يرويها ماء العينين مربيه ربو كواليس المؤتمر التأسيسي للبوليساريو الحلقة11 ما أصعب أن يعيش الإنسان فى وهم لأكثر من أربعين عاما، وفجأة يكتشف أن ما كان يؤمن به مجرد خزعبلات لا تخدم مصلحته ولا مصلحة بلاده، ويدرك، بعد رحيل العمر، أن الواقع شيء آخر حجبته الجهات المستفيدة عن الأنظار. هذا هو حال العديد من قيادات البوليساريو سواء التي التحقت بأرض الوطن أو تلك التي تتحين الفرصة للانفلات من مخالب المخابرات الجزائرية. بحرقة من تعرض للاختطاف، وهو شاب يافع، يتحدث ماء العينين مربيه ربو، المدير السابق لإذاعة البوليساريو، وعضو مؤسسة ماء العينين للتراث، عن سنوات طوال من التعذيب وسط المخيمات، وما تلاها من عمل قسري داخل المخيمات وعلى التراب الجزائري. جلسة شاي، فإغماءة، فشعور بقيد يدمي المعصمين... ثلاث محطات غير محددة زمنا، رغم تقاربها، ستكون بداية حياة جديدة وسط القيادة الأولى للبوليساريو. سجن كبير لا مجال فيه للتمرد رغم الشعور اليومي بحرقة الفراق. مغاربة تتلمذوا ودرسوا بجامعات بلدهم المغرب، تحولوا، بمؤامرة محبوكة من جزائر بومدين، إلى حاملين لسلاح المعسكر الشرقي، ولأفكار لا تحمل من الثورية والتقدمية سوى ما يليق بمقاسات أطماع الجارة الشرقية التي كبح جماحها الملك الراحل الحسن الثاني. وقائع وشهادات ينقلها لقراء بيان اليوم، في حلقات، الأستاذ ماء العينين مربيه ربو، الذي يحكيها، من مواقعه المتنوعة والمسترسلة زمنا، سواء كسجين، أو كمؤطر عسكري، أو كصحفي، ثم كمدير لإذاعة البوليساريو. مشاهد صادمة، بل مفجعة بكل معنى الكلمة، يرويها لنا ماء العينين، تنقلنا إلى ما وراء سياجات المخيمات وأسوار السجون، وإلى صالونات محمد عبد العزيز وزوجته خديجة حمدي، قبل أن تمضي بنا إلى العاصمة الجزائر التي ستكون، بعد محاولات الفرار، نهاية الكابوس الطويل، وبداية معانقة الوطن الأم المغرب. بعد التعذيب الذي مارسه القائد العكوري في حق عمر الحضرمي ومحمد سيداتي وغيرهم من مؤسسي البوليساريو في واقعة طانطان سنة 1972، بدأ التسلل للجزائر ينشط، وخاصة لمدينة تندوف التي تعج بقبائل الصحراء ذات الأصول الصحراوية، ولها اتصالات مباشرة مع المنطقة التي توجد بها اسبانيا. كما بدأ مؤسسو جبهة البوليساريو التحرك وسط السكان يحثونهم على مواجهة الأسبان، مع تنفيذ عمليات مسلحة صغيرة. وبعد مضي أقل من سنة، وبالضبط مساء يوم 29 أبريل1973م ، عقدوا مؤتمرهم التأسيسي المتنقل بالزويرات، حضره مؤتمرون من بئر أم أكرين، ونواكشوط، ومن الصحراء المغربية. تم الاجتماع بدار أحمد ولد القائد صالح بازويرات. شارك في المؤتمر الولي مصطفى السيد، ومحمد سعدبوه، ولبات ولد حمدي ولد ميارة، وأسويدي ولد السيد "قابوس "، ومحمد عبد العزيز، ومحمد لامين ولد أحمد، بوطل سيد أحمد، وحبيب الله، وحمدي ولد لوليد "لخويدم"،و الداه نفعي، وإبراهيم غالي، وأحمد الفيلالي، موحمد سالم ولدعبدلا، وعمار العظمي، والبشير ولد عبدلا، والبندير ولد أمعييف، وأبليل صيلة، وكانت أمباركة بومخروطة هي الوحيدة التي تدخل وتخرج على المجتمعين ومكلفة بتغذيتهم، أما امهمد ولد زيو، وأحمد ولد القائد صالح، وموسى ولد لبصير فقد وصلوا متأخرين. أما البشير مصطفى السيد ولوشاعة عبيد فلم