المعطيات التي كشف عنها لحد الآن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المتعلق بقضية الصحراء تبرز انتصارا واضحا للعقل، ذلك أن الحديث جاء واضحا بخصوص الحل السياسي المتفاوض عليه ولم يشر نهائيا إلى الاستفتاء، وبعثة المينورسو لم يرد أي حديث عن توسيع لصلاحياتها لتشمل مثلا مراقبة حقوق الإنسان، كما أنه تم التنصيص على ضرورة إحصاء ساكنة مخيمات تيندوف على التراب الجزائري، وتضمن التقرير إحالات عديدة على فقرات من خطاب جلالة الملك في ذكرى المسيرة الخضراء، كما أنه أهمل تقرير الاتحاد الإفريقي الذي أبدى المغرب رفضا قويا لتدخله في الملف. هذا المنحى الذي سار عليه تقرير الأمين العام الأممي هذه المرة يؤكد صوابية الموقف المغربي الصارم تجاه منهجية مبعوث الأمين العام كريستوف روس، وأيضا ما أبدته الرباط من رفض قاطع لتغيير إطار وصلاحيات بعثة المينورسو أو لتدخل الاتحاد الإفريقي، كما أن ذلك يفرض اليوم على الديبلوماسية المغربية الوعي بالرهانات القادمة، وبضرورة استثمار التقرير الأممي لخوض معركة إحصاء سكان مخيمات تيندوف مثلا، وضمن ذلك فضح الرفض الجزائري للعملية، والعمل لإبعاد النزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية برمته عن دوائر مصالح الدول، ولوضعه ضمن إطاره الطبيعي وإدراج تبعاته ضمن المخاطر الإرهابية والأمنية التي تهدد السلم والاستقرار في المنطقة ككل. اليوم، في مقابل رفض النظام الجزائري الانصياع للقرارات الدولية وإحصاء سكان تيندوف، هناك تنامي الأصوات المستنكرة للتلاعبات والاختلاسات التي تمس المساعدات الإنسانية الدولية والأوروبية الموجهة للمخيمات، وهنا على المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يبحثا بعمق في مسؤولية جينرالات النظام الجزائري، وفي علاقة رفض الإحصاء بواقع المخيمات ومصير المساعدات الإنسانية الدولية. من جهة أخرى، لا زال النظام الجزائري والقيادة المتنفذة في تيندوف وأبواقهما الإعلامية مرتبكين جراء ما نشر عن تقرير بان كي مون، ولا زالوا تحت وقع الصدمة، ولم يبادروا بعد لممارسة أسلوبهم المعهود في مثل هذه المواقف، ولكن معظم المراقبين يعتبرون المعطيات والتوجهات التي تضمنها التقرير الجديد، ضربة قوية للنظام الجزائري، كما أنها ضربة أيضا للاتحاد الإفريقي، حيث أن عدم تجاوب الأمين العام الأممي مع تقريره المنحاز يعتبر تأكيدا لافتقاده المصداقية والموضوعية، أي انتصارا للموقف المغربي، وهذا يحتم على المتحكمين في الاتحاد التأمل مليا والانكباب على عمق ما يعني بلدان القارة وشعوبها، أي الأمن والسلم والوحدة والاستقرار والتنمية والتقدم. إن محطة اجتماع مجلس الأمن تعتبر بالنسبة للمغرب بداية معركة جديدة تقوم على الإصرار على الديبلوماسية الهجومية وعلى تقوية الجبهة الداخلية ومواصلة برامج التنمية والتأهيل داخل الأقاليم الجنوبية، والاستمرار في مختلف أوراش الإصلاح والتحديث في البلاد، وأيضا تعزيز اليقظة تجاه مناورات الخصوم في الخارج بالإصرار على الوضوح والحزم والصرامة دفاعا عن المصالح الوطنية المشروعة للمغرب. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته