. تنبيهات: 1. إدانة إزهاق أرواح الأبرياء تحت أي مسمى كان، فاستهداف المدنيين العُزّل مرفوض شرعا وعقلا وعُرفا. والإرهاب، أي إرهاب مرفوض وغير مبرر، سواء كان إرهاب أفراد أو منظمات أو دولة. 2. رفض ازدواجية المعايير، إذ يُفترض في الإدارة الأمريكية وغيرها، مثلما أدانت بأسى وحسرة كبيرتين قتل دبلوماسييها في ليبيا، يجب أن تدين وبنفس النبرة عمليات التقتيل الجماعي التي ترتكبها طائراتها بدون طيار استهدافا للمدنيين الأبرياء في العراق كما في أفغانستان أو غيرهما. كما يفترض في الإدارة الأمريكية وحلفائها الغربيين إدانة ما تقترفه الألة العسكرية الصهيونية من مجازر في حق شعب فلسطيني أعزل يطالب بحقه في الحياة والأمن. 3. إدانة توظيف أحداث القاهرة وبنغازي خدمة لأجندات داخلية زعزعة لاستقرار سياسي ناشيء وفي طور التشكل، أو خارجية توجيها لانتخابات البيت الأبيض. وإنها قمة الاستخفاف بالمليار ونصف مسلم أن تتخذ دماؤهم حروب غزة واحتلال العراق وأفغانستان والصومال ومشاعرهم مطية لمآرب انتخابية. 4. شجْبُ منطق الغرب الذي يكيل بمكيالين: استهداف الإسلام ورموزه باسم "الفن والإبداع" وحرية إبداء الرأي، ورفض مجرد التشكيك أو التدقيق التاريخي في المحرقة اليهودية، وما يعرف ب"الهولوكوست" التي أسس عليها الصهاينة مشروع كيانهم الغاصب، فاحتلوا الأرض ودنسوا المقدسات وأمعنوا في الشعب الفلسطيني تنكيلا وتقتيلا وتهجيرا؛ ومن تجرأ وكشف حقيقة الخرافة اليهودية يحاكم بتهمة معاداة السامية. 5. فضحُ انتقائية النظام المغربي في التعامل مع "المقدسات وثوابت الأمة"، فلما تعلق الأمر بالإسلام لزم حراس قلعة الشأن الديني وعسسُه الصمت، وبلعوا ألسنتهم. كما يقال. وإلا فأين حماة الدين والملة وحماة مقدسات الأمة الحرمين نموذجا من استهداف دين الأمة ومقومها الأساس؟ أم إن الإسلام في عُرفهم "وكالة" تقدم خدمات لشرعنة الاستبداد؟ 6. ضرورة التمييز أثناء التظاهرات الاحتجاجية في مثل هكذا قضايا بين الشعوب المتعاطفة بطبيعتها مع الحق والعدالة وبين الأنظمة المسؤولة عما تنهجه من سياسات. وعليه، فأمريكا الشعب ليست هي أمريكا البيت الأبيض أو الحكام. من يهن يسهل الهوان عليه: إن استهداف المسلمين في عقيدتهم أو رموزهم الدينية: شخص الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجا، له سياق حري بنا معشر المسلمين المتهمين بالاندفاع العاطفي أن نتدبره استخلاصا للدروس والعبر، فالعيب ليس في الآخر فقط الذي تجرأ ويتجرأ على مقدسات المسلمين ويستفز مشاعرهم، فحظنا وافر من المسؤولية فيما يقع. "من يهن يسهل الهوان عليه". أجل، لقد هُنّا وقبلنا الهوان، وعلينا أن نتحمل التبعات. العيب ليس في صحفي مغمور أو سينمائي يبحث عن الشهرة أو قّس معتوه؛ وإنما العيب فينا نحن الشعوب الإسلامية لما استكنا وركنّا إلى أنظمة قايضت بقاءها في الحكم وتوريثه للولد بكرامتنا وعزتنا وأرضنا ومقدساتنا وثرواتنا. العيب فينا إذ سكتنا عن الفساد وطبّعنا معه، وتعايشنا معه، واستحال قدرا وقضاءً، فسرت فينا أوبئته، وتغلغلت في مفاصل مجتمعاتنا سمومه، وصرنا أضحوكة الأمم: هل قدمنا للغرب لكي يحترمنا نموذجا سويا في الحكم؟ هل أعطينا للغرب دروسا عملية عوض الشعارات في التداول على السلطة؟ هل نجحنا في اعتماد نهج اقتصادي ينسجم ومؤهلاتنا وثرواتنا، بل وطاقاتنا البشرية؟ هل عرضنا على الغرب نموذجا أخلاقيا هو في النهاية تطبيق عملي لقيمنا ومبادئنا الإسلامية؟ إذن، كيف نطلب من الغرب أن يحترمنا، ونحن لا نحترم أنفسنا، ولا نتمثل قيمنا وأخلاقنا؟ العيب فينا يوم تنكبنا طوعا أو كرها عن الجادة التي أمرنا أن نعض عليها بالنواجذ، فانتقضت عرى ديننا عروة عروة، بداية بالحكم ونهاية بالصلاة. العيب فينا إذ ارتضينا منظومة قيم غازية، وقبلنا نمط عيش على حساب قيمنا وهويتنا، فنشأت أجيال إلا ما رحم ربك إبقاءً على خميرة تؤسس لانبعاث تكفل الله به تكريما لخير خلقه وتاج أنبيائه ومرسليه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جاهلة إن لم تكن معادية لدينها. العيب فينا لأننا غثاء وصفر على اليسار، لا تراعى لنا بما كسبت أيدينا وفعله سفه الحكم فينا ذمة ولا حرمة. إذن، "منطقي وهذا حال المسلمين أن يستأسد علينا العدو، ونحن لا نقوى على أن نزرع طعامنا بأيدينا، والجوع تربع في بطوننا، وكلمتنا شتات؛ فمن يرضى أن يعبأ بنا، وكيف يستقيم والحالة هذه أن نغضب ونحتج ونرفع بالشكوى صوتنا؟!"(1) لذلك أصبحنا مجرد "وقود" للآلة الانتخابية الغربية والصهيونية، مثلما نحن سوق لتصريف فائض إنتاج الغرب في سائر المجالات. فهل ننزعج إذا تهور أحدهم باسم الفن والإبداع فنال من مقدساتنا، بالأمس في شكل صور الكاركاتير، واليوم في شكل شريط سينمائي؟ رب ضارة نافعة: إن توالي عمليات استهداف المسلمين في معتقدهم وشعائرهم يجب أن يكون فرصة لمراجعة الذات الفردية أو الجماعية وتقييم السلوك والاختيارات. فرُبَّ ضارة نافعة. لذلك، فما حدث وسيحدث من استفزاز للمسلمين يفرض: على مستوى الأنظمة السياسية: لقد أبانت مآلات الربيع العربي أن ملاذ الأمة هو الإسلام، فهو المؤهل لجمع شتاتها، وحري بالأنظمة العربية والإسلامية أن تعي الدرس وتستخلص العبر، وتعلن الصلح مع شعوبها إنجازا لإصلاحات جذرية حقيقية لا التفاف فيها، إلا تفعلْ تحق عليها سنن الله تعالى في أخذ المستكبرين، كما حقت على من حسبوا أنفسهم جففوا منابع عزة شعوبهم ووعيها. على مستوى المنظمات والهيئات الإسلامية: إن المَهمة الأساس لهذه الهيئات والمنظمات هو حماية مقومات الأمة وهويتها الحضارية من كل مسخ أو تشويه، وذلك بالتصدي للحملات المغرضة المتسترة وراء الفن والإبداع تنزيلا لمشروع صهيوني يسعى لسلخ أبناء المسلمين عن دينهم وهويتهم. وهذه المَهمة تستدعي مشاريع تعليم ومعاهد دراسات تضحد مغالطات الحاقدين على الإسلام وقيمه، من جهة. وترسخ قيم الاعتدال والوسطية والإيجابية فكرا وسلوكا وفعلا، من جهة أخرى. على مستوى الحركات الإسلامية: إن فطرة الأمة الإسلامية والحمد لله سليمة، وإن ما يبدو على عامة الناس من مظاهر قد لا تمتُّ إلى الإسلام بصلة، إنما هو بفعل ما تعرضت وتتعرض له من تضليل وإغواء، وما أُكرهت عليه من اختيارات وتوجهات؛ وإنه ليس من الإنصاف والحكمة