يتمكنا من الحضور لأنهما كانا فى مهمة بمدينة أطار وقد اكتفيا بإرسال برقية تضامن تمت قراءتها أمام الحاضرين. كان النقاش في البداية ساخنا وقد دار النقاش حول سؤال متعلق بطبيعة هذه المحطة من التحضيرات لتأسيس الثورة المزعومة، وهل هذا الاجتماع مجرد محطة أخرى في مسلسل محطات التحضير، أم أنها المحطة النهائية والجلسة الأخيرة من المؤتمر التأسيسي المتنقل. ولكن الولي مصطفى السيد الذي كان في سباق مع الزمن، ركز على ضرورة اعتبار هذا الاجتماع مؤتمرا تأسيسيا، لأن الزمن يمر، وذك الحاضرين بالمجموعة المسلحة التي ستكون في الموعد بمنطقة حاسي بوجنيبية يوم سادس ماي1973 . وبعد أخذ ورد ونقاش مطول تم الاتفاق على اعتبار الاجتماع مؤتمرا تأسيسيا، وتم تعيين محمد لامين ولد أحمد رئيسا للمؤتمر، والمصادقة على جدول الأعمال التالي: تأسيس التنظيم وتسميته تفجير الكفاح المسلح وضع قانون داخلي. وطيلة تلك الليلة تناول النقاش جدول الأعمال. وكان هؤلاء الرجال القلائل الذين سهروا طيلة تلك الليلة مع النقاش والتدخين والشاي يضعون اللبنات الأساسية لتنظيم سياسي جديد. . في الصباح تم تشكيل اللجان المتفرعة عن المؤتمر وهي كالتالي: - لجنة القانون الداخلي - لجنة البيان السياسي - لجنة التوصيات والرسائل والمبادئ والشعارات وتفرغت اللجان لأعمالها، ومساء يوم 30 أبريل عرضت اللجان أشغالها. وتواصل النقاش طيلة تلك الليلة، وفي اليوم الموالي، فاتح ماي، تم تشكيل لجنة للصياغة وفي المساء عقدت الجلسة الختامية للمؤتمر وتمت المصادقة على مقرراته، وانتخاب قيادة للتنظيم طبقا للقانون الداخلي المصادق عليه في المؤتمر، وكانت كالتالي: اللجنة التنفيذية: محمد لامين ولد البوهالي، محمد لامين ولد احمد، إبراهيم غالي، محمد سعدبوه، الفراح حسني "عبد الغني" الصالح ولد غشيو، وعضو ملحق باللجنة التنفيدية هو الولي مصطفى السيد. وأعضاء المكتب السياسي وعددهم 11 فردا مختارين من المؤتمر على أساس ترك الاختيار لكل فرع من فروع التنظيم لاختيار مسؤوليه الذين سيكونون أعضاء في المكتب السياسي، والمتكون قانونيا من 21 فردا " 3 أعضاء للتنظيم في طانطان، و3 في العيون، و3 في الداخلة، وواحد في السمارة ". كما تم تأسيس الجناح العسكري، والجناح السياسي للتنظيم، وطلب من الحاضرين الاختيار بين الجناحين... وهكذا كانت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب قد ولدت بمدينة ازويرات، في الفاتح من ماي من سنة 1973. هنا يطرح العديد من المتتبعين سؤالا معقولا. كيف يكون المؤتمر التأسيسي قد تم اختتامه يوم فاتح ماي، والبوليساريو الذي تلاعبت به أياد خارجية، يجعل من عاشر ماي من كل سنة ذكرى لتأسيس الجبهة. إن الأسباب التي دعت لذلك، هو أن اللجنة التنفيذية في اجتماعها الأول، بعد المؤتمر التأسيسي، قررت إرسال محمد لامين ولد أحمد إلى العاصمة الموريتانية، للاتصال بالسفارات وتوزيع البيان السياسي يوم عاشر ماي، بعد أن رفض عمار حضرمي المهمة. وذلك للحفاظ على السرية، وليتمكن المشاركون في المؤتمر من الانطلاقة. وهذا ما جعل العالم لا يعلم بتأسيس الجبهة إلا يوم عاشر ماي، لما نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية عن طريق مراسلها بنواكشوط. كما كان للوالي رزنامته الخاصة به والمعتمدة على تواريخ تقريبية افتراضية، منها على الخصوص تواريخ توزيع المناشير بمدن الصحراء المغربية المعلنة نبأ ميلاد البوليساريو، وما يتطلب ذلك من قطع مسافات وكسر للحواجز، وكذلك كان له تاريخ تقريبي للاتصال بالوحدات المسلحة لربط القول "التصريح بالميلاد " بالفعل "العمل المسلح ".