين دفعتهم ظروفهم الصعبة إلى لتواجد في هذا العالم. تعلم «جلول» أول مبادئ التسكع والتشرد وصار عنصرا أساسيا داخل مجموعة من المتشردين، شكلت له وسامته معضلة كبيرة في حياته، إذ أصبح «جلول» محطة اهتمام من طرف أشخاص يتحينون الفرص من أجل الانقضاض عليه واغتصابه، قام في مرات عديدة بصد الطامعين في جسده والانفلات من قبضتهم، وعجز عن ذلك في محطات أخرى حينما تم اغتصابه بالقوة من طرف شخص بالغ. انتشر الخبر بين رفاقه المتسكعين فصار هدفا لهم، تحولت حياة «جلول» إلى جحيم، شبح الاغتصاب يطارده أينما حل وارتحل، شعر بالغبن وأحس بالحقد نحو الآخرين، «جلول» يكبر ولم يعد ذلك الطفل الصغير الوديع، كشر عن أنيابه وصار يقف في وجه كل من أراد أن يغتصبه، صار قويا وشجاعا ولم يعد أحد يتحرش به واستطاع فرض نفسه وزعامته على مجموعته، برع في مجال السرقة بالنشل داخل أسواق مدينة سلا، مكنته حرفته الجديدة من جني أموال مهمة لا يتوانى في صرفها على رفاقه المشردين من خلال تمويل بعض الليالي الحمراء الماجنة في بناية مهجورة أوفي حديقة عمومية أو بمقبرة للموتى وغيرها من الأماكن المباحة للمتشردين والمتسكعين لممارسة طقوسهم الخاصة بكل حرية. ذاع صيت «جلول» في السرقة بالنشل، فتم إيقافه وإحالته على مركز للطفولة مكث فيه بضعة أيام. استطاع الفرار من المركز، التحق برفاقه بالشوارع، عاد لمجال السرقة باستعمال النشل، وجند بعض رفاقه لولوج هذا المجال. مع توالي الأيام بدأ أفراد المجموعة يسقطون تباعا بين أيادي رجال الأمن، فيما ظل «جلول» هاربا إلى أن وقع في قبضة الشرطة. تمكن من الفرار هذه المرة من داخل المخفر، ولما شعر بأن خطر «البوليس» يداهمه، قرر «جلول» أن يغادر أسوار مدينة سلا وإلى الأبد، ركب القطار ودخل في لعبة القط والفأر مع المراقبين وسط العربات حتى نهاية السير. الوصول إلى وجدة برد قارس يهب على المدينة في ذلك الصباح، معدة «جلول» تتضور جوعا، النوم يغالب جفونه، عرج على حاوية للأزبال فتناول فطوره، سار يطوف ويجوب شوارع مدينة وجدة، بحثا عن مكان يأويه، قصد بناية مهجورة افترش قطعة «كارطون» فتمدد وغطى نصفه العلوي بمعطف أسود وغط في نوم عميق. أحلام تتناطح في مخيلته، استيقظ من نومه، بدأ يتجول في الأزقة والشوارع ليكتشف معالم المدينة، والبحث أيضا عن بني قبيلته من المتسكعين والمتشردين، تأتى له ذلك فتعرف على مجموعة منهم شكلوا قوة واتخذوا من بناية مهجورة بوسط المدينة مأوى لهم، صاروا يمارسون فيها طقوسهم الخاصة من عربدة و«تشمكير» وجنس أيضا، ولا يترددون كلما أتيحت لهم الفرصة الاعتداء على المارة وسلبهم ممتلكاتهم عبر التهديد بالسلاح الأبيض لتوفير ما يحتاجونه، وبعد شهور تخلص «جلول» من هذا الاسم صار يحمل لقب «السلاوي» وتمكن من زعامة مجموعته بعدما أبان عن قدرة عالية في السرقة الموصوفة حيث كان يأتيهم بما طاب ولذ من المأكولات والخمور والمخدرات وغيرها من الأشياء الأخرى، وتخصص في سرقة المواطنين الجزائريين الذين كانوا يتوافدون على مدينة وجدة قبل إغلاق الحدود البرية بين البلدين خلال 15 يوليوز من سنة 1994. استمر «السلاوي» في التسكع والتشرد والسرقة إلى أن جاء اليوم الذي وقع فيه في شباك العدالة التي