تشكل الأعمال الفنية للفنان التشكيلي المغربي الصديق راشدي، بكونها تأكيد لإمكانية الإبداع في تجديد خلق الحياة، وتجربة في مجال الفن التشكيلي تعانق تعبيرات لونية متعددة الأبعاد لإيجاد الذات مخاطبة، بالصوت والصورة، والشكل واللون، واليد والوعي والخيال، قارئا متعدد الآفاق يستطيع الانغماس والاندماج في اللوحة، لإيجاد الذات وسط الأصباغ الباردة والمنفتحة والداكنة أحيانا، والبيضاء التي تروي حكاية الإنسان. ويعتمد الفنان راشدي، الذي احتضن المركب الثقافي "الأشجار العالية" بمدينة بني ملال في نهاية الأسبوع الماضي معرضا له تحت عنوان ''لوحات الليل"، وذلك في إطار الدورة الثامنة ل"ليلة الأروقة" التي نظمتها المديرية الجهوية للثقافة بجهة تادلة - أزيلال، في أعماله الفنية على أسلوب تتقاطع فيه كل التقنيات، من البناء والتكوين إلى الحجب والمحو والخدش لصيانة اللوحة، كما يعتمد فيها على التقشف اللوني، وعلى مواد بسيطة خاصة مادة الإسمنت الأبيض، حيث تغدو اللوحة بمثابة جدار أبيض يحتضن الفراغ وينتصر لأشكال هندسية متحررة وأشكال سابحة ومفككة. كما يعتمد الفنان راشدي، الذي ينحدر من تيزي ويسلي بإقليم تازة، والذي عاش جزء كبيرا من حياته بمدينة بني ملال التي يقطن بها حاليا، في تجربته الفنية الجديدة، أساسا، على مواد بسيطة ومنسية من قبيل الرمل والطلاء واللصاق وألياف "الخيش" وعناصر أخرى، يوظف فيها بذكاء ألوان متباينة غامقة وشفافة يهيمن عليها اللون الأبيض، فتتحول إلى مادة ساحرة. وقال الفنان راشدي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء اليوم الاثنين، إن تجربته الفنية وعشقه للألوان تعود إلى بداية السبعينات من القرن الماضي، حين دخل مرحلة مهمة في مسيرته الفنية، حيث غامر، باعتماده في أعماله الأخيرة، على مادة الإسمنت للخلق والإبداع، فاتحا مرحلة جديدة في التعامل مع بياض اللوحة. وأضاف أن المرحلة الموالية، التي تعود إلى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما كان طالبا بمدينة فاس، اتسمت بالتكوين والتعرف والانفتاح على مختلف المدارس والاتجاهات الفنية وصقل الموهبة، ثم جاءت مرحلة مراكش، التي قال عنها إنها اتسمت بالبحث عن أسلوب خاص يزاوج بين التجريد والتشخيص قادته إلى إنجاز أعمال تنزع نحو تحطيم الأشكال الهندسية. يشار إلى أنه سبق للفنان التشكيلي الصديق راشدي أن نظم عدة معارض فردية وجماعية على الصعيدين الوطني والدولي. وعن هذه التجربة الفنية، قال المدير الجهوي للثقافة، عبد الكريم الجويطي، إن الفنان الصديق راشدي يضع نفسه دوما في مواجهة رهانات صعبة، "يتحدى نفسه ويتجاوزها باستمرار، ويمتلك القدرة التي تملكها نبتة في العراء"، مضيفا أن هذا الفنان "اختار الاسمنت كمادة لتحرير خياله التشكيلي باعتبارها مادة صلبة باردة وبلا حس خلقتها الأزمة الحديثة لتسريع وتيرة البناء ومواكبة شراهة المدن في التوسع على حساب الحياة البرية، وهي فوق علاوة على ذلك مادة منبوذة وغير جمالية لذا يتم إخفاؤها بمواد الملاط والصباغة". من جهته، قال الكاتب والشاعر محمد رفيق إن اللوحة عند راشدي تنقب عن أسئلة بصرية جديدة، وفق منهجية جمالية محكمة، تقتصد في الحركة، وتعمل على خلق توازن بين الواقع والذات، والشكل واللون الذي يغدو ضمادة، يغيرها حسب فصول الجرح، بينما المادة في تشكيلها، تارة كثيفة، على اللوحة. وأضاف أن لوحة راشدي "تجيب عن سؤال إمكانية الإبداع في تجديد خلق الحياة، والانفتاح على التجريب، في علاقة جدلية بين الواقع والإنسان، عبر أسئلة يحاورها الوعي في ارتباط آلي مع اليد الراسمة التي تخط الأشكال في الرسم، وتعيد صياغة المادة وفق جدل المكان والزمن، تبدع وتولد الأشياء".