وقد كان ذلك البيان السياسي التأسيسيمن صياغة الولي مصطفى السيد. وقررت اللجنة التنفيذية خلال اجتماعها الأول بعث أحمد الفيلالي لإبلاغ نتائج المؤتمر لما يسمى " مناضلو الداخل" باعتباره أحد أعضاء المؤتمر القلائل الذين يملكون البطاقة الإسبانية، وباستطاعته الدخول للعيون من دون مشاكل. وتم إرسال الداه نفعي للاتصال ببعض الشخصيات داخل مدن الصحراء المغربية، وأحمد ولد القائد صالح كلف بالاتصال بجهات ليبية "سعيد القشاط "، أما مجموعة الجناح العسكري فقد قررت الانطلاقة لتفجير ما كان يسمى الكفاح المسلح، وبدؤوا في وضع خريطة للمنطقة وتحديد المناطق الإستراتجية والآبار وأماكن المياه. يجب تدقيق الأمور فيما يخص قيام جبهة البوليساريو. الهدف الأساسي كان تحرير الصحراء المغربية من المستعمر الاسباني. كما يجب تدقيق دور الشخصيات الأولى وما ستعرفه من مضايقات وتصفيات. فقد انتخب المؤتمر الأول إبراهيم غالي أول أمين عام للجبهة، واختير اسم "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب"، وهي الكلمات التي أعطت عبارة"البوليساريو" باللغة الإسبانية. وبالعودة لكلام البشير الدخيل،الذي كان أحد مؤسسي الجبهة إلى جانب الوالي مصطفى السيد، الذي قتل في موريتانيا عام 1976، وعمر الحضرمي، العائد إلى المغرب بعد ذلك، كانت التسمية الأولى للبوليساريو، والتي لا يزال محتفظا بها إلى اليوم، تشير إلى أن الهدف هو تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، اللذين كانا تحت الاحتلال الإسباني، ولم يكن مطروحا في جدول أعمال الجبهة أي حديث عن الانفصال عن المغرب، بدليل أن عبارة "الصحراء الغربية" لم تصبح جزءا من الاستراتيجية العسكرية و الإعلامية إلا بعدما دخلت " الجزائر على الخط فيما بعد، لتحريف الجبهة عن أهدافها الحقيقية. في العام التالي، أي في سنة 1974، تم عقد المؤتمر الثاني للبوليساريو فوق أرض " الجزائر، في منطقة تسمى"أم غريض" قرب تيبازا الجزائرية، وتم انتخاب الوالي مصطفى السيد أمينا عاما بالإجماع. لكن الجزائر في تلك الفترة بدأت تعي الدور الذي يمكن للجبهة الوليدة أن تلعبه في خدمة مصالحها ضد المغرب، ووجدت أن الأمور تنفلت من بين يديها، لذا عملت على تقوية جناح داخل البوليساريو محسوب عليها، يتزعمه محمد عبد العزيز، الذي سيتم "انتخابه"بدعم من النظام الجزائري أمينا عاما للبوليساريو خلفا لمصطفى السيد الذي قتل في ظروف غامضة تشير فيها الأصابع إلى " الجزائر، لفتح الطريق أمام الاستراتيجية التي خططت لها ضد المغرب. فقد كان وضع عبد العزيز على رأس البوليساريو انقلابا أبيض دبرته الجزائر لتحريف مسار الجبهة وتحويل صراعها نحو المغرب بدلا من إسبانيا، وهنا بدأ الحديث عن"الصحراء " الغربية" للتشويش على قضية الصحراء الشرقية التي اقتطعتها الجزائر من التراب المغربي بدعم من الاستعمار الفرنسي.