مواصلة التألق والإصرار على الجودة تستعد مدينة مراكش لاستقبال مهرجانها السينمائي الكبير في نسخته العاشرة، التي من المقرر أن تنطلق في الثالث من ديسمبر القادم، مع ما يرافقها من تقاطر للنجوم العالميين والمهتمين بمجال الفن السابع عموما، وقد أعلنت مؤسسة المهرجان في بلاغ عممته على وسائل الإعلام، عن اختيار السينمائي المخرج والممثل الأمريكي جون مالكوفيتش لرئاسة لجنة تحكيم الدورة العاشرة لمهرجان مراكش الدولي للفيلم. ولجنة التحكيم التي كانت دائما عنصر قوة وتميز لهذا المهرجان عن غيره، تتكون هذه السنة من الممثل والمخرج المغربي فوزي بنسعيدي، والممثل والمنتج الإيرلندي غابرييل بيرن، والممثلة ماغي تشونغ من هونغ كونغ، والممثل والمنتج والمخرج المكسيكي كايل كارسيا برنال، والمخرج وكاتب السيناريو الفرنسي بونوا جاكو، والممثلة الأميركية ذات الأصول اللاتينية إيفا منديس، والممثل الإيطالي ريكاردو سكمارتشيو، والممثلة المصرية يسرا. وبدورها ستترأس الممثلة الأمريكية سيغورني ويفر، التي كرمها المهرجان في دورة 2008، مسابقة الأفلام القصيرة المخصصة لطلبة معاهد ومدارس السينما بالمغرب والتي تم استحداثها لأول مرة هذه السنة. وأوضحت مؤسسة المهرجان أن هذه المسابقة تهدف إلى «خلق فضاء للإبداع السينمائي والإدماج المهني للسينمائيين الشباب»، وسيحصل الفيلم الفائز بجائزة قيمتها 300 ألف درهم، وسيشارك سيغورني ويفر في اختيار الفيلم الفائز كل من الممثلة والمخرجة الفلسطينية هيام عباس، والمخرج والممثل الفرنسي كزافيي بوفوا، والمخرج المغربي المتوج مؤخرا في مهرجان طنجة، عادل الفاضلي، والمخرجة الإيرانية مرجان ساترابي، والممثلة الفرنسية إيمانويل سينيير. أما انطلاقة الدورة فستدشن بعرض فيلم «هينريس كرايم» للمخرج الأميركي مالكولم فينفيل، وأوضحت إدارة المهرجان أن هذا العرض الافتتاحي سيعرف حضور مخرج الشريط والممثلين كيانو ريفس وجيمس كان. وفي خانة التكريم، سيتم الاحتفاء بالممثل المغربي الراحل العربي الدغمي، كما سيتم تكريم الممثلين الأمريكيين جيمس كان وهارفي كايتل، والمخرج المغربي عبد الرحمان التازي، وكذا المخرج الياباني كيوشي كورساوا صاحب فيلم «طوكيو سوناتا» وليس أكيرا كورساوا -كما قد يتهيأ للكثيرين- أما بخصوص الماستر كلاس 2010 فتتم هذه السنة مع كل من المخرج الأمريكي الكبير فرانسيس فورد كوبولا صاحب أفلام (العراب،le parrain ) و(القيامة الآن apocalypse now)، والمخرجين وكاتبي السيناريو البلجيكيين جان بيير ولوك داردين، والمخرج والسيناريست الكوري الجنوبي لي شانغدونغ. وفد صار من الملاحظ على مهرجان مراكش، دورة بعد أخرى، الاهتمام الكبير الذي توليه البرمجة لسينما شرق آسيا، خاصة المخرجين اليابانيين والكوريين. وقد سجلت هذه السينما حضورها في مهرجان كان 2010 بحصول الفيلم الماليزي Oncle Boonmee على السعفة الذهبية. ويستمر مهرجان مراكش الدولي في احتلال الصدارة ضمن خريطة المهرجانات السينمائية العالمية باستقطابه لألمع النجوم العالميين ولأسماء ذات تأثير كبير في مسار السينما الدولية. وثمة فقرات مهمة سوف يعيشها