اتهامها في عقيدتها واليأس من صلاحها. لذا وجب على العاملين في حقل الدعوة أن يطوروا أساليب عملهم معانقة لهموم ضحايا السياسات غير الرشيدة، وانتشالا لهم من براثن الاستلاب والغفلة عن دينهم ليصبحوا عامل بناء، لا عنصر هدم في مشروع انبعاث الأمة. على مستوى وسائل الإعلام: لقد آن الأوان لوسائل إعلامنا في ديار الإسلام والمرئي منها خاصة أن تنخرط جديا في مشروع انبعاث الأمة تعليما وتوجيها وتعبئة للجهود عوض تعميق جراح الأمة بإذكاء أسباب الفرقة ونشر الفاحشة بين شبابنا المغرر بهم. على المستوى الأسري: إن ما حدث يجعلنا معشر الآباء والأمهات أمام مسؤولية عظمى جاءت هذه الأحداث لتنبهنا إليها. إنها مسؤولية تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة إسلامية، تحبب لهم ربهم ورسولهم وقرآنهم، وتُحصنهم بالدراية الحقة والمعرفة السليمة بأمور دينهم قبل أن يقعوا في شراك المشككين والحاقدين على الإسلام ورسالة للبشرية جمعاء تنزيلا لمشروع العُمران الأخوي. لكل ميلاد صرخة: إن تفاعل الشارع الإسلامي مع قضايا الأمة رغم ما يسجل من اندفاع وحماسة وتهور أحيانا لا يخدم جوهر القضية يؤشر لمرحلة جديدة في علاقتنا بالغرب الذي تمكنت منه الروح اليهودية المعادية لقيم العدل والحرية والكرامة، انسجاما مع ما أجراه ويجريه الله تعالى من أحداث غير متوقعة، يستعيد فيها المسلمون زمام المبادرة تمكينا للإسلام باعتباره مشروعا تحرريا من نَيْر الاستكبار والمستكبرين، وهداية لمن شاء من البشرية بعد أن تنقشع غشاوة الغواية اليهودية. و"إنها مواجهة كونية هائلة بين حق الوحي و"ظن الجاهلية"، بين أخلاق الإسلام و"تبَرُّجِ الجاهلية"، بين أخوة الناس جميعا والتسامح والرحمة وبين"حَمِيَّةِ الجاهلية"، بين عدل الإسلام وشورى الإسلام وبين "حُكم الجاهلية".(2) ولكي تسمع الانسانية خطاب الإسلام يجب أن نقدم لها نحن المسلمين نموذجا ناجحا في الاستقامة والقيم، كما في الاقتصاد ونظام الحكم "لاشيء أفصح خطابا للانسانية جمعاء من نجاحنا حيث يخفق الناس، وتكون نموذجيتنا إشهارا للإسلام ورحمة صارخة..".(3) يجب "أن نغشى دعاة الإسلام وحملة لوائه وإخوان رسول الله صدقا وحقا كل مجلس، ونخاطب كل إنسان، لنتكلم بلغة الاقتصاد ولغة السياسة ولغة حقوق الإنسان، نفهم حقوق الإنسان فهمنا القرآني النبوي، لا نتنازل لفهمهم، ولا نترك لقاصري العلم منا أن يساعدوا الدعاية المضادة للإسلام عندما يلخصون الإسلام في أنه دين قطع الأيدي. نخاطب الإنسان والعالم بكل لغة يفهمها لندخل إلى فطرته المطموسة المخمورة المخدرة نوصل إليها رسالة الإسلام، وخبر الآخرة، وخبر الجزاء، وخبر الخلود في الجنة أو النار، وخبر النبوءة. فإن كنا يقتلنا الهُزَال المادي والمعنوي والفكري فلن يُسمع منا خطاب."(4) هوامش: 1. المضمون من قصيدة للشاعر الشاب المصري هشام الجخ تحت عنوان: "منطقي" بالعامية المصرية، هذا رابطها وقصائد أخرى: http://www.youtube.com/watch?v=crXC4...8A6F795B6D1EC1 2. "سنة الله" للأستاذ عبد السلام ياسين. ص:119 3. نفس المرجع. ص:317 4. نفس المرجع. ص: 328،329 .