أصدرت في حقه عقوبة حبسية لمدة سنة كاملة. الطريق نحو السجن اقتيد «السلاوي» نحو السجن المحلي لوجدة، وعمره لا يتجاوز 20 سنة، تم إيداعه بجناح يضم سجناء من العيار الثقيل أصحاب المدد الطويلة والجرائم الخطيرة، وما أن حل «السلاوي» ضيفا على الجناح حتى صارت أعين السجناء تتعقب وتترصد هذا الوسيم الوافد الجديد على الجناح، بدأ السجناء يتهماسون ويتغامزون عليه. انطلق الصراع بينهم حول الأحقية في العبث بالجسد الممشوق «للسلاوي»، كان يعي ويدرك جيدا أن هؤلاء يتربصون به، احتمى بالحراس لعله يجد لمعضلته مخرجا، لكن الحراس فضلوا الصمت بل منهم من مهد الطريق أمام السجناء للعبث بجسده، صار «السلاوي» لقمة سائغة بين السجناء يرتمي بين أحضانهم بالتناوب يمارسون عليهم الجنس بطرق شاذة، يفرغون فيه مكبوتاتهم، ذاع صيته في السجن فتولد لديه الشعور بالإهانة والإذلال في المؤسسة، تمرد عن مد مؤخرته للسجناء، لم ينفعه عصيانه وتمرده فصاروا يمارسون عليه الجنس هذه المرة بالقوة وأمام أنظار حراس السجن الذين لم يحركوا ساكنا، ظل على هذا الحال لمدة 9 أشهر، حيث لم يتبقى له سوى 3 أشهر لإنهاء مدة عقوبته الحبسية ومغادرة أسوار السجن. الرغبة في الهرب والتخطيط له لما قضى «السلاوي» حوالي 9 أشهر وراء القضبان كلها معاناة مع الاغتصاب، قرر الهرب، خصوصا لما أصبح ضمن لائحة سجناء الكلفة «الكرفي» وهي فرصة مكنته من التعرف أكثر على مرافق السجن، حيث تأججت بداخله فكرة الفرار، إذ ظل ينتظر أن تحين الفرصة لذلك. ذات صباح من خريف سنة 1992 حينما كان يتولى مهمة تنظيف أحد المكاتب داخل المؤسسة السجنية، أثار انتباهه وجود عصا معقوفة معلقة داخل المكتب،فكر في توظيفها واستعمالها في عملية الهرب. اتخذ الحارس جانبا، اقتعد كرسيا خشبيا، وهو يراقب حركة السجناء، أمر «السلاوي» بإحضار براد شاي منعنع لأنه كان يتقن تحضير الشاي، وضع البراد أمام الحارس، أحضر خبزة طرية من فرن السجن، ذهنها بقطعة جبن، صار الحارس يتناول بلهفة فطوره، أنساه ذلك أمر السجن والسجناء، عرج «السلاوي» على المكتب حمل العصا المعقوفة بين يديه تسلل نحو مستودع للمتلاشيات، استعان بإطار خشبي لنافذة متلاشية اتخذها كسلم، تسلقه وضع العصا المعقوفة على سلك حديدي كان يظهر من الجزء العلوي لسارية، في زاوية من الجدار المؤدي إلى الخارج، ثبت العصا جيدا، حاول في مرات عديدة التسلق، إلى أن تمكن من تخطي الحاجز واعتناق الحرية والهروب من السجن ومن جحيم الاغتصاب. انطلقت عملية النداء على السجناء «لابيل» فاتضح غياب «السلاوي»، وانطلق البحث عنه، أخبرت الإدارة بالأمر وتم العثور على العصا المعقوفة معلقة، والإطار الخشبي أيضا، تبينت المراحل التي اتبعها «السلاوي» من أجل الهرب، اكتفت الإدارة بتوبيخ الحارس، بتهمة تقصيره في مهامه، شعر بعدها بالخذلان نظرا للثقة التي كان يضعها في «السلاوي» ولم يتصور أنه سيفعلها ويهرب من السجن. خدر الحراس واستولى على المفاتيح وخرج من الباب الواسع للسجن كون «بوشعيب» ثروة مالية مهمة من خلال الاتجار في المخدرات، صار معروفا بوسط مدينة الحسيمة ونواحيها، استطاع في ظرف وجيز أن يخلق شبكة مهمة تمكنت من إغراق الأسواق بمختلف أنواع المخدرات، من