المهرجانيون على هامش المسابقة الرسمية، من بينها «نبضة قلب» «Coup de cœur»، هذه الفقرة، التي أصبحت تقليدا ينظم كل دورة، يتم خلالها عرض أفلام تعتبر علامات ومنعطفات في الفن السابع، إضافة إلى أفلام خارج المسابقة، وعروض ساحة جامع الفنا والتكريمات... وتحت عنوان السينما للجميع، دأب المهرجان على إشراك ذوي الاحتياجات الخاصة وجعلهم في الصورة أيضا من خلال تقنية الوصف السمعي. هي ذي الأوجه المتعددة والغنية لمهرجان مراكش وكلها تنتظم وتتأثث على شرف السينما إبداعا وحبا لجماليةالصورة كلغة كونية للتعبير عن كوامن الذات الإنسانية. يحل جون مالكوفيتش رئيسا للجنة تحكيم الدورة القادمة، بعد كل من فولكر شلاندورف 2003، ألن باركر 2004، رومان بولانسكي 2006، ميلوش فورمان 2007، باري ليفنسون 2008، عباس كياروستامي 2009، هؤلاء مخرجون ومبدعون كبار، تركوا بصماتهم واضحة في عالم السينما، واستحقوا حسب التعبير اليوناني لقب «أنصاف آلهة»، كلهم كانوا رؤساء لجان تحكيم الدورات الماضية لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، ولعل مجرد ذكر وسرد هذه الأسماء سيكون كافيا للتدليل على قيمة النتائج التي خلصت إليها اللجان التي ترأسوها، والتي بدورها كانت تضم نجوما ومثقفين من بينهم مغاربة، وتعد نجمة المهرجان في غليان المسابقات الرسمية، على مر مختلف الدورات، بعيدة المنال لأنه يصعب إرضاء وإقناع لجان مكونة من أنصاف الآلهة الأسطوريين، الذين لم يعد في الإمكان الحديث عن تاريخ السينما دون التوقف عندهم. من منا يعشق السينما ولم ينبهر بفيلم (طيران فوق عش الوقواقVol au dessus d'un nid de coucou) لميلوش فورمان، ومن منا لم ينفعل بعنف كبير مع ألن باركر في فيلمهMidnight express، وهل من عشاق السينما من لم يتأثر غاية الأثر بفيلم «الطبل» لفولكر شلوندورف المأخوذ عن رواية الكاتب الألماني الكبير غونتر غراس، ومن منا لم يسافر مع الدب الصغير سفر الحياة والتحدي برفقة المخرج الفرنسي الكبير جان جاك انو في فيلمه L'ours وكان أيضا رئيسا للجنة تحكيم دورة 2005، هذا ما كان يجعل النجمة صعبة المنال، لأن الجودة والتميز الإبداعي شكلا باستمرار شروطين أساسيين للفوز بإحدى نجمات مراكش، بعيدا عن أي حسابات أخرى، إذ ليس غريبا في مهرجان مراكش السينمائي الكبير، أن تفوز أعمال لدول مغمورة سينمائيا مثل قرغزستان بفيلم «سرطان» لمخرجه ارنست أبديشاباروف، وتتميز على إنتاجات كبيرة لدول عريقة ومخرجين كبار، وليس من السهل أن يتوفق ممثل في بداية مشواره في أن يخطف النجمة من يد كبار الممثلين. كل ما يعرض داخل المسابقات من أفلام مشاركة بالغ الروعة، ومنتقى بعناية شديدة، ويبدو من الصعوبة بمكان اختيار الفائز من بينها، ولكن التميز يكون العامل الحاسم في النهاية ولا تكون النتائج مفاجئة لمن تابعوا جميع فقرات المسابقة. هذه هي السمعة التي تجعل من مهرجان مراكش مهرجانا لا يضاهيه إلا مهرجان كان أو البندقية، ولهذا فهو مفخرة مراكش والمغرب، مهرجان لا يمكن مقارنته على كل حال بمهرجانات صنعها الترف من أجل البهرجة وجلب الأنظار أو مهرجانات الجعجعة ولا طحين.