شاندو.. عاصمة الضباب بالصين الحلقة8 عندما يستيقظ التنين يهتز العالم.. كذلك قال نابليون بونابارت، وكذلك اهتزت الأرض بعد استيقاظ تنين الصين. بيان اليوم تصطحبكم في رحلة طيلة شهر رمضان، عبر حيز ضيق من صفحاتها لا يتسع لبلد بحجم الصين، تضعكم في قلب مدنها وتتجول بكم في شوارعها، وتقربكم من أناسها. البداية ستكون بالعاصمة الروحية بيجين كما يتغنى بها الصينيون أو بكين كما وصلت العالم، والحكاية ستنتهي أيضا مع بيجين، لكن بين بيجين وبيجين هناك الكثير من المشاهد التي رصدتها بيان اليوم، بداية من مدينة البيفوانا مرورا بمدينة الماء والسماء، وصولا إلى عاصمة الصين قبل آلاف السنين ومركز الإسلام والمسلمين. الصينيون شعب ينام في دقيقة ويستيقظ في دقيقة، شعب يشتغل كثيرا ويأكل قليلا، يحسب خطواته، ويقيس حركاته.. ببساطة إنهم أناس ينافسون الحواسيب والهواتف الذكية في نظامها ودقتها ونجاعتها. بيان اليوم ترسم لكم صورة أخرى عن شعب تمكن من الجمع بين مجتمع محافظ ومتطور، عبر تمسكه بالهوية والتقاليد من جهة وانفتاحه على العلوم والمعرفة من جهة أخرى. هذه هي الصين.. بمحاسنها ومساوئها تبقى أول بلد في العالم اقتصاديا وبشريا وصناعيا. الوجهة كانت نحو غرب الصين، رسونا في رابع أنشط مطار بالصين، ولامسنا الضباب في سماء مدينة لا يفارقها، ببساطة وصلنا مدينة تشنغدو أو شاندو كما يحلو للصينيين. مناخها يبعث على الارتياح، وسكانها في حركة دائمة، رياحها لا شرقية ولا غربية، معتدلة تساعد على الإنتاج، في فندق يعلو ب30 طابقا اخترنا المبيت في المدينة التي وصلناها ليلا، ولم نحدد ملامحها بعد. الفجر لاح، والضباب يكسو المدينة، زخات مطرية تنعش الشجر والحجر والبدن، شوارعها تقارن بشوارع بيجين، بل هي أفضل. الساعة تشير إلى 8 صباحا، الدنيا ربيع والجو بديع، والمدينة تتجمل في أبهى صورة، تجمع بين التاريخ والحاضر، بنايات شاهقة وطرقات رهيبة وتجهيزات ضخمة، تقابلها مدينة مسنة، ببناياتها الصغيرة الجميلة، ودروبها التي تزينها الورود والأزهار. شنغدو.. رابع أغنى مدينة في الصين، ومن بين المدن الآسيوية الأكثر استقطابا للاستثمارات الأجنبية، والأكثر تقدما في علوم التكنولوجيا. لكل منهم قبلة هو موليها، فقبلتي كانت شوارع شاندو، مدينة أتسكع فيها وأركض في شوارعها ولي فيها مآرب أخرى. ببساطة، قبلة تسر الناظرين، فالمدينة عزيزة على قلب ساكنيها، ولن تجد أي منهم يشكوها للسماء أو للأرض. لا يحلو المقام في شاندو دون شرب الشاي المعد في مقاهيها المختلفة، فهي عادة عكف عليها الصبية كما الكبار، فلا الشاي ينبغي له أن يسبق بزوغ الشمس ولا الشمس ينبغي لها أن تسبق الشاي فكل في مدينة يلتقون. فخيوط الشمس المتسربة من ثقوب ضباب شاندو، تعطي انطلاقة الحج إلى مقاهي المدينة، فأزيد من 3 آلاف مقهى تنتشر في شوارعها ودروبها، وجلها يستقطب أناسا من مختلف الأعمار، فهي عبادة صينية بامتياز تحمل طابع مدينة "شاندو". عكس بيجين، مدينة الضباب الصينية، لا تنام، فالحركة لا تتوقف في كل تفاصيل مسالكها، ولا تهتم للإنارة العمومية، فاللوحات الإشهارية التي تعانق البنايات الفارعة تفي بالغرض. كانت مدينة تشنغدو قبل أكثر من عشرة آلاف سنة مركز نشاطات المحليين القدامى. وخلقت الأجيال القديمة بذكائها واجتهادها حضارة "شو" ذات الميزات المحلية الواضحة. وفي عام 2500 قبل الميلاد، اختارت دولة شو القديمة هذا المكان عاصمة لها، وسمتها ب"تشنغدو". الليل يحط الرحال في ذات خميس بشاندو، ولكن الناس لا يمضون للنوم، فليل المدينة يغري أكثر من نهارها، وأسواقها وشوارعها تستفزك أكثر لمناقشتها، وحوار دروبها وأناسها. احتضان الأشجار ليس صفة في بيجين فقط، بل شاندو كما باقي مدن الصين تؤمن بتمازج الشجر والحجر من أجل عيش البشر. ولا يمكن أن تجد شارعا أو زقاقا دون مساحات خضراء، والتماثيل تنتشر في كل مكان في شوارع المدينة، فتمثال الفلاح والفيلسوف والموسيقي والغلام والشيخ وكذلك ماوتسي تونغ، أب الصين الشعبية، حيث تخصص المدينة حيزا مهما لجماد الرجل في أكبر ساحاتها، يذكر الصينيين بتضحيات آبائهم وأجدادهم. على جنبات بعض الشوارع، يطلق الشيوخ وكبيرات السن العنان لأرجلهم لتتحرك يمينا وشمالا، ولأيدهم بأن تساير إيقاع الموسيقى الصينية القديمة، إذ يجتمع المسنون والمسنات في جنبات عديد الشوارع للاستمتاع بآخر سنوات عمرهم.