أثار إطلاق مسابقة "ملكة جمال البساطة" بمصر والتي تختار ملكتها من بين الفتيات ساكنات العشوائيات والمقابر، الكثير من الجدل. وشهدت مصر المفحمة بمشاكلها الداخلية العديد من المناقشات والانقسامات ما بين مؤيد ومعارض لهذه المسابقة التي يرى المؤيدون لها والقائمون عليها تسليطاً للأضواء على واقع مرير تعيشه فئة مهمشة وسط قيد من ملفات الحكومات المتعاقبة على تولي المسؤولية، وبين معارض شرس يرى أن هذه المسابقة تؤكد على مشاهد القبح ودعاية سيئة لمصر بأن فيها أناساً لا يعيشون حياة آدمية ويسكنون المقابر والعشوائيات، يتدثرون الخوف ويلتحفون السماء. القضية في وجهة نظري أكبر من مجرد حرب كلامية بين مؤيد ومعارض. القضية قضية وطن يخلع عن نفسه صفة العشوائية ويتنكر لواقعه المؤلم والمرير، وطن يئن فيه أكثر من خمسة ملايين إنسان ضحايا التهميش والإقصاء، يعيش فيه أطفال تتفتح مشاعرهم على الدونية والازدراء والطبقية، ومنهم من يلعب وسط القبور وشواهدها المخيفة القاسية، أطفال يعيشون على بقايا كرم وعطايا الأحياء، يسعدهم احتضان التراب لوافد جديد يخرج من دائرة الحياة لخلود الموت، لأن أقاربه حتماً سينفقون بسخاء على جيران هذا الميت من هؤلاء المهمشين. كيف نرفض وبشدة تسمية المسابقة باسم ملكة جمال العشوائيات والمقابر على الرغم من أن هذا الاسم ليس اسمها الفعلي وإنما ما أطلقته وسائل الإعلام، وهي تحمل اسم مسابقة ملكة جمال البساطة، وما هي إلا مسابقة تكفر بالجمال الخارجي وما تحدثه المساحيق وكريمات الشعر وصالونات التجميل من تغيير جذري في أجسام باهتة ووجوه مرسومة بألوان زاهية ولكنها لا تحمل معنى ما أو ترسل رسالة إنسانية محددة، مسابقة تشرح واقعاً نحياه بالفعل ونغمس رؤوسنا في رمال الجهل والتجمل ونكران الواقع. ترفض الدكتورة ميرفت التلاوي رئيس المجلس القومي للمرأة وبشدة هذه المسابقة الجدالية وتريد توجيه الضمير والوعي الجمعي المصري لرفضها كونها تدعو للقبح بمقولة "بلاش نعود الناس على الزبالة". من حق رئيس المجلس القومي للمرأة أن تطالب بألا يعتاد الناس على القبح، ولكن من أين يأتي الجمال ونحن حين نعتلي قلعة صلاح الدين لمشاهدة القاهرة والتمتع بمشهد سياحي جذاب نرى العشوائيات تحتضن أهم مشاهدنا السياحية، وتعكر صفو مزاج أبصارنا الحالمة بقاهرة أجمل. نقول لمصرنا ما قاله فاروق جويدة، فمن أين يأتي لعينيك ضوء وكل الذي في الحنايا انكسار. لدينا عشوائيات باعتراف حكومي صريح على ألسنة الكثير من مسؤولينا من أول المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء إلى الدكتور جلال مصطفى محافظ القاهرة الذي طالب بأن يكون تطوير العشوائيات والقضاء عليها قضية دولة وليس فقط قضية حكومة، هذا الرجل اعترف بأن عشوائيات القاهرة وحدها تمثل 33 بالمئة من عشوائيات مصر، وأن لدينا 284 ألف مواطن يعيشون في مساكن غير آدمية. ما بال بعض أمهات المشاركات بمسابقة ملكة جمال البساطة اللاتي تزايدن على الموقف البائس والحال المتردي وتنكرن واقعا ملموسا بكونهن من ساكنات العشوائيات في مغازلة صريحة لحكومات تعاقبت على عشوائياتهن بعين خجلى وزيارات شحيحة تصاحبها ضجة إعلامية دون تغيير حقيقي لواقع مزر ومهين. نعم لدينا عشوائيات، وساكنو قبور معذبون، وساكنو قصور لا يرونهم إلا كمشاهد سينمائية في سينما نطلق عليها "موجة أفلام العشوائيات"، ثم يخرجون من تلك المشاهد بلا شيء ولا حل. دعوا الفتيات يطلقن صرخاتهن المكتومة وتسليط ضوء إعلامي هارب من الواقع الفعلي على قضاياهن، واقطعوا رقاب نعاماتكم المتوارية، علهن يكتبن رسالة جديدة لجمال آخر غير هذا الجمال الذي يقبع خلف المساحيق، والأكتاف عارية.