من وسط مدينة بني ملال، في اتجاه المحكمة الابتدئية، انعرجنا يمينا حيث الإشارة الى موقع الكنيسة، وعلى بعد أقل من 40 مترا من مقر المحكمة الابتدائية، بدت معالم الكنيسة بمجرد رؤية مجموعة من الملامح والإشارات وبالخصوص فضائها المترف بالإخضرار والأشجار العالية التي تضفي الهدوء والأمان .. ولجنا المكان دون أن نجد من يرشدنا باستثناء سبورة كتبت عليها مجموعة من الإرشادات... أسرعنا الخطى إلى أن وصلنا إلى إحدى القاعات، حيث وجدنا طالبين بإحدى الكليات ببني ملال وهم من افريقيا الجنوبية، ولم يترددا في المناداة على القس المتواجد بمكتبه ومحل إقامته، وبسرعة كان اللقاء مع القس جاك لوڤرا حيث أبدى رغبته في الحديث إلينا وأحسسنا كذلك أن الرجل يحمل حسرة هادئة لقناعته بما يؤمن به من أفكار وأهداف إنسانية نبيلة تتحقق من خلال الحوار وتقارب الأديان والثقافات... ورغم مرضه وتقدمه في السن ومحاصرته من طرف الذين يزعجهم الفعل الثقافي ويهدد الامتيازات الممنوحة إليهم يقول جاك أنه لم يعلن الحرب ضد أحد، وليس له مشاكل مع المثقفين، بل مشاكل مع غير المتقفين، ويضيف جاك أنه تقدم بالعديد من الملتمسات لمختلف الجهات المسؤولة قصد تقديم المساعدة المالية لتغطية تكاليف المكتبة، دون أن يتلقى ولو سنتيما واحدا، حيث اضطر هذا القس حسب قوله إلى بيع محل سكني ورثه عن والديه بباريس وانفاقه على شؤون المكتبة، والتي يستفيد من خدماتها أزيد من 1300 مستفيد من 50 منطقة بالجهة. وعن سؤالنا حول اتهامه بالتبشير، أجاب بنبرة تنم عن تحسره، وأشار لنا إلى لوح خشبي كتبت عليه اية قرآنية: «ألم نشرح لك صدرك».. صدق الله العظيم» يحتفظ بها منذ أزيد من 35 سنة منحت له ببني ملال من طرف طالب بأحد المساجد العتيقة. إضافة إلى الدعوات التي توجه له لإلقاء عروض ومحاضرات من طرف مختلف المنظمات والهيآت وخاصة الإسلامية منها: كدار الحديث الحسنية، المفوضية المغربية التابعة لليونسكو. منظمة آل سعود، ويؤكد أنه ذاهب إلى دكار يوم يوم الغد 2009/02/11 لإلقاء محاضرة هناك حول موضوع: العلاقة بين المسيحية والإسلام. وعن إقامة مشروع المكتبة بالكنيسة والتي تسببت في خلق مناخ من التوتر، أجاب أن صاحب فكرة المكتبة السيد أقلعي، محسن مسلم مغربي اختار الكنيسة لحماية المشروع، ووضع الكتب بين أيادي آمنة حتى لا تباع الكتب بالسوق بعد مدة، هذه المكتبة التي تم تدشينها سنة 2005 كان لها معارضون وبالخصوص أصحاب الأموال،الذين يخافون من التغيير، خاصة وأن المكتبة أنفق عليها مليونين ونصف درهم من طرف شخص يؤمن أن التطور يأتي بالثقافة وليس بالمال... كنيسة سان پول ببني ملال، قبل أن تكون كنيسة كانت في البداية عبارة عن ضيعة وتم اقتناؤها من طرف المعمرين،الذين أحدثوا بها كنيستهم سنة 1950 واشتغلت لعدة سنوات إلى حين مغادرة آخر مسيحي للمدينة سنة 1991. واليوم يقول القس جاك أن حلول طلبة من دول افريقيا جنوب الصحراء جعلنا نقوم بشعائرنا المسيحية بإحدى القاعات الصغيرة لكون عدد المسيحيين لا يتعدى 25 فردا. وعن الأخوات بالكنيسة، فإنهن قد غادرن المغرب وهن من دول أمريكا اللاتينية، لم يتم تهيئهن بما فيه الكفاية لقيام بأدوارهن كما يجب،حيث كن يقمن بأداء الطقوس الدينية، إضافة إلى تعليم اللغة الإسبانية ومحو الأمية والخياطة، وجاك لوڤرا الذي يعتبر آخر قس أوربي ببني ملال والذي يشرف حاليا على تدبير شؤون الكنيسة وهو مزداد سنة 1934 حل بالمغرب سنة 1967 وببني ملال سنة 2000، اشتغل مدير مكتبة la sourse للأبحاث بالرباط منذ سنة 1980 إلى 2000، وبعد إحداث دار النشر «ولادة» من طرف السيد اقلعي، يقول لوفرا:« طلب مني جرمان عيوش مؤرخ يهودي مغربي كان يسير مجمع العلوم الإنسانية، العمل الجماعي، وبعد وفاته أحسست أن يتحمل المسؤولية مسيحي بعد يهودي مستوى كبير من التعايش والتسامح بين الأديان والثقافات، خاصة وأن المشرف وصاحب الفكرة والممول مغربي مسلم» وهنا تدكر جاك لوڤرا نموذج بني ملال يتمثل في المقبرة المختلطة المسيحية الإسلامية المتواجدة بحي اوربيع، حيث تتعايش جثامين قدماء المحاربين المغاربة المنخرطين في صفوف الجيش الفرنسي، حيث وضعت لوحات كتب عليها «تذكار من فرنسا». وفي الختام سألنا جاك لوڤرا عن ذكرى محددة، و دون تردد قال ذكرى سيئة، لكنها جد محددة و هي أنني كنت رفقة السيد محمد اليازغي بروما الإيطالية، وبإحدى القناطر الضيقة، توقفنا لأخذ قسط من الراحة تحلق حولنا بعض الأولاد الذين سرقوا منا جميع وثائقنا دون أن نشعر بذلك، كما مازلت0 يضيف لوڤرا -أحتفظ بهدية تفضل بها لي السيد محمد اليازغي وهي مجموعة كتب تهم تدبير المجال المائي.