خلال فرض هيمنتها وسيطرتها عليها، ذاع صيت الشبكة ودخلت ضمن أجندة المصالح الأمنية التي ما لبثت تتابع خطوات أفرادها حتى حان موعد تفكيكها من خلال الإطاحة برؤوسها إذ لم يبق في حساباتها سوى مدبر شؤون الشبكة «بوشعيب» الذي اختفى وتوارى عن الأنظار، إلى أن حان موعد إيقافه وإحالته على العدالة التي أصدرت في حقه عقوبة حبسية مدتها 12 سنة سجنا نافذا، انهارت إمبراطورية «بوشعيب» وتكسرت وراء القضبان، ظل الإمبراطور يتنقل من سجن إلى آخر يفكر في مآل الثروة المالية التي تركها وراء القضبان، يفكر في الفتاة التي سلبت عقله وكان يتمنى الارتباط بها لتكوين أسرة سعيدة، تبخرت كل آماله للظفر بها لما علم من والدته أن محبوبته تزوجت من آخر، صدم كثيرا لهول الخبر، سرعان ما نسي الأمر وتفهم الوضع، وعن مآل ثروته المالية أخبرته والدته أن والده يتحكم في كل شيء دون أن تدخل الأم بتفاصيل أخرى عن والده الذي لم يزره قط في السجن، واحتفظت بالأمر إلى آخر لحظة، وهو السر الذي أشعل نار الفرار في قلب بوشعيب. بوشعيب يحط الرحال بسجن وجدة حط «بوشعيب» الرحال بالسجن المحلي بوجدة، خلال بداية تسعينيات القرن الماضي، بعد قضائه لحوالي عقد من الزمن في سجون متعددة، وكعادة تجار المخدرات يعيشون أوضاعا أفضل وأحسن بكثير مقارنة مع باقي السجناء، عملا بالمثل العامي المأثور «الفلوس تدير الطريق في البحر» استطاع «بوشعيب» وفي وقت وجيز اختراق الحراس وكبار السجناء من خلال إغرائهم بالمال والهدايا الذي كان يتوصل بها عن طريق والدته وأحد أصدقائه الذي مهد الطريق أمامه لتسريب كمية من المخدرات وتسليمها «لبوشعيب» الذي يتولى بيعها في السجن الذي صار يحمل مفاتيحه ويتجول فيه كما يحلو له. يقوم بدور الحراس، يتفقد الزنازين والسجناء، وتكون فرصته لإيصال البضاعة لأصحابها أيضا، تقلد «بوشعيب» مهمة رئيس الطباخين بسجن وجدة، صار الآمر والناهي داخل هذا المرفق، وكان بين الفينة والأخرى يقيم مأدبة عشاء على شرف حراس السجن من نوع خاص ومن ماله الخاص، بعيدا عن روتين مذاق مطبخ السجن، إذ اشتهر لدى الجميع بتحضير الطاجين، لم يبق على خروجه من السجن سوى 18 شهرا كان يعد أيامها ليلا ونهارا ينتظر ذلك اليوم الذي يتخلص فيه من السجن ويعانق الحرية للاستمتاع بما راكمه من ثورة مالية. ولم يكن أبدا يفكر في الهرب من السجن. نقطة تحول مسار بوشعيب ذات زيارة، باحت الأم بالسر الذي ظلت تحتفظ به وتخفيه عن ابنها «بوشعيب» لشهور عديدة، سر عذبها وأرهق تفكيرها وشغل بالها، أخبرته في بداية الأمر أن علاقتها بوالده أصبحت جد صعبة ووصلت إلى النفق المسدود، إذ أصبح من المستحيل العيش معه بعدما ضرب عرض الحائط ألفة زوجية مدتها 3 عقود من الزمن، ترددت كثيرا قبل أن تسرد السر الآخر لكونها تدرك جيدا أنها ستصدم ابنها، أدرك «بوشعيب» أن والدته تخفي عليه أشياء أخرى، ألح وأصر السجين على معرفة ما خفي، صارت الأم تتحدث بلغة حزينة ممزوجة بدموع دافئة تتسلل بين تجاعيد رسمت خطوطها دواعي الزمن الغادر، أخبرته أن والده أيضا على وشك الإفلاس بعدما قام بتبديد أموال كبيرة في أمور تافهة، والسبب تلك الفتاة التي كان يحبها «بوشعيب» حينما كان حرا طليقا، صارت المحبوبة عشيقة لو